سُّودنة الفقه والتشريع الإسلامي (2)
03-20-2019 11:17 PM
حقيقة السّودنة ( SUDANISM ):
مع انطلاقة ثورة ديسمبر المجيدة , اخذ الشعور بالسُّودنة يسير في اتجاه واقعي مُعاش , بل كان اهم ما انتجته الثورة السودانية الحالية من حيث الفكرة والمضمون , ولكن بالنسبة لنا في فلسفتنا كشباب السُّودنة ( SUDANISM ) , نعتقد ان فكرة السّودنة تجاوزت ذلك التعبير الاولي المحصور -فقط- بين جدران مشكلة الهوية السودانية , نحن لا ننكر أن مشكلة السودان من حيث الاعتراف بالهوية السودانية تقابل بعض الاعتراضات ومشاكل من بعض مكونات المجتمع السوداني , على مستوى الافراد أو الجماعات , هذا من ناحية عامة , ولكن فكرة السّودنة بالنسبة لنا , هي فكرة لأنشاء منظومة سودانية كاملة , تضع نظام حكم سوداني جديد يتوافق مع طبيعة الشعب السوداني , بل تضع نظم سودانية خاصة , تتعلق بالاقتصاد والصناعة والمقاييس والمواصفات , لقد اهلكتنا فكرة استيراد الأفكار والمنتجات التي وضعت في الأصل من اجل ان توافق مجتمعاتها الاصلية , وليس مجتمعاتنا .
أزمة الإسلام الاجتماعي في السودان :
منذ مدة طويلة وهناك أقلام تتصارع ما بين فكرة العلمانية ( فصل الدين عن دولة ) , وفكرة الأسلمة للمجتمعات المسلمة اصلاً , وفي حاليتين هي فكرة حادة - نحن هنا نتعرض للمجتمع السوداني – وذلك لان الحقيقة الوحيدة التي نصرُّ عليها أن الفكرتين مستوردتين , ولا تتوافقان مع تكوين المجتمع الإسلامي السوداني , ولو اخذنا فكرة العلمانية التي يختصرها الناس في مسميات وشعارات لا معنى لها في الواقع , ستدخل في إشكالات متعددة على مستوى المعاملات وقوانين الأحوال الشخصية , وطبيعة المجتمع , وهنالك حالات ظهرت في دول تمارس فيها الديمقراطية بدرجات مختلفة , فظاهرة بوكوحرام في نيجيريا لا تخرج من هذا الصياغ , وحالات التعصب الزائدة التي تمارسها بعض الدول الغربية – العلمانية – لا تخلو من هذا السبيل , وفي الحالتين , سيكون فصل الدين عن الدولة في المرحلة الراهنة , عدم استخدام الدين الإسلامي – تحديداً - للوصول للسلطة , وهو ما سيتنافى تلقائياً مع فكرة الديمقراطية على نحو مباشر , حتى في الدول التي تمارس الديمقراطية العلمانية ولها تجارب راسخة , بها أحزاب مسيحية ويمنية متطرفة , ولا يستطيع احد معارضتها.
في الواقع ليست المشكلة في الصراع السياسي نفسه , بقدر ما ان هنالك مشاكل في ممارسة الايدلوجية للدين الإسلامي , لذلك تخرج أصوات متفرقة اما تطالب بإقصائه – الدين السياسي – او أخرى في النقيض تماماً , تدعو للعودة الى الدين السليم , وفي كل الأحوال لن ينصلح حال الامة او البلد , وهذا لان طبيعة الدين الإسلامي ايدلوجياً وتنظيمياً وثقافياً , مبني منذ هجرة رسول الإسلام الى مدينة على فكرة الدين والدولة , ببساطه .
ازمة الممارسة الدينية في السودان :
عندما نتحدث عن ازمة في الممارسة الدينية , لا نقصد باي حال من الأحوال اساسيات العبادة ( الصلاة , الصوم , الزكاة , .. . الخ ) , ولكن نقصد بها ازمة الممارسة في الفقه والتشريع وفهم النصوص , بمعنى آخر اكثر حده ومباشرة : ( ازمة تفسير النصوص وفهمها وممارستها ) وهذا على المستوى الشارع العام , وعلى مستوى الدولة .
من ناحية عامة , بعض المسلمين يقولون : ( ان الاختلاف رحمة ؟!!) لكن هل هو كذلك فعلاً , الواقع أن الامر ليس فيه رحمة على الاطلاق , في ظل التناحر الصارخ قولاً ولفظاً , الى درجة انه يصل الى الفعل المباشر , بالقتل أو الضرب , مثل حالات التكفير والهجرة التي حولت الإسلام ببساطه من دين متسامح مبني على الممارسة العقلانية للعبادات والشرائع , الى دين إرهابي ومتشدد , ولا نعني بهذا المفهوم الغربي لمبدأ : ( خلق فكرة العدو حتى ولو ولم يكن موجوداً ) , بل نعني الممارسة الحالية لدين بين الجماعات داخل المجتمع السوداني نفسه .
مما لا شك فيه أن الرسالة الإسلامية في فحواها البنيوي , هي رسالة عقلانية , على مستوى الفهم والممارسة , وتشير معظم تعاليم الإسلام الى ذلك , لكن بحكم العادة والممارسة , تحول الدين الإسلامي الى ثقافة بنيوية للمجتمع السوداني , وكان من الطبيعي أن يتحول الى مكوّن أيديولوجي لا يقبل الآخر , بل صار هوية بطريقة او بأخرى , مثل الانتماء القبلي أو العنصري أو شيء لا يقبل المنطق , بحيث أن الآليات والاقوال التفسيرية التي يؤمن بها الشخص المعين , أصبحت لا تقبل النقد أو المناقشة , اعني على مستوى الفهم والممارسة , وهنا تكمن المعضلة الرئيسة في الممارسة العمياء للدين الإسلامي , وللأسف الشديد أن الشيوخ وانصاف الشيوخ , والمطلعين على الدين الإسلامي والقراء والمواطنون , اصبحوا يستخدمون الإسلام , كوسيلة منطقية صارمة , تحول كل شيء الى مقدس , ولا أتفه الأسباب , قد يكون بعضها لا معنى له , مثل السياحة الإسلامية , البنك الإسلامي , الاقتصاد الإسلامي , استخدام الأسمدة الحلال ... الخ , مثل الفهم المغلوط للحديث الشريف : ( من رأى منكم منكراً فاليغيره ... الخ ) , او مثل استخدام جزء آية كاملة , في غير موضعها عادة : ( ..... ج وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) سورة المائدة .
اما الظاهرة الأكثر خطورة ومرضاً , تلك الدعوات والمنشورات والفيديوهات التي انتشرت على الشبكة العنكبوتية , او تلك الفئات التي تدير حلقات للذكر والدعوة , او أولئك الناس اللذين يعتقدون انهم على حق والآخرون على باطل , حتى من بعض الشيوخ , او العلماء في مجالات لا علاقة لها بالقرآن , اخذت تتقول على الإسلام وتجعله , بل جعلته – فعلاً – سلعة , مثلها مثل جسد أي أمرأه عارية تظهر في دعاية للملابس الرجالية أو لمعجون حلاقة الذقن والشارب , وللأسف الشديد أن هؤلاء الناس بوعي او بغيره – ربما لاعتقاده انه يصلح الدين ويعيد سيرته – يفعل ما لم تفعله القنبلة النووية باليابان في الحرب العالمية الثانية ؟!!
[email protected]
|
خدمات المحتوى
التعليقات
|
حاتم محمد
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|