الروائية غادة خالد
و أوراق متناثرة (شئ من سيلينا )
منذ الوهلة الأولى نستشعر أننا أمام عمل إبداعي مختلف يتحرى الخروج على المألوف و يجنح صوب مناطق غير مطروقة و قدم لها (البروف عبد الله علي إبراهيم) بقوله هذا الكتاب ثمرة مهارة إستثنائية لإستراق السمع والبصر.
من هنا تتوالى أحداث هذه المسرودات من خلال جلوسها عند قدمي أمها و خالاتها تغالب النوم لتتسقط أنسهن، كانت مولعة بالإنصات والتحديق و ليس ثمة قول في الدنيا إلا أرهفت السمع و البصر له ثم يردف قائلاً :- هذا الكتاب حصيلة كاتبة تتربص بحكاوي العالمين البديعة غادة كانت قد درست و تخرجت بشهادتي الباكروس و الماستر من الجامعات الإمريكية و يمكن تصنيفهابإعتبارها من كتاب المهجر و لأنها مولعة بالإنصات وإلتقاط المرئيات الغرائبية ، كان لا بد لها أن تتخصص في الإعلام، فهي إعلامية منذ نعومة أظافرها و لها عملان غير هذه المتناثرة (ليتك تعلم) و (بعض من حنان).
من خلال ضربة الفرشاة الأولى يتبين لك أنك أمام عمل مختلف ، قد تجنح الى وسمه بالكتابة عبر النوعية أو في تعبير آخر ، الكتابة الهجين التي تمزج بين الأنواع الأدبية فمنذ الوهلة الأولى ترى المتن يكتظ بالمقالات الصحفية و لكنك سرعان ما يأخذك عنصر السرد المشوق أخذاً الى عوالم شهرزاد التي حولت شهريار من سفاح الى عاشق و إنتصرت عبر سحر السرد على جبروت الرجل و قهره للمرأة.
و لعل العنوان الثاني للرواية (شئ من سيلينا) المغنية ذات الأصول المكسيكية التي نالت حظوة حب المكسكان و الإمركان و لعل تحريض والدها دوماً للإغراق في الإطلاع و دفعها لقراءة رواية (طائر الشؤوم) لفرانسيس دينق لرؤية بشاعة العنصرية التي أدت لأنفصال الجنوب كأن هذه الرواية كانت بمثابة نبوءة لبتر الجنوب عن جسم الوطن في غياب طبيب التخدير !!؟...
وفِي مسرودة أخرى تورد ماسأة زاهنج رجل الأعمال الصيني الذي إنتحر حينما إكتشف أن منتوجات مصنعه لألعاب الأطفال بها طلاء مادة الرصاص الذي يؤذي الأطفال ، عكس حكامنا الذين كلما تراكم فشلهم إزداوا تشبثاً بالسلطة !!؟…
ثم تعرج الى مسلمة من مسلامات المجتمع السوداني الشائعة بقولها (البكر عوير) وتنفي ذلك مستشهدة بعلماء الإجتماع الغربيين وكذلك توقفها حول تقص التخسيم الذي تتميز به السودانيات و هو الإلحاح على الضيف لتناول ما يقدم له.
و لما كانت بذرة الإبداع تتخلق وتنمو في وعيها ورافق ذلك حساسية مفرطة مقرونة بالفضول والتساؤل عن كل ما يدور حولها أو تقرأه أو تراه (علم الله الأسماء كلها) فكانت وهي تجهل الكثير من الأسماء ولم يسبق لها رؤيتها و عن و عن رتشارد المليونير الذي ينام في قارعة الطريق و يستشعر السعادة حينما يكون خالي الوفاض
و ظلت الساردة غادة عبد العزيز خالد تطوف بنا حول العديد من الولايات الأمريكية و تتخير شخوصاً فاعلين في صنع أحداث مؤثرة في مسيرة الحياة كقضية خروج المرأة للعمل و حنينها للعودة الى قواعدها سالمة.
و في تعريجة أخرى نحت صوب الحديث عن تجربتها في دراستها الجامعية و الفصل الخاص بالإعلام و السياسة ، و هنا نجد الإعلام و السياسية كفرسي رهان و في مقطع رسالة الى إمرأة وهنا يعلو صوت الساردة و يتوارى ضمير الغائب ، حينما تقارن معاناتها من حمل طفلها الرضيع و هي تتمشى بأمرأة ما في غرب السودان مثلاً و هي تنوء بحمل صفيحة الماء تحت أوار الشمس الحارقة و في مقطع آخر بعنوان (تغير الزمان) يتناوب ضميرا الراوية و الساردة الحكي لكن سرعان ما يعلو صوت الساردة على الراوية و تهيمن على الحكي و تتوالى الأحداث الى أن نصل الى قضية الوطن و أبيها و ما تعرض له من إعتقالات متكررة و تقف طويلاً ساردة تفاصيل الصراع بين المواطنين الشرفاء و السلطة الغاشمة !!؟…
و إنسياب المسرودات متداخلاً مع المقالات الصحفية يتقاطر مع الحنين للوطن كأنها تحتقب الوطن في معيتها كمعظم المهاجرين و لا سيما الكتاب لذلك ظلت دوماً تستعيد ذكرياتها عن الوطن و علاقتها بزميلاتها في المرحلة المتوسطة و وسمها ببت المعتقل و كذلك المديرة فايزة نقد و العلاقة الحميمة التي ربطت بينهما و هكذا هاجس الوطن ظل لصيقاً بها أبداً في حلها و ترحالها.
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.