وطن من اللامبالاة
03-31-2019 10:19 PM
(1)
ما هذه اللامبالاة واللا إنسانية التي صارت شعاراً لهذه المرحلة؟ فنمت وتكاثرت وغطت كل الارجاء ومن أين جاءنا بهذه القسوة وعدم الاهتمام بما يجري من حولنا؟ وصرنا ننظر الى مصيبة الموت (المجاني) وكأنه هو الاصل والحياة استثناء؟
(2)
إن قتل النفس ليس بالضرورة ان يكون عمداً فقد يكون إهمالاً وتقصيراً وقبل ايام قليلة وقعت مصيبة كبرى وعظيمة فقد ذهبت ثمانية ارواح بريئة الى ربها نتيجة للفقر الذي تفشى وانتشر برغم كثرة دواوين الزكاة وبرغم كثرة الاقتصاديين الذين بذلوا الافكار ونشروا النظريات لمكافحة الفقر ولكن برغم ذلك توحش الفقر.
(3)
فكان أن خرج ثمانية اطفال يجوبون الاطراف بحثاً عن مورد رزق اضافي لأسرهم الفقيرة والمعدمة (مادياً) والغنية (معنوياً) التي لم تمد يدها للآخرين ولم تنتظر إغاثات أو معونات حكومية ومعها البرنامج المصاحب من (من وأذى) واعطينا الاسرة الفلانية (كراع خروف) ومنحنا الاسرية العلانية (كيلة ذرة)!! ثم أخذ الصور التذكارية والتلفزيونية وعل بهذا الرزق البسيط الذي خرجوا يبحثون عنه عل يسدون به الجوع العطش ويعالجون به مرضاهم.
(4)
ولكن كان الاهمال الحكومة لهم بالمرصاد وكأن الاهمال الحكومي صار سجية وطبعاً يصعب تغيرهما فكيف لهذه الاجسام التي يسمونها (أجسام غريبة) كيف لها ان تكون مرمية هكذا عشوائياً في أطراف المدن والقرى؟ أن هؤلاء الاطفال أو ما يسمونهم بـ(الدعم السريع) للأسر والذين راحوا ضحايا مسؤولة عنهم الحكومة بسبب سياستها الاقتصادية القاتلة والتي أثرت على أهل هؤلاء الاطفال فدعتهم الى الخروج والبحث عن مورد رزق إضافي وهذه معلومة صارت قديمة ولكن المعلومة التي لا نعرفها لماذا لم تكلف الحكومة نفسها وتعلن الحداد ولو لثلاث ساعات فقط ولا نقول ليوم او ثلاث ايام؟ فمثل هذا الحدث الجلل لو وقع في دولة تُحترم فيها إنسانية الانسان فانهم سيعلنون الحداد والحكومة ستتكفل بأسر الضحايا وتتبنى منظمات المجتمع المدني مبادرات لتخفيف أثر المصيبة والفاجعة على ذوي الضحايا ولكنه السودان!!
(5)
لكنه السودان من يموت (يآكل نارو) فالفضائيات والاذاعات اعتبرت موت هؤلاء الاطفال (شي عادي) لا يستوجب إيقاف الاغاني والمسلسلات والبرامج فهذه عادة دخيلة و(غير سودانية) ولكن أحسب أن الامر غير ذلك فهؤلاء الأطفال ليسوا من أولاد (الذوات) واولاد السادة والزعماء والمشاهير حتى تعلن الدولة الحداد عليهم وفي مصر القريبة دي وفي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك مات العشرات في حادث عبارة شهيرة ومرت الحادثة كأي (شيء عادي) ولكن عندما مات حفيد الرئيس محمد حسني مبارك الطفل الذي لم يبلغ الحلم بعد، قامت مصر ولم تقعد وأقاموا للحفيد جنازة فاخرة!! وجاءت الوفود والحشود تشاطر الرئيس في مصابه الجلل!! بل واعلنت الحكومة المصرية الحداد (لا أتذكر عدد الأيام) على حفيد الرئيس وفلذة كبده!!
(6)
أرأيتم أن الموت يفرق حتى بين الطبقات وبين الناس فاذا كان الميت من شيعة الملك او الرئيس فهنياً له ومبارك عليه جنازة فخيمة وحداد عام وشامل أما أن كان من غمار الناس وعامتهم فمت قرير العين ودعك عنك خزبعلات الحداد أو حتى التعويضات ويكفيك أنهم سمحوا لك أن تموت وتقبر في مقابر الدولة دون أن تدفع أي رسوم! ويكفي ما سببته لهم من تنبيه بيان هادم اللذات كأس الكل سيشرب منه مهما طالت الأعمار.
الجريدة
|
خدمات المحتوى
|
طه مدثر
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|