دولة الوطن لا الوطني
04-01-2019 07:17 PM
من أمثلتنا السودانية الشهيرة (خادم الفكي مجبورة على الصلاة)، وجرياً على هذا المثل يمكننا أيضاً القول خادم القسيس مجبورة على الكنيسة، وخادم الحاخام مجبورة على الكنيس، وخادم الرقاصة مجبورة على الرقيص، وعلى ذلك قس.
هذا المثل استدعته للذاكرة الأنباء التي ما انفكت تتردد عن اعتزام مجلس الوزراء تنفيذ مشروع الإصلاح الإداري واصلاح الخدمة العامة، ولما كانت الخدمة المدنية أو إن شئت الخدمة العامة من أهم الركائز المستهدفة بهذا الإصلاح المزمع، فقد عنّت لنا كلمة في هذا الشأن عالي الأهمية..
وبدءا نقول لا يختلف اثنان ولا ينتطح عنزان حول أن الاستعمار الذي رحل عنا نهايات العام ۱۹٥٥م ترك لنا خدمة مدنية ممتازة حافظ عليها الرعيل الأول، لتبدأ بعد تلك الحقبة عملية التدهور والانحدار بدءاً بشعار «التطهير» الذي ساد في أعقاب ثورة أكتوبر ۱۹٦٤م مروراً بعهد مايو ۱۹٦۹م إلى أن بلغ التدهور والانحدار والتسييس ذروته ومداه في العهد الإنقاذي الحالي كنتيجة طبيعية لسياسات التمكين والصالح الحزبي الخاص التي لم تقف عند الخدمة المدنية بل طالت (الخدمات) الأخرى أيضاً، فأصبحت بذلك كل مؤسسات الدولة رهينة لدى حزب واحد.
ليس ذلك فحسب، بل وضع الحزب السودان كله من أقصاه إلى أقصاه رهينة بين يديه، وجعل ما فيه ومن فيه مثل خادم الفكي كلهم مجبورون قسراً على خدمته، يسوقهم حيث ما شاء ويطبق عليهم ما يشاء بالقوة والقهر والجبروت لا يريهم إلا ما يرى، ولا يسمع إلا ما يريد حينا، وبالجزرة والإغراء والملاطفة حيناً آخر، ولهذا فإن أي حديث عن إصلاح الخدمة المدنية ينبغي أن يدور أولاً حول ضمان حيدتها وقوميتها واستقلاليتها، وهو ما يقود بالضرورة إلى الحديث عمن استعمر الخدمة واستعبدها وخرّبها وجيّرها بالكامل لصالحه حتى أصبحت في حاجة ماسة لـ(الإصلاح والتحرير)، أليس هو النظام نفسه؟
وإذا سألنا «تحريرها ممن وإصلاحها من ماذا» فما عساها تكون الإجابة، وكيف للحكومة أن ترد المظالم التي أضرت بالكثيرين في الخدمة المدنية وغير المدنية؟، وماذا سيفعلون مع كوادرهم التي ظلت تتنقل دون وجه حق ودون مؤهل كافٍ بين مواقع الخدمة المختلفة كما تتنقل الفراشات، كلما امتصت رحيق زهرة انتقلت إلى غيرها.. الواقع أن أي حديث عن إصلاح وإصحاح الخدمة مدنية وغير مدنية وتحريرها؛ سيظل بلا جدوى ومجانباً للواقع ما لم يصاحب ذلك فعل حقيقي ملموس لتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن والمواطنين أجمعين.
الجريدة
|
خدمات المحتوى
|
حيدر المكاشفي
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|