جعفر خضر: العالم الجميل خارج الإنقاذ
04-01-2019 09:07 PM
عبد الله علي إبراهيم
كتبت أمس كلمة بعنوان "المثقف: مهنتي الكذب الخلاق". وقلت إن من وظائف الكاتب أن يكذب ليُبري جراح الأمة ويلم شعثها. واستعنت بقصة رواها لي الأستاذ جعفر خضر من ذاكرته عن رجل عذير في مصحة انتهز فرصة وجوده على سرير عند النافذة الوحيدة ليروى لزملائه الخالفين ما يجري في العالم الخارجي. وبعد وفاته اكتشف زملاؤه أن عالم خارج النافذة، الذي أمتعتهم قصصه، كان بلقعاً لا حياة فيه. واتضح لهم أن صاحبهم اختلق مروياته العذب اختلاقا. ودعوت القراء إن كان منهم من هو على علم بنص القصة التي لخصها جعفر من الذاكرة. واسعدتني استجابة الأستاذ أبو حذيفة سليمان القائم بموقع "البركل" بالشبكة العنكبوتية الذي بعث لي بالنص الإنجليزي للقصة القصيرة جداً. فله على الهمة والتنوير شكرنا جميعاً. ووجدت الأصل اختلف عن ما اصطنعتها اصطناعاً في حلقة الأمس. فإلى الترجمة:
العالم الجميل خارج النافذة
لكاتب مجهول
لزم رجلان مريضان غرفة بمستشفى. وسمح الطبيب لأحدهما أن أن يجلس على سريره لمدة ساعة كل عصر ليجفف سوائل تعلق بريئته. وكان سرير الرجل بجانب النافذة الوحيدة بالغرفة. أما الرجل الآخر فكان قدره أن يستلقي على ظهره طوال اليوم لا نأمة أو حركة. وظل الرجلان يتآنسان بلا انقطاع. تحدثا عن زوجتيهما وعائلتيهما وبيتيهما، وسبل كسب عيشهما، وخدمتهما العسكرية لبلدهم.
وكل عصر كان الرجل عند النافذة، كلما جلس على سريره لتنقية ريئته من السوائل، يزجي الوقت بأن يحكي للآخر عن ما يجري في العالم خارج النافذة. واستغرق الرجل المصتنت في هذه الحكاوي وبدا كمن صار يعيش لتلك الساعة من زمان الحكي التي وسعت عالمه وضمخته بحركة الدنيا في الخارج وألوانها. فالنافذة تطل على منتزه تزينه بحيرة يسبح فيها الأوز والبط، وتمخرها قوارب الأطفال الكاذبة. ويمسك العشاق عند حواف البحيرة بأيدي واحدهما الآخر في لهلبة من الزهور كقوس قزح فيه من كل لون زوجان. وتسمق في المنتزه الأشجار الفارعة القديمة فتزين المكان. ومن بعيد يلوح في الأفق قوام المدينة الممشوق بالعمائر. وكان المستمع في الطرف البعيد من الغرفة يغمض عينيه، ويتخيل هذه المناظر الخلابة كلما أوغل الرجل الحاكي في تفصيل ذلك الجمال العذب عبر النافذة.
في عصر يوم ما اتسم بالسخونة وصف رجل النافذة استعراضاًً يمر من عند الحديقة. ومع أن الرجل المصتنت لم يسمع موسيقي العرض إلا أنه رآها بعين خياله كما وصفها رجل النافذة بحذافيرها. ومرت الأيام والأسابيع. وفي صباح ما جاءت الممرضة تحمل ماء حمامهما فوجدت الرجل الذي عند النافذة قد مات بهدوء على سريره. وحزنت ونادت خدمات المرضى لتحمل جثته إلى حيث ينبغي. وانتظر الرجل المصتنت حتى أصبح لائقاً أن يسأل إن كان بوسعه أن يحل محل الميت عند الشباك. وأسعد الممرضة أن تستجيب لطلبه. وحملته وأطمأنت على تمام راحته في موضعه الجديد وتركته ومضت. ولم ينتظر طويلاً ليتحامل على مرفقيه ليلقي نظرته الأولى على العالم خارج النافذة. فقد آن اخيراً له أن يرأى ذلك العالم بعيونه بغير واسطة. واستدار بصعوبة لينظر خلال النافذة. فوجد أنها تواجه حائطاً سد الأفق سدا. فسأل الممرضة ما الذي ربما حدا بزميله الراحل ليصف له بدائع خارج النافذة والنافذة مسدودة بهذا الحائط الأصم. فأجابته الممرضة بأن الراحل كان أعمى وليس بوسعه حتى رؤية الحائط الأصم. واضافت" "لربما أراد فقط أن يناصرك ويقوى من عزمك."
[email protected]
|
خدمات المحتوى
التعليقات
#1820339 [مصطفي سعيد]
04-02-2019 09:15 AM
جعفر خضر المناضل الجميل
والقصة قمة الانسانية
|
عبد الله علي إبراهيم
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|