الوعي الشعبي هو الذي يقود الديمقراطية الى وجهتها الصحيحة التي تخدم المجتمع وتؤدي الى تقويم مؤسسات الدولة وتقدم الدروس على تفاوت نعومتها وقسوتها للساسة من المعارضين والحكام على حدٍ سواء وتعيد من بيدهم دفة القيادة الى رشدهم أوتخرجهم من قائمة التنافس إذا ما سدروا خلف الغرور بانتصاراتهم في معاركهم السياسية و استرخوا في طمأنينة على وسادة الإنجازات وظنوا أن كل أخطائهم مهما عظمت كارثيتها ستكون مغفورة إستناداً الى ما حققوه من طفرة قدتتعرض الى إنتكاسات لابد أن يكون لها ثمنها الباهظ الذي يكون خصماً على مستقبلهم في سدة الحكم .
السيد رجب طيب أوردغان هو زعيم مهما أختلف الناس حوله لابد من الإعتراف بأنه قد نقل بلاده في العشرية الأولى من حكمه الى مصاف الدول الست عشرة ذات الإقتصاد القوي مما إنعكس على حياة شعبه بالرخاء في كل المناحي ..وجعل من بلده قبلة سياحية لاتخطئها عيون قاصديها ولاتبخل جيوبهم على التمتع بسحرها الآخاذ .
غيرأن الرجل الذي داخله الشعور بالفرادة التي لا يعلى عليها فطفق يكرس لسلطته المطلقة بتحويلها من نظام الحكم البرلماني الى الرئاسي الذي يبتسرسلطات المؤسسات الآخري ليختزلها في شخصه وتخلص من أقرب حلفائه الذين كانوا الروافع التي أوصلته الى هذه المكانة الرفيعة..وبدأ يتخبط في تمدده العسكري الذي تجاوزالجوار السوري والقرابة الفكرية القطرية فتخطاها الى ليبيا في شمال أفريقيا .. مما أثار ريبة أصدقائه الأروبيين الذين قطعوا عليه طريق طموحه الأزلي وقتلوا حلمه في الوصول الى الإتحاد الأوربي . و كانت الطامة أن تشابكت اياديه في صراع غير متكافي مع إقتصاد أمريكا فأنهارت الليرة التركية وفقدت ثلث قيمتها وشعر المواطن التركي بالأثر الطاعن في معيشته ..فدفع أرودغان فاتورة تجاهله لحقيقة أن الإقتصادهوالذي يقود السياسة ..وتلقى إنذاراً قوياً بخسارته مقاعدحكام أكبر المدن مثل انقرا وأنطاكيا وأزمير وظلت استنبول معلقة على حبال الإتهامات المشدودة بين مرشح حزب العدالة الأوردغاني ومرشح المعارضة بانتهاكات في لعبة الإستحقاق .. وهي المدينة التي قيلت فيها مقولة أن من يحكم إستنبول فسيكون حاكم تركيا مستقبلا مثلما قفزمن كرسي عموديتها أرودغان بالزانة الى رئاسة الحكومة.
صحيح أنه قد أحتفظ بأغلبية الأصوات في الإنتخابات البلدية التي كانت حامية الوطيس ولكنه خسر كبريات الدوائر ..مما دفعته للإعتراف بمرارة النتيجة التي لم يسمها صراحة بالهزيمة .. ولكن رغم إقراره بتحمل المسئؤلية حيال هذا التراجع ..غير أن مستقبله كزعيم أوحد يتوقف على ما يأتي به من إصلاح لأخطائه خلال الأربع سنوات التي تبقت من ولايته الحالية..وإلا فإن فشله سيطوي صفحة زعامته خلف أضواء المشهد وربما يقذف بحزبه الى مقاعد حكومة الظل أوالى ما دون تلك المدرجات !
محمد عبد الله برقاوي.. [email protected]
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.