نزفين من جرح واحد..!!
04-03-2019 02:04 AM
من المؤكَّد أن ثمة (مشكلة ما) تواجه آليات محاربة الفساد الكثيرة في أعدادها ومُسميَّاتها، وقدرتها على مواجهة أبوابه الُمتعدِّدة، خصوصاً تلك التي خرجت من آفاق المرافق العمومية ذات العناوين البارزة المعروفة إلى (سوق الله أكبر)، والأدوات تظل ثابتة كما هي (النفوذ الشخصي أو المساندة من نافذين، ثم الاستقواء على القانون واللوائح بالانتماء إلى الحزب الحاكم)، أما التعمُّق في ماهية المشكلة التي تواجه آليات محاربة الفساد والتي عادةً ما تبدأ بزخم إعلامي ضخم طالما أنتجته بصفة متواترة العديد من المناسبات التي يتسيَّدها حزب المؤتمر الوطني، يقودُ إلى تأكيد أن ما يميَّز ذلك الزخم الكاذب هو تحوُّل ما يتمنَّاه عامة البسطاء من (أفعال) لتلك الآليات والهيئات والنظُم إلى مجرَّد منصات للشعارات البرَّاقة التي لا تُفضي إلى شيء ولا تُسمن ولا تُغني من جوع.
بل في الواقع المُعاش ظلت شبكة الفساد تتوسَّع لتعُم حتى المعاملات اليومية التي يؤمها عامة الناس، كانعكاس طبيعي ومنطقي لما يدور في أعلى قمة هرم الفساد والتحايل للتعدي على مال الدولة الشعب، فأصبح للدولار سعرين أحدهما بالنقد أو الكاش والآخر بالآجل أو الشيكات، ثم توالت مؤشرات انهيار قيمة الجنيه السوداني وارتفاع معدل التضخم عبر طباعة البنكنوت بلا تغطية حقيقية لقيمته في النظام الاقتصادي، ليصبح لكل معاملة تجارية كبُرت أم صغُرت سعرين أحدهما نقدي والآخر آجل، رغم أن الدفع بالشيك المصرفي لم يكن في زمانٍ سابق يدخل ضمن قائمة المعاملات الآجلة طالما كان شيكاً واجب السداد في تاريخه المحدَّد أو موثوق التغطية عبر الحساب المصرفي المعني.
أقول هذا وبعض الناس يعتقدون أن ما سبق من تأثير حالة استشراء الفساد (العُلوي) في قمة الهرم الإداري والاقتصادي على المستويين العام والخاص، لم تصل تأثيراته وآلياته وأدبياته الوقحة إلى عامة الناس من البسطاء، وهم في هذا على ما يبدو ليسوا على دراية بأن السلع التموينية العادية التي تباع لعامة الناس بالتجزئة أصبحت أيضاً بسعرين، خصوصاً للفئة الغالبة من المستهلكين وأهمهم فئة الموظفين والعمال والذين أصبح معظمهم يتقاضون مرتباتهم عبر حساباتهم البنكية، ويتحصَّلونها عبر بطاقات الصرَّاف الآلي، هذا الأخير الذي أصبح أمر التعاطي مع خدماته مستحيلاً بسبب خُلوهِ من الأموال الكافية لتغطية الحاجيات اليومية للمواطن العادي، مما جعل معظم عمليات الشراء البسيطة لمتطلبات الحياة اليومية تتم عبر استعمال البطاقة في نقاط البيع المتوفِّرة في معظم البقالات الكبيرة والصيدليات وغيرها من المرافق التجارية الحيوية، وهي أي هذه المراكز حين تفتح المجال للبيع بالآجل أو البطاقة المصرفية، يبيعون تلك السلع بسعر يكاد يكون مضاعفاً بالنسبة لسعره في محلات أخرى تتعامل بالدفع النقدي، وهم يعتبرون تلك الزيادة غير القانونية واللا منطقية مقابلاً مناسباً لما يلاقونه من مصاعب في استخراج أموال مبيعاتهم من المصارف مرةً أخرى، حتى تكتمل الدورة التجارية لأعمالهم ويشمل ذلك إمكانية حصولهم على بضائع جديدة، المحصلة النهائية المستفادة من هذه المعلومات التي يغفل عنها الكثيرون أن جرح الفساد المتأصِّل في منظومة الدولة العميقة لحكومة الإنقاذ لا ينزف من حيث تبديد المال العام للدولة فقط، بل ينزف أيضاً من جهة جيوب البسطاء والكادحين والمغلوبين على أمرهم يومياً و بلا توقف.
الجريدة
|
خدمات المحتوى
|
هيثم الفضل
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|