المقالات
السياسة
أبريل شهر الرحيل
أبريل شهر الرحيل
04-04-2019 09:20 PM

التيمن والتبرك و التفاؤل بمواقيت المناسبات واللحظات التاريخية العظيمة , شيمة من شيم الشعوب الغنية بموروثها العريق في التاريخ والثقافة والحضارة , وانتفاضة السادس من ابريل من العام خمسة وثمانون وتسعمائة والف , لهي واحدة من المحطات والملاحم الوطنية التي أبدع في إخراجها الشعب السوداني الحر والأبي , فاخرجت هذا المارد من مخبئه ليعصف بأقوى الدكتاتوريات العسكرية التي حكمت البلاد , وها هي ذات الشعوب السودانية الحرة تجتر العظيم من مواقفها التاريخية لتلهم وتحفز بها اجيال الحاضر , فهل يعيد التاريخ نفسه و يقول أبريل كلمته الفاصلة مرة أخرى , ويفعلها كما فعلها في ثمانينيات القرن الماضي , فيحسم مسيرة هذا الحكم الكهنوتي المتجبر الذي طال أمده؟.

إنّ الإرث الوطني الماثل في قنوات المعرفة والمهمل داخل أضابير المكتبات , ومحفزات الفعل الثوري التي يحتويها موروث الفلكلور الشعبي , من مخزون مادي و معنوي متراكم للكفاح الثوري للشعوب السودانية , يمثل القاعدة الخرسانية الصلبة لمنصة انطلاق صاروخ التحرر و الانعتاق , فهذا الرصيد النضالي الكبير الذي يتمتع به السودانيون دون غيرهم من شعوب الاقليم , يقوم مقام قوة الدفع الجبارة لتغيير موازين القوى بين سلطة الشعب و سلطة الحكم الباطشة , فكلما كمم الدكتاتور الأفواه و حجب الرؤية كلما استدعت هذه الشعوب الملهمة طرائق ووسائل المقاومة , من مخزونها الاستراتيجي التاريخي الحافل بمنجزات النصر وهزائم جبروت الجبابرة , سواء كان هذا الجبروت ممثلاً في ظلم ذوي القربى , أو بطش غزوات المستعمرين الأجانب من ترك و إنجليز وغيرهم.

ما أشبه الليلة بالبارحة ! , نفس الارهاصات التي صاحبت الزيارة الاستشفائية لجعفر نميري إلى الولايات المتحدة الأمريكية , ذات الغلاء المعيشي و الضجر و الاحساس بالقهر و الاستياء الذي ألم بحال المواطن آنذاك , يحدث الآن , فالتبجح و الإفلاس في القول والعمل الذي يصدر من قبل رموز السلطة اليوم , بسبب الاسئلة و الاستفهامات المشروعة التي يوجهها المواطنون لأهل الحل و العقد , كان قد حدث من قبل , وبانت ذات الظواهر المشابهة له قبل اندلاع انتفاضة ابريل المجيدة , إلا أن النميري و برغم مساوئه كان عفيف اليد و اللسان ولم تصل مسامع الناس ملفوظات , من شاكلة تلك التي وردت على لسان راعي الألوان وصحبه من القطط السمان , فبعد ممات النميري لم يجد الورثة قصراً منيفاً ليرثوه ولا مالاً ليكتنزوه , فإن كانت هنالك مآخذ عليه , فهي متعلقة بالتجبر و التنمر و اسكات صوت الحرية , السلوك الذي كان معتاداً على ممارسته , والمسلك الذي لا ينسجم مع الفطرة السليمة لهذه الشعوب , فمقدرة السودانيين على تحمل الأذى و الصبر حيال ذلك لا تحدها حدود , تماماً مثلما تعرض لهذه الخصيصة بالشرح و التفسير الأديب الطيب صالح في إحدى كتاباته , فسعيد الحظ من هؤلاء الحكام الجبابرة , هو من أسعفه طالعه وسانده الزمن في الخروج الآمن من قبضة الثوار , حتى لا تلحق به وتحاصره جموع المقهورين الصابرين.

وموكب السادس من أبريل سيكون له ما بعده , إما أن يخلق نقلة نوعية و كمية بعدها توضع الأحرف الأولى لزوال الطغمة , ويتحقق القول :(يا نار كوني بردا وسلاماً على حشود المتظاهرين و المواطنين المساكين) , أو صداماً عنيفاً يفجر الأرض تحت اقدام الجبابرة فيصرعون , على وحي أبيات قصيدة (الشهيد) للشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود , (سأحمل روحي على راحتي .. وألقي بها في مهاوي الردى , فإما حياة تسر الصديق .. وإما ممات يغيظ العدى) , ليتحول شعار الثورة الشعبية السلمية بدلاً عن (سلمية سليمة) , ليكون مطابقاً لمعنى ومنطوق الآية الكريمة : (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) , وحينها سوف تدخل إلى حلبة الصراع أدوات جديدة ووسائل عنيفة , جاهد المواطنون أنفسهم شهوراً حتى لا يطّروا للأخذ بها , ولكن لكل حادثة حديث.

لم تبارح مخيلتي تغريدة الناشط الخليجي (سليمان قنودة) , الذي وصف عبرها الحراك الشعبي السوداني فاوجز ثم أجاد الوصف , حينما قال ما معناه (أن الثورة الشعبية السودانية ليست كسابقاتها من الانتفاضات التي اجتاحت الاقليم , حيث امتاز مشعلوها بالتروي و التريث , والعمل على إنضاجها على جمر أكثر النيران هدوءًا) , فالثورة جنين يولد من رحم الشعب المكابد لشظف العيش , وفي حقيقة الأمر أن المحصلة الثورية في مرحلة ما بعد التاسع عشر من ديسمبر , بدأ العمل والتجهيز لها منذ فجر الثلاثين من يونيو , ذلك الفجر النحس , في العام الف و تسعمائة و تسعة و ثمانون , فتراصت مداميك بنيانها حتى ناطح عنان السماء في ابريل الحالي.

الزحف المقدس لحراك ديسمبر الشعبي المعقود عليه العزم في السادس من ابريل القادم , لابد أن يضع النظام في محك نوعي مع الارادة الشعبية التي أجبرت القدر على أن يستجيب لها عندما قالت لا , تلك الارادة التي لا يمكن أن تقهر بالقوانين الطارئة , ولا بدقيق الخبز المشكوك في أمره , فالمجد للآلاف من الكادحين الذين سوف يهدرون في شوارع مدن السودان المتفضة في الموعد المحدد , والذين سيدق زحفهم كل قلاع الكبت و الظلم الذي طال و استطال , والمجد أولاً وأخيراً لآلآف الشهداء الشرفاء الذين سعوا بكل صدق لموتهم الكريم.

إسماعيل عبد الله
[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 428

خدمات المحتوى


اسماعيل عبد الله
اسماعيل عبد الله

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة