من السبت الى السبت
04-05-2019 08:10 PM
بعد المغرب في ليلة ما من اواسط مارس ٨٥، في ازقة بيت المال
كنا نجلس كعادة كل الامدرمانيين امام منزل جدنا العامر، وكانت هناك ذبيحة، سماية طهور كرامة ولا بس ساكت كدا لا اذكر تحديدا
يتراقص الخروف مقطوع الراس من على اعلى بواية المنزل ويعمل عليه خالي سلخا وتقطيعا
تجتمع النسوة مباشرة خلف هذا الباب في انتظار ما تجود به ايادي خالي من اللحم
فجأة نسمع اصواتا هادرة تشق هدوء الازقة الهادئة
لبعد المسافة لم نتبين الكلمات
وفجأة تعلو اصوات شبيهة بالاعيرة النارية ولبعد المسافة لم نتحرك وواصلنا جلوسنا شيبا وشبابا واطفالا ونحن مشغولون بالذبيحة المعلقة
فجاة ياتي ظل يراكض مندفعا من بعيد ويتجه نحونا وهو يصيح دسوني دسوني
ما اذكره تماما وانا ذي السبعة اعوام ان جدي لم يتردد لحظة واحدة واشار للشاب بالدخول الى حيث تجلس النسوة واصدر توجيها سريعا لوالدتي او لاحدى خالاتي لا اذكر تحديدا
وقال لي لا تنطق بحرف عن ما شاهدت لاي احد كان
وواصلنا جلستنا
بعد خمس دقايق اذا بمجموعة من افراد الشرطة ياتون مندفعين من نفس الاتجاه
توقفوا امامنا برهة ولم يلتفت احد غيري
فسألوا على حرج هل شاهدتم شابا يمر من هنا
فاجاب جدي شاهدنا شبابا كثيرين يمرون ذهابا وايابا فهذا طريق المسجد وطريق البقالة وطريق المخبز
فاكملوا سيرهم
كانت تلك لحظة فارقة في حياتي وها انا اتذكرها بعد ٣٤ عاما من حدوثها
بمعظم تفاصيلها
بعد مضي الجنود وجه جدي خالاتي باحضار الضيف واحضار كرسي واعداد الشاي له
فجاء الشاب الذي تاملت ملامحه لاول مرة اسمر نحيل طويل لا يتجاوز عمره العشرين عاما
جاء وجلس وجيء له بالشاي فاخبرنا من بين كلمات الشكر بانه اختبأ في قفص الحمام
وحكى لنا الكثير من ما يدور في البلد تلك الايام وشارك الجميع بالنقاش واطال المقام معنا لما بعد العشاء وناله من الشواء نصيب
في صباح اليوم التالي توجهت الى المدرسة وفي منتصف اليوم الدراسي فجأة تتساقط احجار كثيفة على سقف حجرة الدرس مع هتافات داوية تدك شارع كبري شمبات الموازي لمدرسة بيت المال الابتدائية وعندما استطلعنا الامر اتضح ان طلبة بيت المال الوسطى يشجعوننا على الخروج الى الشارع للتظاهر
تشجع البعض وكنت منهم وانا احمل ذكريات حديث البارحة وبقايا حديث ابي والشاب تدور في رأسي
خرجنا ونحن نهتف هتافات عديدة ثبت منها في الذاكرة هتاف واحد "يا بثينة حمارك عينة"
شاركنا معهم قليلا ولكن سرعان ما تم فضنا لان مركز شرطة بيت المال يبعد بضع مئات من الامتار
بعد مغرب ذلك اليوم فارقت جدي من المسجد واتجهت الي بيت جدي الآخر الذي يتواجد قريبا من مكان اصوات امس وكنت امني النفس بان ارى بعيني ما كان يحكيه لنا الشاب امس
وفعلا لم يخب ظني ورايت صفوفا من الشيبة والشباب يصدحون بالهتافات في الشارع وهم يتجهون من مسجد آل عمارة الى اتجاه منزل الزعيم الازهري
اتذكر ان الايام التالية كانت بنفس التفاصيل، صباحا يمر علينا طلاب الوسطى ونذهب معهم لمدارس البنات لنخرجهم
ومساءا اذهب الى بيت جدي لاتابع عن قرب
وفي يوم في بدايات ابريل استطعنا ان نكمل طريقنا حتى اجتمعنا مع طلاب بيت المال الاهلية واتجهنا الى الشهداء ومن خلفنا اتي طلبة مدرسة المؤتمر
وفي صبيحة السادس من ابريل استيقظنا على انتشار كثيف لمدرعات وعربات الجيش في الشوارع
وعند عودتي للمنزل سمعنا بان الجيش قد انحاز الى الشعب والقى بالطاغية الى مزبلة التاريخ
اذكر ان فرحة هستيرية اجتاحت والدي واننا خرجنا صبيحة ذلك اليوم وعلى غير العادة جميعنا متكدسون في الكورولا ٨٣ وخالي الصغير يجلس على شباك الباب اليسار وانا على الباب اليمين
مشغولون بمصافحة المارة المترجلين المحتفلين وكذلك افراد الجيش
ووالدي يضغط على زامور العربة
السبت السادس من ابريل ١٩٨٥
السبت السادس من ابريل ٢٠١٩
هل يكرر التاريخ نفسه بعد اربع وثلاثين عاما ليلقى بطاغية آخر الى مزبلة التاريخ
#موكب6يناير
محمد مأمون الباقر
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
محمد مأمون الباقر
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|