المقالات
السياسة
فَاطِمة؛ أيَا مِسْكَاً أَذْفَر
فَاطِمة؛ أيَا مِسْكَاً أَذْفَر
04-10-2019 01:45 AM

- [ فَاطِمة ; أيَا مِسْكَاً أَذْفَر ] - --
- اليوم , عَصْرَاً, مَرَرْتُ بميدان أبو جنزير .فأحْسَسْتُ بِصَمْتٍ قاتِلٍ يسود وكر كتائب الظل .ولكن سُرعان ما رَأَيْتُ امرأةً من اللاتي لا مأوَى لهُن تَرْقُب حَلَّةً فوق نار مشتعلة من الحطب ، وبجانبها طفل يلعب صامِتاً في بعض الأقذار .فعادَتْ بي الذاكِرة إلى نحو عشرة سنواتٍ مَضَيْنَ .كُنْتُ أبِيتُ فيها على الطوى في أيِّ مكانٍ يَتِّفِق، ودون أنْ أجِد لُقْمَة واحِدة أتَبَلَّغ بها .حتى إذا تَجَمَّعت لديَّ بضع جنيهات أسْرَعْتُ فاشْتَرَيْتُ بعض الكُتُب ،وبعض الأوراق أُسَجِّلُ عليها أفكاري .وكُنْتُ من حِينٍ إلى آخَر، كُلَّما مَرَرْتُ ببحري ،أتَرَدَّدُ على شابَّة في الديوم ، كانت تبيع الأكل ،وكانت تمُدُّني بطعام لا أدفع ثَمَنه . إِلَهِي إنَّها فاطمة .! ! .
وأنا ، أيَا فطومة ، أنا. كما تَرَكْتِني وجَدْتِني .لم أعْبَأ مطلقاً بالتوافِه التي يتعلَّق بها الناس متوَهِّمين أنَّها تجعل حياتَهُم سعيدة .لم أهتم يوماً بالمادة ولا سَعَيْتُ إلى مالٍ أجمَعُه، ولا إلى أيِّ مؤسسة قائمة من المؤسسات التي يستمد منها الناس تقديرهم لذاتهم ، وإرضاءَهُم لغرورهم الزائف .حتى الشهادة الجامعية ركلْتُها وأنا على بعد أمتار منها ،لأنّني أدْركْتُ أنَّها تُوَرِّطني في الخرافات وغَسَق الأوثان.لقد عِشْتُ بسيطاً مِثْلَكِ ،وهَمِّي الوصول إلى غاية تمكَّنَت من نفسي ، وطغت على كُلِّ المشاعِر الكامِنة في أعماقي .عِشْت دائِماًُ وحيداً كراهِبٍ في صحراءٍ قَاحِلة .لم أسأل أحَداً من أهلي أو أصدقائي إلا أنْ يتركوني وشأني.كُنْتُ دائماً على استعداد بالتضحية لا بنفسي فقط ولكن بغيري أيضاً في سبيل تحقيق غرضي في أنْ أكون وحيداً ، بعيداً عن الناس ، ودنيا الناس .
وَجَدْتُ فَاطِمة ،وفي لهجتها , وهِيَ تتكلم , مزيجٌ من التسامُح مع النفس والأشياء والأشخاص ، والرِقَّة ذاتها التي عرفتها فيها .
ولِلَحْظَةٍ واحِدة ، ولِمَرَّةٍ نادِرة ، فَقَدْتُ ثباتي وعزيمتي ، وترقرقت الدموع في عيني ثُمَّ انحدرت بِبُطءٍ على وجنتي .

"شُكْرِي"
شكرى عبد القيوم
[email protected]





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 367

خدمات المحتوى


التعليقات
#1822350 [كوج]
0.00/5 (0 صوت)

04-10-2019 11:07 PM
شكري والله كنت اظنك خريج فلسفة وربما بروفيسور ا عتيدا ذا باع ليس في شتى المعارف التي تلم بأطرافها في متن مقالة قصيرة فحسب، بل في اللغة الرفيعة التي تكتب بها والتي تدل مفرداتها وعبارتها عن ثقافة واطلاع ثر لا يتوفر إلا لدى القليل من كتاب هذه الراكوبة ولا أدري إن كانت لك مؤلفات مطبوعة ولو إلكترونيا، نرجو تكرمك بالاشارة إليها مع مكان أو عنوان الوصول إليها...


شكري عبد القيوم
شكري عبد القيوم

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة