المقالات
السياسة
قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري الانتقالي من في السلطة؟ ومن في المعارضة؟؟
قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري الانتقالي من في السلطة؟ ومن في المعارضة؟؟
04-14-2019 11:32 PM

تحتشد لحظة الانتقال من حالة الفعل الاحتجاجي الرامي إلى إسقاط النظام القائم، إلى حالة إسقاط النظام والشروع في استلام السلطة ومن ثم العمل على توطيدها، بتحديات عسيرة يصعب حصرها، ولذلك فهي لحظة في غاية الخطورة، إن لم نقل أنها أخطر اللحظات في مسار الفعل الثوري. إن في إدارتنا لهذه اللحظة يكمن الفاصل بين انتصار الثورة،أو انتصار الردة والثورة المضادة.

حينما تداعت الحشود الهائلة إلى ساحة القيادة العامة بعد ظهر السادس من إبريل بدا وكأن القيادات التي دعت إلى ذلك الموكب العظيم قد فوجئت به وبحجمه، فصدرت الدعوة للاعنصام، لا عن تخطيط مسبق، وإنما عن عبقرية شعبية ارتجلت تلك الوسيلة الناجعة تواً وفي لحظتها، ثم توالى "الاستعداد للاعتصام" بعد أن كان الاعنصام قد أنجز بالفعل وأصبح واقعاً ملموساً. في تلك اللحظة كان واضحاً لكل ذي عينين أن الأمور قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، وأن الجماهير قد اتخذت قرارها، إما العبور إلى ضفة الانتصار، أو الموت الزؤوام .

لقد منحت الجماهير، وبتضحيات عظيمة وكرم حامي، ستة أيام كاملة، من السبت إلى الخميس، لقيادات الثورة لكي تنهي خطتها لاستلام السلطة من النظام القائم والذي أصبح سقوطه أمراً محتوماً، ولكن تلك القيادات كانت، كما يبدو، قد اعدت العدة لكل شيء إلا لتلك اللحظة. لقد صاغت مباديء الدستور، وأعدت السياسات البديلة. بل ورسمت ملامح المستقبل برمته، ولكنها لم تكن تملك أي تصور لكيفية استلام السلطة. لقد كانت كمن حزم حقائبه، وودع أهله، ولكنه نسى أن يبتاع تذكرة السفر. وحينما أعلنت اللجنة الأمنية تسلمها السلطة من الرئيس السابق، أسقط في يد تلك القيادات، ثم بدأ التخبط.

رغم التنبيهات، فقد فشلت قيادات الحرية والتغيير في استبانة كنه السلطة التي كان يتوجب عليهم أن يتقدموا لاستلامها. لقد طفقوا يتحدثون عن حكومة انتقالية وكأنما الحكومة الانتقالية، وحدها، هي السلطة، وذلك خلط بين. السلطة ليست هي الحكومة، انتقالية كانت أم دائمة، وإنما هي جماع القوة التي تدير الدولة. السلطة هي جماع السلط التشريعية والقضائية والتنفيذية، أما الحكومة فهي لا تتعدى، في أفضل الأحوال، حدود السلطة التنفيذية فقط.

حينما وفدت الجماهير إلى ساحة القيادة العامة وأعلنت اعتصامها، ورفضت الانصياع لحالة الطواريء أو حظر التجوال أو أوامر القيادات الأمنية والعسكرية، كانت قد انتزعت السلطة عملياً من يد النظام القائم، وأصبحت هي، لا أي جهة أخرى، مناط الشرعية. في تلك اللحظة، كان على قيادات الحرية والتغيير أن تعلن عن كونها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوداني، وأنها هي، لا جهة أخرى، تمثل سلطته الشرعية الوحيدة، لا مجرد مشروع لحكومة انتقالية في سلطة تتبرع بها تلك القيادات لنظام ممدد على سرر الموت. ببساطة، لقد انتزعت الجماهير السلطة والشرعية ومنحتها لقوى الحرية والتغيير، التي أعادتها للنظام.

لقد حدث ما حدث، والآن تجد قوى الحرية والتغيير نفسها في زاوية حرجة. فبدلاً من أن تكون هي صاحبة السلطة والشرعية، هاهي تستجدي جزءاً من تلك السلطة، وهو تكوين الحكومة الانتقالية، من المجلس العسكري الانتقالي والذي ما هو إلا امتداد للنظام القديم بوجه جديد. النظام لم يكن أسماءً فقط، وإنما أحهزة ومؤسسات ما زالت موجودة وإن ذهبت بعض الأسماء. المؤتمر الوطني موجود، وكذلك جهاز الأمن والمخابرات، والقوات النظامية، وأجهزة الإعلام ومصادر التمويل، هذا غير الأجهزة الخاصة والسرية. المجلس العسكري يتصرف كسلطة كاملة الدسم، هو الذي يحدد مدة الفترة الانتقالية كما يريد، وكيفية ممارسة السلطة خلالها، وهو الذي يدعو الآخرين لموائد الحوار، بينما قوى الحرية والتغيير تتصرف كمعارضة بائسة، لا تملك سوى المطالبة والرجاء، بل وتوجت ذلك بأدائها فريضة الحج إلى كعبة المجلس العسكري حاملة قائمة مطالبها وتوسلاتها. إن للأمكنة دلالاتها، أما كان من الأكرم لكم أن تجلسوا على الأرض بين جماهيركم وتخطروا المجلس العسكري بإنه إن اراد التفاوض فعليه أن يرسل مناديبه إليكم حيث أنتم؟

لا يمكننا أن نحدث الانتقال الناجح لاستلام السلطة مالم نكن قد حددنا بدقة بواطن النظام القائم وتعرفنا على مواطن قوته وتمكنه. لقد كان الانتقال سهلاً في أكتوبر 1964 لإن النظام العسكري أنذاك لم يكن له امتداد خارج إطار المجلس العسكري الأعلى وحفنة من القيادات في الخدمة المدنية. في أبريل 1985، كان الانتقال أصعب نسبياً لوجود الاتحاد الاشتراكي وطبقة من المنتفعين الانتهازيين في الجيش وخارجه. أما الانتقال في حالة نظام الإنقاذ فهو مختلف تماماً. إن المطلوب، وبعد 30 عاماً من التمكين في كل قطاعات الدولة، والجيش والقوات النظامية والأجهزة الأمنية والقضاء والاقتصاد بقطاعاته المختلفة، والإعلام وغير ذلك، ليس تبديل مجلس بمجلس، ولا حكومة بحكومة، وإنما تبديل نظام كامل بنظام جديد. بالطبع ذلك لا يحدث بين ليلة وضحاها وقد يستغرق زمناً طويلاً، ولكن من الضروري أن نمتلك منذ الوهلة الأولى الرؤية والآليات والوسائل الكفيلة بتحقيقه، ولن يتسنى لنا أن نفعل ذلك إذا كنا تتقاسم السلطة مع نفس النظام الذي نرغب في اجتثاثه.

إن قوانا السياسية لا تتعلم شيئاً من تجاربها القريبة أو البعيدة. في سنة 2005، وبعد اتفاقية السلام الشامل، جاءت الحركة الشعبية لتحرير السودان لتشارك في، وليس لتقتلع، السلطة في الخرطوم مع المؤتمر الوطني، فما الذي وجدته من شريكها. ما أن إطمأن المؤتمر الوطني إلى أن أبصار الحركة الشعبية أصبحت مشدودة نحو كراسي السلطة، حتى قرر أن أن يكون اقتسام السلطة على طريقته وبمقاساته هو، فلم يعطها من الوزارات إلا ما رضي هو أن يتخلى عنه. وحتى في الوزارات التي منحت للحركة الشعبية، لم يكن لوزراء الحركة الشعبية أي نفوذ أو سلطة حقيقة، بل ما كانوا يستطيعون أن يحركوا ملفاً واحداً من مكانه، لإن المؤتمر الوطني كان يمسك بالمفاصل الرئيسية لأداء العمل في تلك الوزارات، فظل وزراء الحركة الشعبية مجرد ديكور إلى أن انتهت الفترة الانتقالية. هل نحن موعودون بفنرة انتقالية على نفس الشاكلة؟

في الوقت الذي تجتمع فيه قوى الحرية والتغييروتنفض دون اتفاق على تشكيل الحكومة الانتقالي، بل وتنشط في المعارك حول الحصص والمناصب، في هذا الوقت لا يكتفي المجلس العسكري بالعمل لتوطيد سلطته، أي سلطة المؤتمر الوطني، فحسب، وإنما يعمل بكل طاقته لإجهاض الثورة بكافة السبل، فسيتم التماطل في تنفيذ الوعود، حتى ينفض الاعتصام بسبب الإحباط أو الظروف المناخية، وفي هذا الوقت ستكون الحركة الإسلامية قد اعادت تموضع مواردها وكوادرها وأجهزتها واتفقت مع "أحزاب الحوار الوطني" وغيرها لدخول الحكومة الانتقالية تحت شعار "عدم الإقصاء"، وهكذا.

في مطلع عام 2005، كتب المناضل الراحل الخاتم عدلان، والذي تحل علينا بعد أيام الذكرى الرابعة عشر لرحيله المبكر والمؤسف، مقالاً بعنوان "‘إلى أين سيذهب هؤلاء" متسائلاً فيه عن الترتيبات التي تعدها الحركة الإسلامية لتوظيف واستخدام كوادرها التي ستخلي بعض المناصب في السلطة لممثلي الحركة الشعبية لتحرير السودان عقب اتفاقية نيافاشا. وفي ذلك المقال كتب الخاتم وكأنما يخاطبنا اليوم "الذين يقولون أن الذين يزاحون من السطة سيغادرونها والغضب يفري أكبادهم .. لا يعلمون طبيعة الجبهة الإسلامية، أو يعرفونها ويريدون إخفاءها لشيء في نفس يعقوب. فبعد أن تحسم عملية الخلع والتثبيت، بل وأثناءها، سيكون واضحاً للجميع أن المسألة لا تتعلق أساساً بالإبعاد النهائي أو التخفيض أو الطرد، بل بتغيير المهام والانتقال إلى مواقع أكثر خطورة." ويختتم الخاتم مقاله قبل 14 عاماً بمثل ما أريد أن أختم به هذا المقال الآن متسائلاً "هل من الممكن أن تنتبه المعارضة، وهي مشرذمة بصورة تدعو للأسف، إلى هذه المخاطر؟ وهل في إمكانها أن تبحثها بصورة جادة مساوية لجدية السلطة في ابتداعها، وتصوغ على أساس البحث سياسات مقابلة كفيلة برد أذاها؟ بل هل هي قادرة حتى على تبين هذا الخطر؟".

[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 297

خدمات المحتوى


بهاء الدين بكري محمد الأمين
بهاء الدين بكري محمد الأمين

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة