لا عفا الله عن ما سلف..!
04-21-2019 10:13 PM
لا عفا الله عن ما سلف..!
(لا تصالحْ،
ولو توَّجوك بتاج الإمارةْ.
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجُهِ البهجةِ المستعارةْ؟
كيف تنظر في يد من صافحوكَ..
فلا تبصر الدمَ..
في كل كفْ؟
إن سهمًا أتاني من الخلفْ..
سوف يجيئُكَ من ألفِ خلفْ.
فالدم ـ الآن ـ صار وساماً وشارةْ
لا تصالحْ،
ولو توَّجوك بتاج الإمارةْ.
إن عرشَكَ: سيفٌ
وسيفَكَ: زيفٌ
إذا لم تزنْ ـ بذؤابته ـ لحظاتِ الشرفْ،
واستطبت الترفْ)
من قصيدة: لا تصالح ـ أمل دنقل
كانت هذه بعضٌ من وصايا كُليْب إبن وائل لأخيه الزير سالم ـ كما تصوّرها أمل دنقل شعرا، فمقتل كليب، غدرا على يد جسّاس، كان السبب فيما عُرف بحرب البسوس التي نشبت بين قبيلتيْ بكر وتغلب لما يقرب من أربعين عام. تذكّرت قصيدة دنقل/ الوصيّة وأنا أتأمّل، ليس فيما يدور الآن على الساحة السودانيّة وحسب، بل تأمُّلَ حرب الثلاثين عاما التي خاضها عمر البشير وزبانيته من الأخوان المسلمين على شعوب السودان.. وحمدتُ القديرَ، إذ أنّ في حرب القبيلتين أفنيا بعضهما إلا قليلا، أمّا في حرب البشير مع الشعب السوداني فما يزال الشباب مرابطون أما القيادة العامّة للجيش، مصبوبون كالصخر هناك إلى أن ينزوي آخر سدنة الإنقاذ، كما يقولون..!
لا عفا الله عن ما سلف..؟! نعم، نقوله بالخشم المليان. كفاية أن عفا (غفل؟!!) الشعب السوداني حين فعل مع نميري وعصابته ظانّا أنّ عهدا ديمقراطيّا جديدا قد بدأ، فبدّد الأحلام والآمال، أوّل مَن بدّدها، الذي توّج بتاج الإمارة. وأمّا ما فعله البشير وزبانيّته من الأخوان المسلمين كان أشدّ مكرا من فعلة نميري، وأكثر بشاعة من حرب البسوس، مما لم يشهد له السودانيّون مثيلا في كلّ العصور. فمن أراد أن يصالح أو يعفو عليه أن يسأل أهل الوجيعة أوّلا: أن يسأل أهل وآباء وأمّهات وأطفال شهداء رمضمان، أن يسأل صحبهم في الحيْ ورفاقهم في السلاح ـ هل سيغفرون! أن يسأل من شُرّدوا من الخدمة المدنيّة فأصاب عائلاتهم بالمسغبة، من عُذّبوا في بيوت الأشباح الذين برأت أجسادهم ولكنّهم يحملون جرح الروح الأبديّ، النساء اللواتي أُذللن وجُلدن في الساحات، أهلنا في النيل الأزرق وما حاق بهم، أهلنا في الجنوب الذي جزّوه من جسد الوطن، وأهلنا في دارفور وهم حتى اليوم يدفعون بالأرواح بعد قتل مئات اللآلاف وتشريد الملايين منهم.. أسألوا طوب الأرض ورمضائها، إن شئتم، أيضا!
لمَ أقول لا تصالح..؟! لأنّي أرى، كما يرى غيري الكثيرون، مَن يتزلّفون للمجلس العسكري ويذهبون إلى ملاقاته وحدانا.. أقول لهم استعصموا بوصيّة كليب (الذي صار رأسُه مثلا):
(لا تصالحْ،
ولو ناشدتك القبيلةْ،
باسم حزن "الجليلةْ"
أن تسوق الدهاءَ،
وتُبدي ـ لمن قصدوك ـ القبولْ.
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطولْ.
فخذ ـ الآن ـ ما تستطيعُ:
قليلاً من الحقِّ..
في هذه السنوات القليلةْ.
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيلْ.
وغداً..
سوف يولدُ من يلبسُ الدرعَ كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيلْ.
لا تصالحْ،
ولو قيل: إنّ التصالح حيلةْ.
إنه الثأرُ.
تبهتُ شعلته في الضلوعِ..
إذا ما توالت عليها الفصولْ..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمسِ)
فوق الجباهِ الذليلة!)
|
خدمات المحتوى
|
عادل عبد الرحمن
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|