المقالات
السياسة
نقابة المعلمين.. سيدة النقابات المؤرنبة ؟!.
نقابة المعلمين.. سيدة النقابات المؤرنبة ؟!.
04-21-2019 10:17 PM


¤ يوسف جابر جودة ¤

منذ مجئ النظام الإنقاذي البائد إلى السلطة بانقلابه الكارثي على الديمقراطية الثالثة في 30يونيو 1989م، كان يسكنه احساس ممض بضرورة البقاء المتجذر، في مفاصل الدولة، خوفا من أن تعصف به رياح الرفض، باعتباره نباتا طفيليا نبت متسللا في تربة لم يمهدها لنموه أحد، حتى يمنحه شرعية التواجد!. لذلك سعى وبكل قوته لفرض وجوده المرفوض، عن طريق استخدام سلطته وإمكانات الدولة، التي باتت تحت وصايته، لزرع خلايا سرطانية في كل نسيج الخدمة المدنية وغيرها، وكان أكثر ما يقض مضجعه، جيوش كريات الدم البيضاء، المتمثلة في النقابات!.
ولأن نقابة المعلمين بالذات كانت ذات وجود اعتباري مهيمن، بقاعدة مستنيرة تمثل مايزيد عن 95 بالمئة من موظفي الخدمة المدنية، رأى النظام البائد أنه سيشكل لها بعبعا مخيفا إن لم يبادر باحتوائها، وتحويلها إلى كائن سياسي مؤرنب (بفتح النون)!. وقد كان. فأعادها للعمل النقابي، تحت مسمى ( الهيئة النقابية العامة لعمال التعليم) ، تضم معلمي مرحلتي الأساس والثانوي، والعمال بالتعليم، الذين كانت لهم نقابة منفصلة في السابق، فقدوها حين تم دمجهم مع المعلمين، دون مراعاة لخصوصية وضعهم كعمال، فخرجت إلى الوجود هيئتنا النقابية الهجينة هذه، بإدارة عناصر قيادية مدجنة موالية موغلة في الانتماء المخلص للنظام الحاكم، لكن ليس لتواصل مهمتها كواجهة مطلبية للمعلمين، وإنما كذراع من أذرع النظام الحاكم، مهمته الأساسية وربما الوحيدة، هي نصرة المؤتمر الوطني الحاكم ظالما أو مظلوما، وممارسة القتال الناعم من أجل إعلاء كلمة السلطان، على حساب المعلمين والعمال!. أما مهمته الحقيقية كنقابة مطلبية للمعلمين.. أو العاملين بالتعليم كما سميت، فقد جردها منه مفهوم مستحدث للإنقاذ يقول بلا مطلبية النقابات، يتعارض تماما مع المفهوم العالمي المعروف عن كل النقابات على وجه الأرض!. ومن هنا جاءت تلك (التهويشات) الإعلامية التي كانت تطلقها نقابتنا من آن إلى آخر في بعض قضايا المعلمين، لتوحي لهم أنها تقاتل من أجلهم، لدرجة التهديد بالاضراب !. وللتاريخ نقول إن نقابتنا البائدة، طيلة الثلاثين عاما هذه، هددت عدة مرات باستخدام سلاح الاضراب، إلا أنها لم تنفذ حتى اضرابا واحدا!. فقبل يوم واحد من تنفيذ الإضراب المعلن ضد المحلية مثلا، في مطلب عادي جدا مثل تطبيق الزيادات الراتبية الذي تأخر لشهرين أو أكثر مثلا، أو أي مستحقات مالية أخرى، تقوم بتعميم منشور يتحدث بلهجة متفائلة بانها قد توصلت لاتفاق مع الجهة المستهدفة بالاضراب، والتي استجابت لضغط النقابة، فوعدت بالشروع في تنفيذها، وبالتالي تم رفع الإضراب!!.. لنكتشف لاحقا أن وعود تحقيق المطالب لم تكن سوى مناورات كبيرة من المحلية بالتواطؤ مع النقابة نفسها، بهدف إفراغ المطالب من معناها و مضمونها، وافقادها قيمتها الآنية، وذلك بجدولتها لفترات طويلة، غير عابئة بالأثر السالب لتردي قيمة عملتنا المحلية، بسبب سياسات حكومتهم، الذي سينجم عن تأخير صرف المستحقات في وقتها، لتصبح المحلية نفسها جزءا من مشكلة المعلمين المستعصية، بسبب نقابتنا الضعيفة، التي تلتقي مع المحلية في كونهما جزءا من مكونات الدولة العميقة، للنظام الذي باد.
إن التخلص من المحلية، وعدم ربط المعلم ماليا بها، ليس هو الحل، وإنما اقتلاع جذور الدولة العميقة منها، في ظل نقابة جديدة من الصقور الحريصة المتحفزة لانتزاع حقوق ومكاسب المعلمين، هو وحده الذي سيعيد المحليات إلى السير في الطريق القويم.
لقد ظلت النقابة طيلة الثلاثين عاما الكالحة، هي يد السلطة التي تمسك بخناق المعلمين، وتعيث فسادا في كل بوصة مربعة من جسد التعليم، لا تقدم للمعلمين سوى الفتات الذي يتكرم النظام الحاكم بالسماح لها بتقديمه، بينما ظل قادة النقابة وأعضاؤها يستأثرون بالسلطة وبالمواقع المريحة، ويعملون بالمدارس ذات العائد المالي الجيد، بينما يمارسون على بقية المعلمين الصابرين، سادية اكتسبوها من نظامهم الحاكم، تصنيفا إلى مؤيد ومعارض، ليتعاملوا عبر هذا التصنيف مع من يعارض ممارساته الخاطئة بأنه معارضة للدين والسلطان، ليجيء النقل التعسفي لهذا ، وحرمان ذاك من حقه في المراقبة أو التصحيح، والتحكم في فرص الكنترول، استدرارا للولاء النفاقي، استقطابا ومحسوبية وما شابه ذلك من مظاهر سالبة لا تليق بالمعلمين، وجملة من ممارسات فاسدة، جعلت المعلم يفقد احساسه بالأمن الوظيفي، حين وجد نفسه مكشوف الظهر، لا سند له في نقابته ولا معين.
لقد عجزت النقابة، ومعها بنفس القدر اتحاد المعلمين، مكبلة بلعنة الولاء السياسي الأعمى، عن انجاز أي مكتسبات معتبرة، يمكن أن تشكل إضافة يشكرهما عليه المعلمون الصابرون، وهو حال النقابة والاتحاد في ظل النظام البائد، في كل ولاية من ولايات السودان.
إنني هنا لم أذكر إلا القليل من الممارسات الفاسدة لنقابة التعليم كما يعلم اصحاب الوجعة. القليل الذي يكفي لرسم صورة محدودة التفاصيل للنقابة سيئة الصيت، التي أصبحت بسقوط نظام المؤتمر الوطني، والحمد لله، في عداد الهالكين!.
وقد آن الأوان لكنس آثار هذه النقابة إلى الأبد، بتكوين نقابة للمعلمين بوجه جديد مشرق، تحتضن المعلمين كأم رؤوم، تعرف مشاكل أبنائها دون أن تسألهم، وتفهم ما يرغبون فيه دون أن يبوحوا بذلك، نقابة ذات أهداف وبرامج كبيرة تؤمن تماما بأنها نقابة مطلبية تسعى لتحقيق انجازات غير مسبوقة تليق بمقام المعلم، الذي تعرض طويلا للظلم والقهر والاستعباد والتهميش. وقد آن أوان أن تجعله النقابة بشكلها وطبعها الجديد، يحس بالحماية، ودفء الانتماء الحميم للتعليم والمجتمع والوطن، ويستعيد موقعه الريادي والقيادي على قمة الهرم الاجتماعي والاقتصادي للدولة، مثل ما كان في السابق.
¤¤ أيها المعلمون: استردوا نقابتكم!.
¤ يوسف جابر جودة _
موجه منتدب بإدارة التعليم الخاص/ بحري¤





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 343

خدمات المحتوى


يوسف جابر جودة
يوسف جابر جودة

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة