فلنستنفد فرص التفاوض أولا، لا مصلحة لأحد في مواجهة غير محسوبة العواقب
04-23-2019 02:42 PM
القرارات الانفراداية ستزعزع وحدة قوى الثورة
محمد سليمان عبدالرحيم
ما حدث البارحة 21 أبريل 2019، في المؤتمر الصحفي الذي دعى له تجمع المهنيين أمام القيادة العامة لإعلان تشكيل المجلس السيادي أمام حشود ضخمة جداً من الثوار، أصاب جميع من حضروه وشاهدوه أو استمعوا له بخيبة أمل عظيمة. فبالإضافة إلى المشهد البائس الذي أوضح انعدام التحضير وفوضى التنظيم والإدارة، وتدني مستوى المخاطبة في شكلها ً ومحتواها، فقد أساء تجمع المهنيين إدارة توقعات الحضور والذين فاقت أعدادهم المليون شخص جاؤوا خصيصاً للاحتفال بتكوين الحكومة تتويجاً لثورتهم الظافرة، فإذا بهم يفاجئون في اللحظة الأخيرة، هكذا دونما تحضير أو تهيئة أو اعتذار لهم، وبصورة ركيكة تماماً، بأن ذلك لن يحدث، وأن الحكومة لن تشكل.
مباشرة عقب انتهاء المخاطبة، هرع الكثيرون محاولين الالتفاف على ذلك الشعور الموجع بالإحباط ، من مكابر يدعي أن ما حدث كان نصراً كبيراً لتجمع المهنيين أثبت ذكاءه الخارق! إلى مشفق يرغب في تغليف ما حدث ببعض السكر ليجعله مبلوعاً بعض الشيء، إلى محاولات ظالمة لتحميل الشاب الذي قرأ ذلك البيان مسؤولية ماحدث. وهنا لابد، للتاريخ وللإتصاف، من توجيه التحية والإشادة للشاب محمد الأمين عبد العزيز الذي حمل مسؤولية تنؤ بحملها الجبال، بقراءة ذلك البيان القاصر مضموناً و الركيك لغة والذي لم يصغه هو، أمام أكثر من مليون من البشر، وهو أمر يخيف حتى المتمرسين في الخطابة. فلنسم ما حدث خطأ، أو كبوة أو نكسة، أو هزيمة أو ما تشاء، لا يهم ولن يفيدنا الاختلاف في هذا الأمر في شيء أو يقدمنا خطوة إلى الأمام. المهم والمفيد هو أن نحدد بوضوح وبصورة موضوعية ما حدث، وأن نعرف لماذا حدث، وما هي نتائجه، والاعتراف الصريح والشفاف بالأخطاء و القصور، والاتفاق على كيفية تجاوزها ثم الانطللاق للأمام.
1. يوم الخميس الماضي، 18 أبريل 2019، أعلن تجمع المهنيين السودانيين (وليس قوى الحرية والتغيير) عن دعوته لمؤتمر صحفي يعقد في السابعة من مساء الأحد 21 أبريل، في ميدان الاعتصام أمام القيادة العامة، لإعلان تشكيل المجلس السيادي الذي يمثل المستوى الأعلى من مستويات السلطة المدنية الانتقالية. لقد أخذ إعلان تجمع المهنيين عزمه، منفرداً، إعلان تشكيل المجلس السيادي بقية حلفائه في قوى الحرية والتغيير على حين غرة، فطفقوا يحاولون إثناء تجمع المهنيين عن خطوته التي أعلنها. من الجانب الآخر، لم يكن تجمع المهنيين، في الوقت الذي أعلن فيه عن تنظيم مؤتمره الصحفي، قد توصل لاتفاق مع المجلس العسكري حول تشكيل المجلس السيادي أو حول السلطة الانتقالية ككل. أي أن تجمع المهنيين ظن، لسبب من الأسباب، أن بمقدوره بمفرده فرض تشكيل السلطة الانتقالية فرضاً على الجميع، على قوى الحرية والتغيير وكذلك على المجلس العسكري، على حلفائه وعلى خصومه معاً في آن واحد.
2. فيما يتعلق بقيام تجمع المهنيين بالشروع في إعلان تشكيل المجلس السيادى دون اتفاق مع بقية حلفائه في قوى الحرية والتغيير، لابد من القول بأنه لا يمكن إلقاء اللوم بصورة كاملة على تجمع المهنيين. لقد تباطأت القوى الحزبية داخل قوى الحرية والتغيير وتلكأت كثيراً في مسألة تكوين وتشكيل السلطة الانتقالية. لقد ظل معظمها سادراً في غيه، منشغلاً بخلافاته وخصوماته غير المبدئية التاريخية، مغلباً مصالحه الصغيرة الآنية، وذاهلاً تماماً عن هذه المسألة الحاسمة رغم علمه التام بالمخاطر الهائلة الناجمة عن عدم تشكيل الحكومة وقيام السلطة الانتقالية في ظل وجود انقلاب عسكري ممسك بزمام الأمور. لقد بلغت المهزلة بأحد هذه الأحزاب، والمنقسم أميبياً، أن طالب، وبقوة عين يحسد عليها، بأن يكون لكل فصيل من فصائله مقعد منفصل في الحكومة، وهو ما يعني أن جميع مقاعد الحكومة لم تكن تكفي لتمثيله وحده.
3. لقد أدى ما ذكرناه أعلاه إلى إرجاء مناقشة موضوع تكوين الحكومة، خوف الانشقاقات، من اجتماع إلى أخر وهو ما دفع تجمع المهنيين في نهاية الأمر إلى التصرف منفرداً. ربما كان تجمع المهنيين سيكون في حل من انتظار بقية الحلفاء في قوى الإجماع، لو كان قد حدد لهم موعداً نهائياً لحسم المسألة، ولكن ذلك لم يحدث. ما حدث بعد ذلك أن أحزاب قوى الحرية والتغيير بدأت تلهث في محاولة لإثناء تجمع المهنيين عن قراره، وتدخلت الوساطات والأجاويد، وهو ما أثار اللغط حول ما إذا كان المؤتمر الصحفي قد تأجل أم لا، وأدى في نهاية الأمر إلى تراجع تجمع المهنيين عن إعلان تشكيل المجلس السيادي، وقد انعكس ذلك الخلاف بالطبع داخل وأثر في في وحدة تجمع المهنيين ذاته.
4. من الجانب الآخر، ووفقاً لبيانات تجمع المهنيين والتسجيل المصور لأحد قادته، محمد ناجي الأصم، فإن التجمع التقى، ضمن وفد قوى الحرية والتغيير، باللجنة السياسية التابعة للمجلس العسكري ثلاث مرات كان آخرها يوم السبت الماضي 20 أبريل، أي قبل يوم من موعد المؤتمر الصحفي، وهو اللقاء الذي أبلغت فيه اللجنة السياسية وفد قوى الحرية والتغيير بأنها ستنظر في مقترحهم بتكوين السلطة المدنية الانتقالية ضمن مقترحات قدمت من عدد من القوى السياسية الأخرى. يجب أن نضع في اعتبارنا هنا أيضاً، أن اللجنة السياسية حينما قابلت وفد قوى الحرية كانت تعلم أن تجمع المهنيين قد قرر سلفاً إعلان مجلسه السيادي بصرف النظر عن موقف المجلس الغسكري من ذلك، وهو ما يعني، بصورة أو أخرى، أن التجمع قد بدأ يدفع بالأمور تجاه المواجهة.
مما تقدم نخلص إلى الأتي:
• بغض النظر عن موقف الأحزاب داخل قوى الحرية والتغيير وموقف اللجنة السياسية في المجلس العسكري، فقد كان هناك وقت كاف لتجمع المهنيين لإدارة توقعات الجماهير بصورة أفضل، ولتهيئة الناس تدريجياً لعدم إعلان تشكيل الحكومة، بل وكان بإمكانه تأجيل المؤتمر الصحفي نفسه، ولكنه لم يفعل وترك الحضور مهيئين تماماً للاحتفال حتى آخر لحظة ليصدمهم ويصيبهم بالإحباط هكذا.
• ليس صحيحاً أن سبب عدم إعلان تشكيل المجلس السيادي يرجع إلى اللجنة السياسية في المجلس العسكري فقط، وإنما يعود ايضاً، وبصورة رئيسية، إلى إرجاء تجمع المهنيين هذا الإعلان في انتظار حسم قوى الحرية والتغيير لخلافاتها وصراعاتها ونزاعاتها حول المحاصصة.
• ليس ثمة تفاوض بالمعنى المتعارف عليه تم بين الطرفين، قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين من جانب، والمجلس العسكري ولجنته السياسية من الجانب الآخر. من الممكن القول بأن اتصالات قد تمت بين الطرفين أبلغ فيها كل منهما الآخر بتصوره ورأيه وموقفه، ولكن دون تداول جدي ممنهج في الخيارات والبدائل المختلفة ومحاولات تقريب وجهات النظر وما إلى ذلك.
• لقد أدى إعلان تجمع المهنيين عن اتجاهه لإعلان تشكيل المجلس السيادي منفرداً ودون اتفاق مع المجلس العسكري إلى رفع درجة المواجهة مع المجلس العسكري إلى أعلى مستوى لها منذ انتصار 11 أبريل. ثم عاد تجمع المهنيين وتراجع عن ذلك الإعلان استجابة لطلب بقية قوى أعضاء الحرية والتغيير، ولكن هذا التراجع وبالصورة التي تم بها سيقرأ، شئنا أم أبينا، كانتصار للمجلس العسكري، وهذا هو أسوأ ما في الأمر.
• مع الإحباط الذي أحدثه تجمع المهنيين وسط جماهيره، والانتصار المجاني الذي أهداه للمجلس العسكري، فقد أعلن في بيانه أمام الجماعير عن تصعيد جديد للمواجهة مع المجلس العسكري تمثلت في تعليق التفاوض معه وخطوات أخرى لتسخين الشارع.
• لقد سعى تجمع المهنيين لإعلان تشكيل المجلس السيادي منفرداً، ثم تراجع عن ذلك. الآن أعلن تجمع المهنيين عن تعليق المفاوضات مع المجلس العسكري مرة أخرى منفرداً ودون أن يشاور حلفائه في إعلان الحرية والتغيير. لابد لتجمع المهنيين أن يتعلم من تجاربه ولابد له أن يعلم أن مثل هذه القرارات الانفرادية ستؤدي إلى تفتيت وحدة تحالف قوى الثورة.
• لقد كانت قوى الحرية والتغيير وكان تجمع المهنيين في وضع أفضل لفرض السلطة الانتقالية المدنية وفق رؤيتهم في اللحظات الأولى لانتصار الثورة، ولكنهم لم يفرطوا في ذلك فحسب، وإنما قاموا بعدد من الخطوات التي يجوز تأويلها بأنها خضوع لشرعية المجلس العسكري.
نحن الأن أمام مواجهة حقيقية وصعبة بين الطرفين، قد تكون لها آثار كارثية على تطور الحراك الثوري وقدرته على بلوغ غاياته، فهل هناك من مخرج:
1. أولاً، إن هناك الكثير مما يتوجب على تجمع المهنيين وعلى تحالف الحرية والتغيير عمله ل (1) رفع مستويات الأداء المهني والاحترافي و(2) قراءة المشهد السياسي بصورة علمية وموضوعية وإدراك موازين القوى الحقيقية، و(3) تحديد المخاطر ووضع الأولوبات السياسية بصورة صحيحة، و(4) توظيف والاستفادة من خبرات ومعارف وقدرات أفضل العناصر البشرية الموجودة في صفوفهما، خاصة في الجوانب القانونية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية.
2. على قوى الحرية والتغيير أن تسعى بكل السبل لتجنب هذه المواجهة، السابقة لأوانها، مع المجلس العسكري. لابد من الاعتراف بحقيقة أن إعلان تعليق التفاوض كان متعجلاً، وأن فرص التفاوض مع المجلس العسكري لم تستنفذ بعد، وضرورة أن يعمل الطرفان لتهيئة الأجواء المناسبة للتفاوض من جديد. وفي هذا السياق تقترح أن تسعى قيادة قوى الحرية والتغيير للقاء مباشر مع المجلس العسكري ككل أو رئيسه ونائبه فقط لتحسين الأجواء وتمهيد الطريق للحلول.
3. ورد في سياق النقد الذي وجه من جهات عدة لتعليق التفاوض مع المجلس العسكري، أن المفاوضات كان ينبغي أن تعلق مع اللجنة السياسية فقط وليس مع المجلس العسكري برمته، وتبرع كثيرون كذلك بدمغ ثلاثة من أعضاء اللجنة السياسية بالإسم بأنهم ولغوا في جرائم النظام السابق إلخ .. إلخ. بصرف النظر عن صحة هذه الاتهامات أو بطلانها، فليس صحيحاً و لا مقبولاً أن يحدد طرف للطرف الآخر من يمثله في التفاوض. بدلاً من ذلك يمكن لقوى الحرية أن تقترح، كبادرة لإثبات حسن النوايا، أن يغير كل طرف وفده ويستبدله بوجوه جديدة لتفادي التأثيرات السلبية للتجربة السابقة الفاشلة.
4. ولتفادي التجربة الفاشلة السابقة أيضاً، لابد للتفاوض من أن يتم على أسس جديدة، تتضمن إعلان مباديء متفق عليه، وإجراءات مؤقتة متفق عليها لإدارة البلاد لحين الوصول لاتفاق كامل حول السلطة الانتقالية المدنية، ونظام لإدارة المناقشات والجلسات، والتوثيق، والجدول الزمني ..إلخ.
لا أريد حقاً أن أفكر في البديل لما تقدم. إن السبيل الآخر الوحيد هو طريق المواجهة، وهو طريق ستكون نتائجه وخيمة وكارثية تماماً على ثورتنا وعلى شعبنا وعلى بلادنا.
|
خدمات المحتوى
|
محمد سليمان عبدالرحيم
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|