كنا سنخسر بعضنا لأجل تفاحات فاسدة ..
04-24-2019 08:36 PM
بقلم: السفير محمد المكي ابراهيم
الصراع الذي يدور في السودان بين المجلس العسكري وقوى الثورة الشعبية هو صراع وهمي من حيث منابعه ومسبباته ومن حيث مآلاته في نهاية الامر، فالمجلس العسكري كان يضم بعضا من الناس ذوي التوجهات الإسلامية الذين آلمهم أن يروا الرايات المتأسلمة تنكس ورجالاتها يذهبون إلى المعتقلات وفضائحهم تخرج للعلن بصورة مخزية تجعلهم يفقدون الأمل في عودة الأسلمة ليس إلى السودان وحده وإنما في كل أنحاء الوطن العربي المسلم ولكن أولئك النفر أو تلك التفاحات الفاسدة عُرفوا وكُشفوا وبالنتيجة طردوا من عضوية المجلس العسكري وسقطت معهم آخر محاولات التستر على الرايات الساقطة. وظني أننا لم نحسن فهم طبيعة النزاع الدائر ولم نحدد أطرافه على الوجه الصحيح وقد هولنا من أمره فما هو في النهاية سوى مظاهرات صحفية ليس لها أرجل تسعى بها بين الناس.
كل ما هنالك أن ثلة من ضباط القوات المسلحة السودانية وجدوا أنفسهم في دولة الإمارات العربية مكلفين بإدارة ما يخص السودان من الصراع الدائر في اليمن وأن أولئك الضباط وجدوا أنفسهم في مناخ معادي للأيديولوجيا الإسلامية التي يحكم بها البشير في السودان واستمعوا إلى شروح فقهية وسياسية هزت قناعاتهم في مواصفات وشروط الحاكم المسلم فانتهوا إلى الكفر التام بما يجري في السودان باعتباره تحايلا على الإسلام واستخداما غير مشروع لأوامره ونواهيه وتسخيره لخدمة عصابة من اللصوص كانزي مال الشعب المسروق بقلوب أعماها الطمع فلم تعد تعرف فرقا بين حلال وحرام.
وجد أولئك الضباط أنفسهم تحت غواية مستمرة لإعداد أنفسهم لعمل ضد نظام البشير ووجدوا من يتفاكر معهم حول أدق التفاصيل ويبدو أنهم سألوا إن كان هنالك من يقف معهم ويشد من أزرهم من القوى الشعبية فأرشدوا إلى تحالف المهنيين الذي مضى يحشد قواه على مدى ما يقرب من أربعة اشهر ويؤجج نهارات الخرطوم ولياليها بالمواكب والمظاهرات ويسلم الجماهير ثورة كاملة بشعاراتها وأهازيجها وعددا فاخرا من تكتيكاتها الكفاحية وبعد مرانها الثوري الطويل اندلقت جماهير الثورة إلى وزارة الدفاع حيث التقت بضباطها العائدين من دولة الإمارات وكانت حفلة من الفرح المستدام لم يعكرها سوى رفض الضباط تسليم السلطة للمدنيين ولا ندري لماذا؟ ففي كل أرجاء العالم يتولى الحكم أشخاص مدنيون وتحرم السلطة على العاملين في الخدمة العسكرية إلا إذا خلعوا الزي العسكري للأسباب المعروفة من وفاء المدة أو الرغبة الشخصية أو المعوقات القهرية ولا ننسى أن دورات الطبيعة تقتضي أن يكون المدني عسكريا متى بلغ سن التجنيد ويتحول العسكري إلى مدني متي تجاوز عمر الخدمة ولا بقاء لأي من الحالتين. ويلاحظ ما يجد العسكري من التمجيد والإكبار إذا وفى بالخدمة العسكرية واختار بعدها أن يدخل غمار العمل السياسي. وإذا كان بعض ضباطنا العائدين من الإمارات يرغبون في استدامة التعاون بينها وبين بلادنا فإنهم ليسوا الوحيدين في ذلك السبيل وسيجدون أن هنالك كثيرون يميلون بقلوبهم وعقولهم إلى محور السعودية - مصر- الإمارات وقد يكونون من الكثرة بحيث يشكلون الأغلبية والكثرة الكاثرة.
إذا كان المجلس العسكري راغبا في استمرار الوداد مع الشعب فهنالك وسائل كثيرة لتحقيق ذلك ليس بينها حرمان البلاد من الحكم المدني ويمكننا الاتفاق بطريقة تفصيلية للمحافظة على مقدسات كل طرف وباتفاق واضح وصريح يمكن أن تتعهد أطراف الاتفاق باحترام الأشياء المطلوبة خلال سنوات الحكم الانتقالي ولكن بعد إجراء الانتخابات لا سبيل لأي اتفاق يخل أو ينتقص من سلطة الشعب السيادية الكاملة.
لقد سببنا لبعضنا كثيرا من الكدر بذلك الحديث المعاد عن المحاور في الشرق المسلم حيث تمثل السعودية-مصر-الإمارات محورا وتمثل تركيا وقطر محورا مقابلا ولكن على مستوى التصنيف العالمي تمثل الدول الخمس تنويعا متشابها داخل المحور الغربي المصطف بدوره حول الولايات المتحدة الأمريكية فتركيا عضو كامل العضوية في حلف الناتو وقطر تستضيف قاعدة العديد الجوية ركيزة الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط والسعودية والإمارات عضوان في التحالف المالي الذي يقود الحركة المالية العالمية عبر صندوق النقد الدولي ومجموعة الفلسفات الاقتصادية للرأسمال العالمي وفي ظل الخلافات السارية الآن بين الحلفاء الغربيين فربما بدت قطر والسعودية أقرب للولايات المتحدة من فرنسا وألمانيا وانجلترا ناهيك عن الدول الأوروبية حديثة الانضمام للناتو وبذلك فإن ما نسميه محاوراً هو في الحقيقة تنويع محدود الأهمية داخل الحلف الغربي حيث لا تجسر دولة على استخدام العنف ضد الأخرى ولكنه مصرح لهم باستخدام القوة اللينة لمجرد التهويش متجليا ذلك في تبادل الملاعنات والملاسنات والحملات الصحفية وفي نهاية المطاف لن يأتي أحد ليخنقك لأنك اسأت الأدب مع دولة قطر أو دولة الإمارات فإن توزيع ما نسميه بالمحاور ليس بفواصل من حديد. ومع ذلك فإن كثيرا من الحقيقة التنموية والنهضوية تتوافر لدى مجموعة السعودية والإمارات ومصر بينما تستند قطر وتركيا إلى نعرات اسلاموية مريرة المذاق ولنا معها –نحن السودانيون- تجارب مريرة إذ تعتبر مسئولة عن تخلفنا الاقتصادي والاجتماعي بما فرضت علينا بالقوة الجبرية طيلة ثلاث عقود.
على سبيل الخلاصة التنفيذية فليطمئن المجلس العسكري على توجهات شركائه السياسية والاقتصادية ولنبدأ عملنا المشترك بقوة وعزم لتطوير وطننا وتحديثه مستفيدين من انبثاقة الحب التي اشعلها تضامننا جيشا وشعبا في معركة التحرير لنخوض بشعلتها الوقادة معركة التعمير التي تنتظرنا جميعا
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
السفير: محمد المكي ابراهيم
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|