المقالات
السياسة
الشيخ عبد الحي يوسف.....ألا ليت اللحى كانت حشيشاً
الشيخ عبد الحي يوسف.....ألا ليت اللحى كانت حشيشاً
04-25-2019 10:39 AM




أحمد القاضي

في كتابه [ملامح من المجتمع السوداني] الذي ألفه في النصف الأول من ستينات القرن الماضي، يقول الكاتب الراحل حسن نجيلة، أن أحد أعضاء ما يسمى بــ(جمعية اللواء الأبيض) وكانت حركة موالية للتاج المصري، ضد الإدارة الإنجليزية بالسودان، قد هجا الشيوخ الدعاة وأئمة المساجد، الذين كانوا يوالون الحكام الإنجليز، ويدعون الناس إلى طاعتهم لأنهم ولاة الأمر، وطاعة ولاة الأمر واجبة، ببيت شعري يقول:
ألا ليت اللحى صارت حشيشآ [] لتعلفها خيول الإنجليز
وكان الشيوخ من دعاة وأئمة مساجد، بالإضافة إلى مرتباتهم، يتلقون من الإدارة الإنجليزية العطايا في المناسبات وكسوة سنوية.
وإن كان للأمانة العلمية لابد من التوضيح، بأن هذا البيت ليس لشاعر اللواء الأبيض، الذي لم يفعل سوى تغيير الكلمة الأخيرة، فهو كما جاء في كتاب "الكامل في التاريخ" لشاعر إسمه يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري هجا به والي سجستان زياد عبيد الله عباد الذي إنشغل عنه بقوله:
ألا ليت اللحى كانت حشيشا * فتعلفها خيول المسلمينا
وكان ذلك ديدن الشيوخ عبرالعصور، حتى أنه قد تواتر أن إمام المسجد الكبير بالخرطوم، في عهد الفريق إبراهيم عبود، قد قال في حفل وقف فيه خطيبآ، وهو يشير إلى وزير الإعلام آنذاك اللواء طلعت فريد {إن هذا الرجل يذكرني بعمر بن الخطاب} وكان نظام الفريق عبود، قد أجزل العطايا للدعاة وأئمة المساجد.....لا ندري مدى صحة ذلك، ولكنه ليس بالأمر الغريب على الشيوخ، فقد سمع العالم كله، الشيخ الأزهري سعد الدين الهلالي، يقول في حفل أقيم في أكاديمية الشرطة بالقاهرة سنة 2013 م، لتكريم أسر شهداء الشرطة، بعد الإطاحة بحكومة مرسي الإخوانية، أن السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم رسولان من عند الله لإنقاذ مصر من الأخوان.

وفي خلال الديمقراطية الثانية، التي بدأت عقب ثورة أكتوبر في العام 1964 م، تمكن الإخوان المسلمون من إسستقطاب الدعاة وأئمة المساجد، وإختطاف المساجد بعد أن خرجوا من الحلقات الضيقة، في المدارس والجامعة، وشكلوا ما أسموه بـــ(جبهة الميثاق الإسلامي) وأصدروا صحيفة تعبر عن لسان حالهم إسمها {الميثاق}....وجعلت حركة الأخوان المساجد أهم الساحات لنشاطها السياسي، الذي كان شعاره المحوري آنذاك، هو تحقيق الدستور الإسلامي ومحاربة الشيوعية.....وما أسمته بالدستور الإسلامي لم يكن سوى إسم أسمته تجارة بالدين، ولم ير النور حتى عندما جلست على صدر البلاد الثلاثين الطوال...لإنه لا شئ إسمه الدستور الإسلامي ...ولم يعرف التاريخ الإسلامي شيئآ إسمه الدستور أصلآ، إلا.في العام 1876 م، عندما وضع الخليفة العثماني دستورآ، على نسق الدساتير الأوربية الغربية تحت تأثير مدنية أوربا.....والمفارقة المثيرة للسخرية، أن الحركة الإسلامية قد أقامت دولة دينية إستبدادية ظالمة وفاسدة وباطشة، وزينتها بدستور العام 2005 م، الذي هو على نسق الدساتير المدنية الحديثة، المستهدية بأساطين الفكر العلماني، أمثال:: جان جاك روسو صاحب (العقد الإجتماعي) ومونتسكيو مؤلف (روح القوانين)، وجون لوك وتوماس هوبز....فهو يتضمن الفصل بين السلطات، وحقوق الإنسان من حرية التعبير وحرية التنقل، وما إلى ذلك مع وقف التنفيذ بالطبع.....وما هو أكثر إثارة للسخرية، هو أن المؤسسات التي كانت تشكل، هيكل دولة المشروع الحضاري الإسلامي، تحمل ما أفرزته الثورة الفرنسية الكبرى، من مؤسسات ومصطلحات.....فمصطلح (جمهورية) و(رئيس جمهورية) و(دستور) هو من منتوجات الثورة الفرنسية الكبرى...أما مصطلح (الديمقراطية) تعود جذوره للحضارة الإغريقية، بينما مصطلح (البرلمان) و(إنتخابات) و(دوائر إنتخابية)، يعود للفكر الإنجليزي...فأين الهوية الإسلامية من كل هذا الذي زين به الكيزان، دولتهم الدينية الباطشة، دولة المشروع الحضاري الإسلامي، يا شيخ يوسف؟
والمساجد التي إختطفها الأخوان المسلمون في ستينات القرن الماضي، وحولوها ساحة لعملهم السياسي ، لم تنتج أي دستور إسلامي...ولكنهم أستخدموها أيما إستخدام في مشروعهم لحل الحزب الشيوعي السوداني، حيث كانت تخرج منها التظاهرات الغوغائية بقيادتهم، وهي تهتف [لا شيوعية في الجمعية] و{لا إلحاد بعد اليوم} و[عبد الخالق عدو الخالق] ......وظن الأخوان المسلمون أنهم بحل الحزب الشيوعي قد إنتصروا، دون أن يدركوا أن تلك الخطوة ستأتي بالوبال ....فحل الحزب الشيوعي السوداني وإغلاق دوره وصحيفته، جعل الشيوعيين يعودون من الشباك، بـتأييد إنقلاب 25 مايو 1969 م، الذي قام به ثلة من الضباط، أولي التوجهات القومية العربية، مع نزعة يسارية جعلتهم يرضون، بأن يكون الحزب الشيوعي الحاضنة السياسية لذلك الإنقلاب، الذي قضى على الديمقراطية الثانية.....حسنآ، هل حل الأخوان المسلمون الحزب الشيوعي، من أجل الإسلام ومحاربة الإلحاد، كما زعموا؟...لو كان الأمر من أجل الإسلام ومحاربة الإلحاد، فلماذا سمحوا له بالعمل، بعد أن تمكنوا من السلطة، إثر إنقلابهم في 30 يونيو 1989 م؟...الأمر ببساطة أن التنظيم الدولي للأخوان، الذي يعتبر أخوان السودان جزءآ منه، كان في تحالف مع الغرب بزعامة أمريكا، في حربه الباردة ضد الإتحاد السوفيتي...وكان من مهام تنظيمات الأخوان في العالم الإسلامي، هي منع إنتشار الشيوعية، بأن تركز في حملاتها الدعائية، على أن الشيوعيين يريدون ألحدة المجتمع وهدم المساجد.....ولذا لم يتورع أخوان السودان، مثلهم مثل بقية أخوان العالم الإسلامي، من الذهاب إلى أفغانستان للجهاد ضد الغزو السوفيتي، تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.....وبعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، القت بهم أمريكا في المزبلة بعد قضت منهم وطرها، ولم تعد في حاجة لخدماتهم، فأصبحوا من ألد أعدائها، يفجرون برج منهاتن ويعتدون على السفارات والمصالح الامريكية في كل مكان، ويصفونها بـــ(الصليبية.) بل وأكثر من ذلك فإن أخوان السودان، بشروا بدنو عذابها.
إذن هذه هي المساجد، التي يلوح الشيخ السروري عبد الحي يوسف [السرورية حركة سلفية مهجنة بأفكار سيد قطب] إخراج المواكب منها ضد ثورة الشباب، الذين هتفوا من عندياتهم، ودون أن يلقنهم أحد {كل كوز ندوسو دوس} لأنهم خبروا لؤم الكيزان ونفاقهم وكذبهم، وفسادهم وشهوتهم العارمة للمال، والزواج مثنى وثلاث ورباع، ليس من الكتب، بل بالتجربة العملية التي كوت كل فرد سوداني وعركته، حتى توطنت وتوهطت كراهية الأخوان المسلمين، قلب كل إمرأة ورجل وطفل في هذا البلد، الذي إختطفته عصابة من اللصوص وسفاكي الدماء، ينبري الشيخ عبد الحي يوسف، لإعادتها للمشهد السياسي من الشباك، بعد أن طردوا من الباب شر طردة، وخطته في ذلك محاولة دغدغة عواطف البسطاء وتهييجها بعبارات فضفاضة رنانة لأ إطار لها ولا معنى، مثل قوله || هوية السودان الأسلامية خط أحمر|| وقد تشجع عندما وجد المناخ مواتيآ، حيث البرهان لا حول له ولا قوة، وهو محاط في مجلسه العسكري بضباع كيزانية، كان من المفترض ان يكونوا، تحت الإعتقال التحفظي للتحقيق، لا في سدة الحكم.
فعبارته:[الهوية الاسلامية للسودان خط أحمر] ، عبارة فضفاضة.....وهي بالضبط من جنس العبارات الفضفاضة ، التي إستخدمها الأخوان المسلمون، للتجارة بالدين من أجل التسلط على الناس، وأكل أموالهم بالباطل، مثل::( الدستور الإسلامي) و (لابد من تحكيم شرع الله) و (المشروع الحضاري الإسلامي) و(لا لدنيا قد عملنا) وما إلى ذلك من الشعارات، التى أودت ببلادنا للتهلكة، وقسمتها وجزأتها إلى بلدين، وفرقت بين مسلميها ومسيحييها، وأرجعتها ستين خريفآ إلى الوراء.... وفشل الأخوان المسلمون في تحقيق أي من تلك الشعارات على أرض الواقع، طوال سنوات حكمهم، لتكون نموذجآ ونبراسآ للعالمين...بل على العكس، إنتهوا موصومين مدموغين بـــ[الحرامـــية]..... لشدة إستشراء الفساد في نظامهم {من رأسها إلى ساسها} ونهبهم موارد البلاد...ولا عجب في أن يكون هتاف [سلمية سلمية ضد الحرامية] من أهم الهتافات التي سيطرت على الأجواء، في التظاهرات والمواكب.خلال ثورة ديسمبرالمجيدة.
والحالة هذه، فإن مستوى الوعي لدى هذا الجيل، الذي جندل دولة الكيزان، والمناخ العام المعادي للحركة الإسلامية، ونهوض الطرق الصوفية، التي شاركت بقوة في الإعتصامات، بعد أن حوربت طويلآبلا هوادة، من الحركة السلفية المدعومة من دولة الكيزان، سيجعل الطريق وعرآ أمام الشيخ عبد الحي، ومن إئتمروا معه من الأئمة، لتنفيذ تهديده للثوار (ونحن سنحشد كما تحشدون)....وهل نسي الشيخ عبد الحي، أن إحدى أكبرالمظاهرات خرجت من المصلين في مسجده، بحي (جبرة) يوم الجمعة 11 يناير 2019 م، متحدين إرادته الأمر الذي سبب له حرجأ أمام أولياء نعمته...وقد علق الأخواني السابق الدكتور يوسف الكودة في أحد فيديوهاته، على هذا الحدث بقوله:: إن خروج تظاهرة من مسجد الشيخ عبد الحي يوسف له معنى كبير، لأنه قد تم بناؤه تحت الإشراف الشخصي للسفاح عمر البشير ومتابعته، مؤكدآ أنه يعلم كل تفاصيل بناء ذلك المسجد، بحكم أنه كان معتمد الخرطوم آنذاك...فأزعج السفاح إلى حد بعيد، خروج تظاهرات من مسجد الشيخ عبد الحي يوسف، ومساجد أخرى عديدة، فدعا من يسمون بالعلماء وعلى رأسهم الشيخ عبد الحي يوسف إلى عشاء فخم ببيت الضيافة، وإتفقوا على أن يكون أمر هذا الإجتماع سرآ، لحاجة في نفوسهم...فأكلوا هنيئآ وشربوا مريئآ على مائدة السفاح البشير، بينما دماء الذين أمر بإطلاق الرصاص عليهم لينة تملأ الشوارع....ولكن الشيخ عبد الحي يوسف، وقع في شر أعماله ففضحته الكارما، إذ أن السفاح البشير لم يلتزم بإتفاق (سرية الإجتماع) حيث أمر تلفزيونه الرسمي، بإذاعة تقرير إخباري مصور عن العشاء، لأنه كان يحتاج لمثل تلك المشاهد، ظنآ منه أن الشباب الثائر سسيكف عن ثورته، بمجرد أن يرى أن من يسمون بالعلماء، يجلسون في شغل فاكهين بمعيته.....فسقط في يدي الشيخ عبد الحي، وإضطر أن ينزل فيديوتيوب يقول فيه: [[إتفقنا أن يكون أمر الإجتماع سرآ، ولكن ما دام قد أذاعوه، فسوف أذكر ما طلبناه من الرئيس في الإجتماع]]... واذا صح أن ما طلبوه، هو ما ذكره في الفيديو، فلا يعقل أن يتفقوا على التكتم عليه، لإنها كلها مطالب إيجابية في مصلحة الشعب.... فالتكتم يكون لأمر مريب يسبب الأضرار لأصحابه حين ذيوعه.


ومع إعتبار كل ما أسلفناه، عن المتغيرات الجيوسياسية بعد سنوات حكم الأخوان الظالم الباطش، وإندحار فكرهم وشعاراتهم، يتعين ألا يغيب عن بال صناع المجد الديسمبري، أن أئمة المساجد كانوا وما يزالوا مع إستثناءات قليلة، الإحتياطي الإستراتيجي لحركة الأخوان المسلمين، التي تنفق عليهم بسخاء منذ ستينات القرن الماضي....كما أن المساجد هي الساحات الرئيسة، للنشاط السياسي للحركة الإسلامية منذ ذلك الزمان، وتعتبر بمثابة دورها....ولذا فإن النظام الإخواني البائد، بنى ألفي مسجد في العاصمة المثلثة [وهذا الرقم ذكره الأخواني السابق ومعتمد الخرطوم السابق، الدكتور يوسف الكودة في أحد فيديوهاته]....أجل ألفي مسجد، في وقت كانت فيه المدارس والمستشفيات. مهدمة ومازالت....لا مدارس صالحة للدراسة، ولا مستشفيات فيها علاج.....وفي وقت كانت فيه العديد من أحياء العاصمة تعاني العطش، لعدم تجديد منظومة إمدادات المياه وتوسيعها، حيث ظلت كما هي منذ سبعينات القرن الماضي ....فهل عرفتم لماذا إنتفض الشيخ عبد الحي يوسف، ليهئ المسرح للذين بنوا بإسمه ذلك المسجد الفخم، المعروف بـ(مسجد عبد الحي يوسف) بحي جبرة بالخرطوم، مع مخصصات مالية كبيرة.

أحمد القاضي
كنــدا
ووترلو
الأربعاء 24 أبريل 2019 م.





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 1703

خدمات المحتوى


أحمد القاضي
أحمد القاضي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة