تأثيرات سياسات الداخل علي سياسة خارجية رشيدة وذات جدوي للسودان
04-25-2019 06:38 PM
نشير الي تأثيرات ومحددات الراهن الداخلي في العهد الجديد علي شأن السياسة الخارجية رشدها وفاعليتها وموجباتها. ذلك أننا نلحظ في ساحة العمل والفعل الخارجي تبادلية جدلية وتاثيرات تبادلية وطردية علي الدوام وفي حالات جميع الدول خاصة الشبيهة بأوضاعنا، مع التأكيد علي بعض الخصوصية وفقا لظروف وأولويات الخيار الوطني لدولة مثل السودان وما تشرب ورسخ في ضميره وشعوره الجمعي من تاريخ وهوية وموروث ومعتقد.
ما من ريب أن سياسة خارجية راشدة وذات جدوي للبلاد، تستوجب مطلوبات داخلية راشدة ومحكمة تمثل دافعا ومحفزا لما نرجوه من سياسات خارجية معتدلة ومتوازنة وغير مصادمة. نريد لها أن تكون سياسة ذات مبادئ ومثل وذات مردود إيجابي لهذا الوطن وأهله.
من هنا نمضي لنطرح مفهوما محدثا ترسخ علي الأقل في أفكار بعض الباحثين الغربيين من أمثال الباحث ريتشارد هاس الذي يشير الي أن السياسة الخارجية، للدول، تبدأ من الداخل. وأراني أتبع منساقا وراء هذا الطرح علي أصالته في ما أزعم. وعلي ما أطرحه من محددات راسخة في مدارس العلاقات الدولية، أو أكثرها تأثيرا، فإن الواقع الثوري المفضي الي نظام جديد في البلاد، قد أخذ ومن الآن يتلمس بل و يتنكب مسارات هي الواقعية بعينها بل الواقعية الجديدة وتوجهات من السياسة الليبرالية الجديدة التي يفهم منها تعظيم المردود المصلحي القومي للدولة وأهلها وحواضنها السلوكية الديمقراطية والتنموية المستدامة من أجل الرفاه والتقدم والرقي. ولا أغالي إذ أقول أننا سائرون بخطي واثقة علي هذا الطريق. وهكذا فسوف تتأثر سياستنا الخارجية بفعل الداخل الحي. واتساقا وتأكيدا لجدلية العلاقة الوطيدة و الحميمة بين سياسات الداخل والخارج.
إن النظام السياسي الجديد في السودان وما يطرحه من رؤي خلاقة وفعل رائد وتحد أكيد لاستئصال شأفة الفساد والإفساد ومعالجة المشكلات والتحديات وإفرازات الحروب جميعها إضافة لمعالجة القصور والتردي في التعليم والبيئة والصحة والإقتصاد وغيرها، سوف يجد صداه في سياسة خارجية تعانق بقوة ومضاء كل ما يتحقق من إنجاز علي ساحة السياسة الداخلية بمطلوباتها ومحدداتها كافة.
إنه وفي إطار دبلوماسية فاعلة ومنفعلة بالحدث وهموم وشواغل الداخل، خاصة ما يطرح الآن بقوة من مطالب لإسترداد أموال السودان الطائلة التي تم تجنيبها من بعض رموز النظام البائد من الفاسدين والتي تفرقت أيدي سبأ في بلاد العالم المختلفة ومصارفها، فإنه يتوجب لزاما علي البعثات الدبلوماسية للسودان وخاصة في الدول المعنية والتي كثر وفاض الحديث حولها، أن تعمل علي المساهمة في إسترداد تلك الأموال كاملة غير منقوصة لصالح هذا الشعب الأبي الذي كابد ما كابد نتيجة لتبديد امواله وثرواته. الي ذلك، ولما تعانيه البلاد من أزمة إقتصادية خانقة، فيتوجب إعطاء أولوية قصوي للتعاطي الدبلوماسي مع المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية سعيا لإعفاء الديون وإستعادة المخصصات المالية الكبيرة التي حجبت عن البلاد نتيجة السياسات غير الرشيدة التي ظل يتبعها النظام السابق في عناد ومكابرة وصدام دائم مع المجتمع الدولي.
إن الأموال المحجوبة عن السودان والتي كانت تقدم للدول الأشد فقرا LDCs كذلك المبادرات الدولية الخاصة بإعفاء الديون إضافة لحقوق السودان المالية وبمئات ملايين الدولارات الكائنة في إطار اتفاقيات لومي وكوتونو لبرامج الشراكة الاوروبية مع دول منظومة ال ACP للدول الافريقية والكاريبية والباسيفيكية وغيرها من المبادرات، لسوف تجد في تقديرنا وبقليل من الجهد الدبلوماسي، مكانة ومعالجات صائبة لإسترجاع حقوقنا كافة في ضوء ما نستشرفه من سياسات رشيدة وحكيمة لهذا العهد الجديد.
وقد أسعدنا كثيرا بالمبادرة والسعي مع الولايات المتحدة الأمريكية للإتفاق معهم علي خطوات واضحة وعملية لإزالة إسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. ويمثل ذلك هدفا ساميا في ظل المتغيرات السياسية الكبيرة التي تنتظم البلاد، لكي نتمكن من تجاوز القيود المالية الدولية التي أقعدت بإقتصادنا طيلة الفترة السابقة. نرنو ونتطلع الي عهد من الإنفتاح الإقتصادي والإستثماري مع دول العالم قاطبة والتحرر الكامل من إسار القيود والعقوبات التي كانت قد أخذت صورا وأشكالا متعددة. إن تبني سياسة خارجية حكيمة ومعتدلة ومتصالحة مع المجتمع الدولي، سوف تعمل علي وضع بلادنا في مكانة سامية بين الأمم ونعمل بلا تهاون لإثبات أحقيتنا لتلك المكانة.
إن ما نعايشه الآن من نهج ومناخ سياسي حر وبما فيه من تدافع صحي وحي، ليحملنا علي تأكيد تأثيرات الداخل علي الخارج من سياسات ورؤي خلاقة متجددة. إن ما يسعي اليه العهد الجديد ويعمل من أطروحات ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة لتحقيق تطلعات شعبنا، والتي تحمل ألوية وأهداف إنجاز التقدم والعدالة والسلام، لتستوجب في نظري سياسة خارجية مفارقة لما مضي، تمثل بالضرورة إنعكاسا صادقا لتحولات الداخل العظيمة.
وهكذا نعمل ما وسعتنا الحيلة لتحرير دبلوماسية العهد الجديد من الأطر المفاهيمية الضيقة ومن مجاهدات الدفاع عن الصراع الدائم والحروب التي أهلكت الزرع والضرع وأفضت الي ما أفضت اليه من دمار شامل وكارثي. نعمل من خلال أطروحات الداخل المستجدة الراشدة علي التبصير والمجادلة الحسنة والمقارعة بالحجة المقنعة المفحمة لنؤكد للجميع أننا شعب ذو إرادة وعزم ومضاء وأن قد خرجنا من وهدة سياسات أقعدتنا وأهاجت العالم من حولنا.
الآن وقد هدأت الثائرة وسكن الروع، فسوف نمضي بخطي ثابتة لنؤكد للعالم أجمع أننا صرنا في قلب الديمقراطيات اتباعا أمينا لما يؤكدونه من أن الدول الديمقراطية لا تحارب بعضها وفقا لأدبيات النظرية الليبرالية الحديثة. بل ونزيد علي ذلك بأننا وعلي ذات النسق لن نحارب مواطنينا مطلقا.
مع تأكيدنا علي سياسات التعاون الإقليمي خاصة مع الدول الشقيقة والصديقة في محيطنا العربي والأفريقي، فمن المهم أن نربأ بأنفسنا عن إتباع سياسة الأحلاف الضيقة، بل نتعامل بسياسة خارجية متوازنة ترتكز علي الندية وتعظيم المصلحة القومية بل والمصالح المشتركة مع الجميع. هكذا نعمل بحكمة لكي لا نذل أو نخضع ونخنع لأحد ونتبع سياسة مستقلة راشدة ذات مثل ومبادئ وتدبير.
لن تكون دبلوماسية فاعلة ونشطة لدولة فقيرة، كما كان يشاع في السابق إعتباطا، بل نريدها دبلوماسية الفعل والإعجاز لدولة قوية مقتدرة وعزيزة بشعبها وإمكانياتها الطبيعية ومواردها البشرية الوفيرة الرائدة.
السفير محمد عيسي إسماعيل دهب – كييف
الخامس والعشرين من أبريل - 2019
|
خدمات المحتوى
|
محمد عيسي إسماعيل دهب
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|