شيوخ الدين ..والإنفصال بين العقيدة والسلوك
04-27-2019 10:56 AM
في نهاية سبعينيات القرن الماضي وبحكم عمل الوالد كنا نقيم في مدينة الرهد (أبو دكنة) وكان قبل إلتحاقي بالمدرسة وكانت والدتي رحمها الله تأخدني معها وجاراتها في الحي لدروس دينية كان يقدمها للنساء شيخ جليل أزهري لم يتخل عن زيه الأزهري وربط عمامته وصوته الجهوري كان إسمه العالم (تكرور أو دكرور) وكنا نحن الأطفال الذين يأتون مع والداتهم وأخواتهم لحضور الدرس نحبه وكان يستقبلنا بحفاوة وكان يوزع علينا الحلوى ولم يكن وارداً إطلاقاً أن يأخذ الشيخ العالم (تكرور) أجراً عن هذا الجهد بل كان جل ما يطلبه هو الدعاء له ولأسرته . وكان يعمل معلم تربية إسلامية في المدرسة الثانوية العامة على ما أذكر وبنفس المستوى كان يقدم دروساً للرجال في المسجد الكبير بالسوق . رحم الله الشيخ إن كان توفاه الله وإن كان عائشاً وإنقطعت صلتي بهذه المدينة العظيمة
وكنت أرى ان الشيخ عالم دين حقيقي وشخصية عظيمة فكنا في المدينة لصغرها يعرفون بعضهم بعضا وكما نحترم الطبيب والقاضي وضابط الشرطة كنا نحترمه فكانت هيبته محفوظة ومكانته لا ينازعه فيها أحد
لكن هذا الزمان قد ولى وتغيرت الدنيا أو تغير السودان وظهر جيل من الدعاة الجدد مختلفين كليا في كل شي والكثير منهم لم يكن خريج دراسات شرعية دينية ونجحوا في إقناع الناس ليس بسبب تبحرهم في العلم أو في الدين وإنما بسبب أناقتهم وطريقة كلامهم اللبغ . ويأخذونا ملايين الجنيهات من دروسهم في القنوات وأصبحت شركات الدعاية تتسابق في رعايتها لمثل هذه البرامج وكان الأجر يحدد على حسب الشركات الراعية .
وإغتنى الكثير منهم وأثروا ثراءا فاحشاً وإمتلكوا قنوات فضائية ويدفعون للقمر الصناعي في اليوم ألاف الدولارات من أين لهم هذه الأموال الضخمة ؟ هنالك جهات حكومية تقوم بتمويل هؤلاء الشيوخ بما أنهم مصدر الثقافة الدينية لملايين السودانيين وخاصة الشباب بالتالى يلعبون دورا حاسما فى تشكيل الوعى العام وقاموا بالمهمة المؤكل اليهم خير قيام وهي تشويش الوعي للناس وأن سبب الأزمة إما ابتلاء من الله يجب عليه أن يتحمله بلا تذمر أو اعتراض، وإما عقاب إلهى هو يستحقه على ذنوب ارتكبها وكان يعفى النظام السياسى من أى مسئولية عن أفعاله وإن الاسلام في خطر وان الدين هو الحل لمشاكل الأمة وشغلوا الناس بقشور الدين وتركوا جوهر الدين الحرية والعدالة . وأثروا من هذه المهمة المقدسة وبنوا العمائر وتزوجوا ثلاث ورباع نحن نتمنى للناس جميعا، طبعا، أن ينعموا بالثراء ومتعة الحياة وهؤلاء (الشيوخ) الأثرياء يحدثون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عاش فقيرا ومات فقيرا، وقالوا لنا أن الصحابة رضى الله عنهم لم يتكسبوا قط من الدعوة الإسلامية بل كانوا ينفقون عليها وكانوا يأكلون ورق الشجر في سبيل توصيل الدعوة الى الله والتاريخ الإسلامى يدلنا على أن الدعوة الى الله لم تكن قط وسيلة لصناعة الثروات.. فما هذا التناقض ؟
هذا التناقض أو الإنفصال التام بين العقيدة والسلوك أصبح حالة مرضية منتشرة في السودان تجدها عند التاجر وعند المدير والوزير والطبيب وأساتذة جامعات يزورون نتيجة الإمتحانات للإبتزاز والقضاة وهل في أكتر من أعضاء حزب المؤتمر الوطني في أدائهم لمناسك الحج والعمرة ؟وهل في أكثرهم فسادا؟ والمقاولون الذين يغشون في المواد في صناعة الطرق ويموت سنويا ألاف الناس بسببه والطلبة الذين يغشون في الامتحانات ورجال الامن البعذبوا الناس حتى الموت والذين يداهمون البيوت الآمنة كل هؤلاء أو معظمهم مسلمون يمارسون عباداتهم بكل إتقان لكنهم يقتصرونها على المظهر كاللحى وعلامة الصلاة وفي العبادة صوم الأيام البيض وصلاة الفجر في جماعة دون الأخذ في الإعتبار السلوك والمعاملات . كل هذه التشوهات السلوكية مسؤولية هؤلاء الشيوخ
وإن معظم هؤلاء من الشيوخ والمتديين من القراءة السلفية التي تجعل الناس أكثر قبولاً للظلم والإستبداد لأنه يحرم عليهم الخروج على الحاكم , ولولا تمرد الناس على هذه المفاهيم لجثم هذا الظلم والاستبداد على صدورنا عشرات السنيين أخرى ولا أبالغ لنصب الدكتاتور ملكاً علينا . وهؤلاء الدعاة لعبوا دورا أساسيا فى تأخير التغيير والثورة .ولم تقم هذه الثورة الا بعد الوعي وتمرد الناس على أفكار هؤلاء المشايخ
وعندما يدعوا هؤلاء الشيوخ للخروج في مسيرة مليونية لنصرة الدين لأنه في خطر هم على قناعة ان الدين لا يحتاج للنصرة من أحد وأنه ليس في خطر والشعب السوداني متدين بطبعه وحكمه الإنجليز (النصارى) سنيين فلم يزعزع ذلك في دينهم وايمانهم شيئا وإنما خروجهم وغضبهم هو ضد الوعي الذي سيسحب البساط من تحت أرجلهم والتكسب بإسم الدين .ولكن إطمئنوا يستحيل على من تملك وعي الثورة ضد التخلف أن يتركها أو يتخلى عنها أو يثور ضدها .
|
خدمات المحتوى
|
ياسر عبد الكريم
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|