المقالات
السياسة
مرافعــــــة لأجل الوطن
مرافعــــــة لأجل الوطن
04-28-2019 01:57 PM


د عبدالرحيم عبدالحليم محمد


عندما خرجت قبل شهر ونصف من الوطن الغالي ، كانت بدايات المشهد الجبار تتشكل. الشابات من أبناء وبنات الوطن كصواعق منثورة على الطرقات تهدر في الشوارع كالسيول حارات وشوارع وأزقة المدن تنتظمها مواكب كان حجمها يتنامى كل يوم وبتقدير وتنظيم مدهش لم تفلح القوى الامنية رغم جبروتها وتعطشها للقتل وسفك الدماء من فهم تكتيك وخطط ادارة التغيير.ولأنني أتهم نفسي بالقدرة على قراءة أسطر القلب عبر الوجه، كانت السمات العامة لوجوه العابرين في المطار وأنا أشق طريقي عبر كتل المسافين ، كسمات غيمة هائلة التمدد تنتظر ريحا عاتية لتمطر حيث شاءت ارادة الشعب فيأتي خراجها لهذه الأمة التي ظلت ولثلاثة عقود ممسكة بحبل الصبر ، آملة أن تتفجر ينابيع خيرات هذا الوطن ذات يوم فتغيث الجائع وتعيد اللاجيء والمغترب وتجبر كسرا ابتدرته أيادي لا تعرف غير فن الاستثمار الخاسر في الزمن وقطارات الأمم وأمنياتها في التنمية والعيش الكريم تنطلق من حولنا ليكون جزاؤنا نحن و اصطبارنا الطويل ، غازا سفيها وقتلا وتنكيلا واقفين على حقيقة أمنياتنا وانتظارنا لثلاثة عقود ماءا قراحا يتسرب من بين أناملنا واضاعة لعمر جيل كامل كان يحلم بوطن تحكمه العصفورة لا الطلقة..
2
روائح الثورات في وطننا دائما تتشكل من الصبر الجميل الذي تعقبه غضبة المارد. صبر شعبنا على حكم النميري وانتظر لستة عشر عاما بلا تنمية أو رفاء كما انتظر الانقاذ لثلاثين عاما. ستة واربعون عاما اذن هي عمر الصبر الجميل التي هي بلا شك خصما على جيل كامل كادت أمنياته في التنمية والعيش الكريم أن تذهب أدراج الرياح. مشكلة أنظمة الحكم في بلادنا فقدان البوصلة فقد قرر النميري أن يطعم الشعب شريعة شائهة بدون قوت يقيم الأود مثلما قرر البشير أن يطعم الشعب صبرا مرا بلا قوت أو نقود أو ملمح ضوء. نسي النميري دماء أبناء الوطن الشرفاء التي سالت في عهده إما دفاعا عنه أو مناوئة لحكمه ، مثلما تناسى البشير دماء من ارتحلوا في الاحراش منافحين عن فكرة الإنقاذ أو من هبوا أو تظاهروا ضده لتسيل دماؤهم الزكية على تراب الوطن.
3
فقدان البوصلة درس يجب الا ينساه الذين يدبجون قوائم الاستوزار الآن في مجلس التغيير أو يتوافدون على الوطن من مدن بعيدة بين خطوط الطول والعرض للظفر بمنصب. يؤلم المرء أن يلاحظ ودماء من راحوا لا زالت على الطرقات، أن يرى تركيزا محموما على المقعد السياسي بدلا من التركيز على أدبيات للحكم والادارة تعصم الوطن من اخفاقات ومرارات الماضي . هناك من يلعب دور الحكم والمفتي في تحديد أن ذلك مؤهل وذلك عاجز ، بناء على على الانطباعات وربما العلاقات الشخصية أو الافتراضات..
• كثيرون نصبوا أنفسهم عبر الأسافير أنبياء حكمة وارشاد ونصح فذاك كهل كان عند قيام الإنقاذ متحدثا على رأس شعبة برلمانية تسافر متحدثة ومنافحة عن الانقاذ وهي في أوج عنفها وقهرها بأنها خير نظام سعت به قدم يطل عبر الاسافير ناصحا كدأبه في البحث عن موقع ناصية يعصمه من الماء!! نسي الكهل كيف احتفى به الوالي الانقاذي يوما وهو الذي خرج ذات يوم مغاضبا لأن الإنقاذ لم تعينه في موقع ناصية بالخارج جزاء وفاقا لدعمه لها تحت قبة برلمانها ذات يوم وبعد ذلك ، كان الكهل طافحا في الأسافير مبشرا بقطع رأس الحية التي كان يوما أحد أسنانها السامة.
• وزير ساهم في شق حزبه واستوزر لأن لبى ذلك الطلب .ويسعى منذ مدة للبروز من جديد من بين ركام حزبه وضبابيات المشاهد السياسية وتصوره أن ذاكرة هذه الأمة ضعيفة وأن شعبنا قد ألهته المحن عن التفريق بين الصالح والطالح.
• وذاك شاب في حزب طائفي مستوزر ينافح بتقعر تسطح على التلفزيون عن حكمة حزبه الطائفي في مشاركة سلطة القمع والارهاب. ينسى هؤلاء وأؤلئك ، أنهم بصدد شعب ذكي وزكي ، لا تلهيه مرارارته وأحزانه عن ادراك أن زبد المزايدين يذهب جفاء ويمكث في عالم الاخلاص للوطن ما ينفع الوطن،.
أمثلة كثيرة لن يستعصي كشفها والجامها والقامها حجرا عند الحديث عن الوطن القادم من وسط الركام وقيم التنمية والرخاء التي يجب أن تحكم سلوك وسياسات القائمين على أمره.
4
ليست من مشاغل أو أمنيات أى وطني غيور أن سيتوزِر أو يُستوزر، بل أن من أولويات الغيورين ألا تمنح الوزارات أسماؤها بدون مجمل النظر للأهداف الوطنية العامة للتنمية بحيث يكون مسمى الوزارة أنعكاسا لهدف ما من أهداف التنمية. في الحكم الماضي ، شهدنا كيانات متوازية يصارع بعضها بعضا فبينما هناك وزارة للخارجية بها ادارة كاملة للتعاون الدولي ، هناك أيضا وزارة للتعاون الدولي ...وزارة للاستثمار ووزارة للاقتصاد...وهكذا فهياكل متناطحة لا متصالحة أو متناصحة ، جيوش من الوزراء ووزراء الدولة ومنظمي المواكب والهتافات وولاة كاملي الدسم يهزون بعصيهم اللامعة على غنم أحزاننا وأمنياتنا التي شاخت!!
تلك الهياكل الراجمة الواجمة ، كانت غافلة عما ينتظم العالم من ثورة في الادارة ووسائل إعادة ابتكار الحوكمة ومتابعة السياسات العامة عبر أجهزة رقابة حقيقية لها القدرة على تقويم المسار بدلاء من محاولة حصار النيران بعد اندلاع الحرائق. شهدنا اقامة دورات مدرسية مليارية بينما فصول الدراسة في العديد من أرجاء الوطن إما عشش بائسة أو مباني متهالكة تنهار على رءوس الصغار. لذلك فإن تسمية الوزارات يجب أن يتم قبل تسمية الأشخاص بعد أن يسأل الناس أنفسهم عن اوجه الخراب الذي حل وما أعظمه وإلى ماذا تحتاج فترة إعادة الذات الهيكلية لمرافق الدولة وفق مؤشرات مدروسة تشكل برنامجا وطنيا لكي تقف البلاد على رجليها مستعينة بعد الله تعالى وجهود الأصدقاء في الأسرة الدولية. أخطاء وظلمات وظلامات الماضي ، يجب أن تكون هي المؤشرات لاصلاح جهاز الدولة وإيجاد أفضل مواءمة ممكنة بين ما يمكن عمله ومن سيقوم بهذا العمل ما دمنا نتحدث عن كفاءات إما قادمة من بعيد أو هي داخل الوطن ولكن طمرتها رياح المحاصصات والولاءات والأمزجة.
وبعد فهذه مرافعات لأجل الوطن ، آملين أن نوفق في مقبل الأيام في الاسهام ولو بذرة صدق تجاه ما يعتري ساحتنا اليوم نحو تحقيق ما كان يردده الأزهري وصحبه الميامين في سبيل أن يظل هذا الشعب العظيم الصبور قوة معنوية تقود العالم إلى طيق الخير والرفاهية ويلعب فيه دورا أخلاقيا يتناسب مع تاريخنا وحضارتا وتراثنا الثقافي والأخلاقي.

[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 309

خدمات المحتوى


د عبدالرحيم عبدالحليم محمد
د عبدالرحيم عبدالحليم محمد

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة