المقالات
السياسة
ميدان القيادة العامة والهايد بارك
ميدان القيادة العامة والهايد بارك
04-30-2019 09:19 AM

تسمية ميدان القيادة العامة "بهايد بارك السودان"
لو قيض الله للكيزان إستشراف ما سيحدث بميدان القيادة العامة صبيحة السادس من أبريل لإستبقنا مافيا الفساد وباع الميدان إسوة بالميادين الأخرى التى إختفت تحت غابات الأسمنت منذ عهد والى الخرطوم بدرالدين طه ومروراً "بالشهيد" مجذوب خليفة والمتعافى و"المتحلل" عبدالرحمن الخضر وليس إنتهاء بعبدالرحيم حسين.
الشاهد أن الفضائيات ووسائل الإعلام قاطبة لم تجمع على حدث مثلما أجمعت على وصف ميدان القيادة كأكبر ساحة إعتصام ضد الإستبداد فى تاريخ البشرية ، متفوقة على ميدان تيانامن الصينى حيث إعتصم فى عام 1989 زهاء مليون صينى يطالبون بالإصلاح الديمراطى.
خلافاً للحراك الصينى الذى أجهض نتيجة وحشية النظام الذى فتح نيران مدرعاته على الحشود ومرت الدبابات فوق عظام الطلاب، فإن الحراك السودانى وبفضل سلميته ووعيه وربما السياق الزمانى، تمكن من إستمالة المؤسسة العسكرية التى إنحازت فى اللحظة الحاسمة لجانب الشعب.
كانت المفاجئة فى السقوط السهل والسريع لنظام ظل ينفق لقرابة ثلاث عقود أكثر من 70% من ميزانية الدولة فى بناء منظومة أمنيه إنهارت فى أقل من خمسة شهور أمام شباب وفتيات لم تتجاوز أكبرهن سناً الأربعين.
بعد الإسقاط والسقوط – كيفما يكون - دخلنا فى نفق الإنتقال من أفق الثورة الى مرحلة بناء دولة على أسس مختلفة حيث تجرى حالياً المفاوضات الخاصة بالترتيبات اللازمة لتأسيس الهياكل التى تضطلع بمهام إنفاذ برامج الثورة خلال المرحلة الإنتقالية طبقاً لما جاءت فى مواثيق قوى الحرية والتغيير.
نتفهم إشفاق البعض وتخوف البعض الآخر من المآلات النهائية لهذه الثورة والمفتوحة على كل الإحتمالات، إلا أننى شخصياً أؤمن بأن التاريخ سوف يسير فى نهاية المطاف نحو الطريق الذى خرج وضحى من أجله هذا الشعب وستظل ثورتنا ملهمة للكثير من شعوب العالم التى تتوق نحو الحرية والكرامة.
ربما من المبكر إستكناه الدروس والعبر المستفادة من هذه التجربة التى ما زالت فى طور التشكل، رغم ذلك يمكننا – وبإختصار – رصد خمس عبر:
أولا: أكدت الثورة إستحالة تمكين الإستبداد والطغيان والفساد سواء بتوظيف الخطاب الدينى أو بناء الأجهزة الأمنية مهما بلغت وحشية هذه الأجهزة. الوعى الدينى للشعب السودانى متقدم على خطاب الحركة الإسلامية، وإرادته أقوى من هذه الإجهزة، لذا تعذر كسر كرامته وعزته وكبرياءه طوال هذه السنين. الرسالة أذن، على كل القوى الظلامية والطغاة التفكير جيدأ قبل الإقدام على مغامرات إنقلابية أخرى.
ثانياً: قدمت الحركة الإسلامية السودانية أسوا وأقبح نظام حكم وطنى فى تاريخ السودان، أذ أجرمت فى حق الإسلام قبل الوطن والمواطن. بناء على هذه التجربة فإن فرص عودة الأسلام السياسى للمشهد السودانى فى المستقبل القريب تبدو ضعيفة إن لم تكن معدومة إلا إذا قام الإسلاميون بمراجعات فكرية عميقة وجريئة لجهة تأصيل الفكر وتصحيح المنهج وتجويد الممارسة بجانب محاكمة صادقة وشفافة لمجمل تجربتهم.، عندئذ يمكن للشعب السودانى إعادة تقيمهم حتى لا يلدغ مرة أخرى.
ثالثاً : مارسنا العنف الجهادى خمسة عشر عاماً فخسرنا الجنوب ومارسنا العنف الجهوى والأثنى فلم نحرر قرية واحدة فى دارفور طوال عشرة أعوام، ولكن بالسلمية حررنا السودان من بورتسودان الى الجنينة فى أربعة أشهر فقط. العنف لا يسقط العسكر لأنه ببساطة هو السلاح الذى يجيدونه. ما يخشاه العسكر هو سلاح السلمية وقد إنهزموا أمام هذا السلاح ثلاث مرات، إذن لنخرج العنف من المعادلة ونراهن على السلمية ونقوم بتدريسها للأجيال القادمة كعلامة فارقة مسجلة باسم الشعب السودانى.

رابعاً: المحاصصة على طريقة الكتاب الأسود تقود الى التشرذم ولكن التركيز فى هذه المرحلة على بناء توافق وطنى واسع حول البرامج والأهداف والغايات دون النظر فى الإنتماءات المناطقية للأشخاص هو أكبر ضمان لنجاح وإستمرر الثورة.
خامساً الإقصاء يقود الى الإقصاء، فلو أن الحركة الإسلامية لم تنفرد بالحكم عبر إنقلاب عسكرى وتمكن نفسها وتقصى كل الكيانات السياسة الأخرى، لما هتفت وطالبت الحشود بحظر المؤتمر الوطنى أو التهجم على مقر توأمه المؤتمر الشعبى بصالة قرطبة. رغم ذلك فأن السواد الأعظم من الثوار لا يؤيدون الإقصاء ولكنهم يطالبون بالمحاسبة وعدم الإفلات من مسئوليتهم عما حدث طوال العقود الثلاث.
سادسا: الحرية تولد الإبداع بينما الخوف يقتل الموهبة. كل من تابع ما يجرى فى الميدان أو شاهد الشوراع التى حوله تملكه الدهشة والذهول من حجم الإبداع الفنى والغنائى والتشكيلى والشعرى والموسيقى والخطابى والمواهب التى تفجرت وتدفقت فى الميدان خلال الإسابيع الثلاث الماضية علماً بأن الإنقاذ لم يتمكن من تقديم ربع هذه المواهب والمبدعين طوال فترة حكمه.
سادسا: تكريماً للشهداء وأعجاباً بهؤلاء الشباب وتخليداً لهذه الثورة أقترح تحويل ميدان القيادة العامة الى "هايد بارك" السودان على غرار الميدان اللندنى الشهير.
تتعدد الدروس وتتمدد مع مرور الإيام، أذ نستخلص فى كل يوم عبراً جديدة، فالإنتقال من نظام شمولى الى آخر ديمقراطى ليس أمراً سهلاً. بالطبع هناك العديد من التحديات والمخاوف والأسئلة المتعلقة بشأن المستقبل ولكن ثقتنا فى الفعل الثورى أكبر من تنهزم أمام اى ثورة مضادة.

عبدالرحمن حسين دوسة
محام ومستشار قانونى





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 460

خدمات المحتوى


عبد الرحمن حسين دوسة
عبد الرحمن حسين دوسة

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة