أصح يا تجمع المهنيين
05-01-2019 07:10 AM
هاشم الخليفة عثمان
.
كلمة (مهنيين) ترتبط ارتباط وثيق بالخدمة المدنية، فيما ترتبط كلمة أحزاب دائما ب(السياسة وكراسي السلطة) ... ومن وجهة نظر خدمة مدنية، السبب الأساسي لفساد نظام الانقاذ هو تدهور وانهيار الخدمة المدنية في السودان ... كل مظان الفساد والظلم والحروب وغيرها من الكوارث، سببه الأساسي هو غياب المؤسسية في الخدمة المدنية لمدة 30 عاما ... وانعكس ذلك على سياسة الدولة الخارجية التي قادت لعزلتها ... ولا يتوقع أصلا من أي جهة وصلت إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري أن تحافظ على مؤسسية العمل في الخدمة المدنية.
فاجتثاث نظام الإنقاذ يتم من مكان واحد ... هو السيطرة العاجلة والتامة على مفاصل الخدمة المدنية المندرجة أصلا تحت الوزارات المختلفة ... لكن ... نظام الانقاذ ما زال ممسكا باتخاذ القرار في كافة مستويات الخدمة المدنية في داخل وخارج السودان ... لم تسقط الانقاذ بعد ... حل مجلس الوزراء والبرلمان أو اعتقال بعض رموز المؤتمر الوطني، يعتبر فعل ثوري لكنه غير مكتمل ... يكتمل الفعل الثوري بعد أن تسيطر الثورة على الخدمة المدنية وعبرها يتضح حجم الفساد والمخالفات في المؤسسات المختلفة ثم يسير العمل فيها عبر ثلاث محاور رئيسية وهي: 1. التعرف على حجم المخالفات والإجراءات المحاسبية 2. وقف التدهور 3. وضع لبنات للعمل المؤسسي.
ومنذ إعلان تنحي البشير ... تبرع المفاوضون باسم الثورة، بترك فراغ لمنسوبي الإنقاذ في الخدمة المدنية لترتيب أوضاعهم في هدوء تام دون مراقبة أحد ... وما حدث منهم من مخالفات سابقة في المؤسسات المختلفة يمكن طمس مستنداته بطرق مختلفة وبعدها يتم تدوين بلاغات ضد مجهول.
كنت أظن أن تجمع المهنيين، بوعيه المهني وبشرعيته الثورية، سيقوم بتسليم قائمة اسماء رئيس وأعضاء مجلس الوزراء مباشرة للفريق أبنعوف عقب إعلانه تنحي البشير ... يلي ذلك تسليم قائمة ولاة ووزراء حكومات الولايات واسماء عضوية البرلمان والأجهزة العدلية العليا ... وبهذه الاجراءات تكون الثورة قد تقدمت خطوات للأمام طالما تمت سيطرتها على عملية اتخاذ القرار في كافة مؤسسات البلاد ... لكن توقف المد الثوري في انتظار تنحي أبنعوف باعتباره امتدادا للبشير ... ويتوقف الآن لأن الفريق برهان امتداد لأبنعوف ... وبالسقوط الثالث سيأتي امتداد جديد لبرهان ... فهل هذا هو التفكير الثوري لاستلام السلطة يا تجمع المهنيين؟ ما الذي يريد أن يفعله تجمع المهنيين بالضبط؟ هل ضاع عليه رأس الخيط؟ هل يريد اسقاط كل امتدادات البشير في الجيش؟ أين حكومة تجمع المهنيين المقترحة قبل أربعة أشهر؟ ... 20 يوم تمر ... والانقاذ ما زالت مسيطرة على مؤسسات الدولة ... والأولويات مضطربة عند تجمع المهنيين ... فمالذي يكمن وراء ذلك؟
لا شك أن تجمع المهنيين على دراية تامة بما تم ذكره عن السيطرة العاجلة على مفاصل الخدمة المدنية ... لكن سبب الانحراف عن ذلك هو دخول الأحزاب في التفاوض من وجهة نظرها السياسية ولتحقيق أهدافها الباطنية ... 20 يوم تمر ... ولم نسمع شيئا من مخرجات التفاوض غير أوصاف (المجلس العسكري) ... عسكري، سيادي، مدني، قومي، انقاذي، جندري، كيزاني، زوجي، فردي، مناصفة ... ألخ ... ويصاحب ذلك مؤتمرات صحفية وخطب ولقاءات على الأثير ..... والمفاوضات تراوح مكانها في محطة المجلس العسكري .... بكل أسف لم تُظهر أحزاب التفاوض أية حنكة سياسية أو مهارة تفاوض أو رؤية واضحة تتجاوز بها هذه المحطة ... واكتفت بابتكار اسلوب نفسي لتخويف الناس من المجلس العسكري على شاكلة ( الجماعة مسجونين في بيوتهم ... دي تمثيلية ... المجلس العسكري لم يقبض على المجرمين .... قوش يدير العمل من منازلهم) متناسين أن كل ذلك من واجبات حكومة الثورة ... ففساد مشروع الجزيرة من عمل وزارة الزراعة الجديدة ... الشركات الوهمية من عمل المسجل التجاري الجديد وهكذا ... ولكن لا تلام الأحزاب على ذلك طالما كان بعضها معطلا عن العمل لأكثر من ربع قرن حتى شاخ قادتها ... وبعضها أحزاب تكونت في حضن الإنقاذ ... وأحزاب بدون عضوية معلومة ... أو حزب المرأة الواحدة وحزب الرجل الواحد.
ومن أهم ما يُفهم في هذه الثورة ... أن تجمع المهنيين هو الجهة التي التف حولها الناس وأدارت كل الحراك منذ بدايته وحتى الآن ... كما أن هناك أحزاب التصقت بتجمع المهنيين لأجل اسقاط الحكومة، والحكومة سقطت ... والآن هذه مرحلة جديدة ... وهناك اتفاق عام أو اجماع على تشكيل الحكومة في مستوياتها المختلفة من الكفاءات غير الحزبية ... لأجل ذلك ... فلتترك الأحزاب مهمة تشكيل الحكومة لتجمع المهنيين طالما التشكيل لا يخضع لمحاصصات الأحزاب ... وعلى تجمع المهنيين بما له من شرعية ثورية مفهومة للجميع، كسب الوقت والشروع الفوري في تحقيق مكاسب على أرض الثورة ... فليترك الأمر الخلافي الآن ويبتديء عاجلا بتشكيل مجلس الوزراء وحكومات الولايات والبرلمان ليسيطر على المجريات ... فهذه الأجهزة ستزيد التجمع قوة لأنها تتكون من 1000 شخص أو تزيد ... إضافة إلى قوة الثوار المتواصلة على الأرض ... أما المجلس العسكري (السيادة) الذي تم فيه اهدار الوقت ... فالمطلوب أولا هو وصفه الوظيفي ... فلا شك أنه سوف لا يمارس العمل التنفيذي كمجلس الوزراء ... ولا العمل التشريعي كالبرلمان ... ولا القضاء كالأجهزة العدلية ... ومهما يكن ... سيتناوب أعضاء مجلس السيادة في صالة كبار الزوار لاستقبال الرؤساء الزائرين أو في القصر لاعتماد السفراء ووداعهم وغير ذلك من الأعمال التشريفية ... ومن يظن أن المجلس العسكري سيباشر مهام البشير، فهذا نوع من التوهم ... فالمجلس العسكري يرى بأم عينيه كيف يتم الحراك ... وإن كان في هذا العمل السيادي التشريفي ارضاءا للعسكريين، فما المانع من أن ينالوا هذا الشرف في الفترة الإنتقالية؟ ... فالمفاوضات لا تتم بالأوهام الضعيفة على شاكلة (يمكن ما يفكوا الحكومة) ... هذا التفكير لا يعتد به ... العسكر على علم بموجهات الاتحادين الإفريقي والأوربي ولكن الأكثر أهمية هو إدراكهم أن الشعب السوداني يمكن أن يتنادى في أي وقت لحماية مكتسباته ... ولا يقل أهمية عن ذلك أن تتوفر لدينا نحن الثوار ... الثقة والقناعة بأنهم جزء لا يتجزأ من الحراك السوداني المتفاعل مع هذه الثورة ... فهي ثورة كل السودانيين على نظام تضرر منه الجميع ... نظاميين ومدنيين وهذا ليست من السذاجة في اطار المعطيات المتوفرة الآن.
والفترة الإنتقالية عامين فقط ... عامين كافية جدا للمطلوب ... اجتثاث مخلفات الانقاذ أسهل من إزالتها لأنها ليست تحت حماية القوة كما كانت من قبل ... الانقاذ بكل عنفوانها سقطت في أربعة أشهر ... فما معنى ترك بقاياها أن تسرح وتمرح لأكثر من أربعة أشهر دعك من عامين .... لذلك ... مقترح المطالبة بأن تكون الفترة الإنتقالية أربع سنوات بغرض التمكن من اجتثاث جذور الدولة العميقة، فهذا مقترح غير عملي وفيه تنطع وتطويل لعمر مفسدي الإنقاذ ... اجتثاث الفساد سيتم بسرعة فائقة عندما تتكون الوزارات وتقويم بتثوير الخدمة فيها ... كل وزارة وكل مؤسسة الآن تدرك ما حدث فيها من مخالفات، والفعل الثوري لا يعرف التراخي والسلحفائية ... ليست من الحكمة لمتخذ القرار أن يتباطأ في محاصرة الفساد واقتلاعه من الجذور ... أما إن كانت الأحزاب التي اقترحت مدة الأربع سنوات تهدف لترتيب أوضاعها لما بعد الانتقالية، فهذا ليست من شأن الثورة بل من شأن الأحزاب ... فالثورة قادرة على اجتثاث الفساد الانقاذي في أقصر وقت ممكن ... قرارات متلاحقة
ختاما ... تجمع المهنيين يتكون من أطباء، مهندسين، زراعيين، أساتذة جامعات، قانونيين ..... صيادلة ... وغيرهم ... ولذلك مؤهلين لتقديم المقترحات اللازمة لتشكيل الحكومة في مستوياتها المختلفة ... فعلى تجمع المهنيين الظهور بالقوة التي ظهر بها عند بداية الحراك والامساك بزمام عملية التفاوض والاسراع في تشكيل الحكومة من الكفاءات الوطنية ... مع مراعاة كسب الزمن لملء الفراغ ... أما العلاقة القديمة مع الأحزاب فهي ليست كاثوليكية ... انتهت بسقوط الإنقاذ وكل الأحزاب موافقة على حكومة غير حزبية ... ومن المعلوم أن الثوار خرجوا وراء تجمع المهنيين وليست وراء الأحزاب ... سيروا بإذن الله ومن خلفكم الملايين.
هاشم الخليفة عثمان (مهني مستقل)
|
خدمات المحتوى
|
هاشم الخليفة عثمان
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|