لحظة الميلاد المجيدة
05-02-2019 01:09 PM
طارق الأمين علي ادريس
في البدء نؤكد احترامنا وتقديرنا للمجلس العسكري ونشيد بدوره الوطني في حماية الثورة والانحياز لصفها ونتمنى في الوقت نفسه ان يفيّ بوعده بتسليم السلطة لحكومة مدنية في اقرب وقت مع الوضع في الاعتبار ان حالة الاحتقان السياسي والمجتمعي التي يشهدها الوطن مابعد 6/ابريل هي مؤشر طبيعي جدا لكبت الحريات وانعدام الامن والسلامة وضيق العيش وامتهان كرامة الانسان السوداني واذلاله بواسطة سلطة المؤتمر اللاوطني التي جثمت على صدر الشعب لمدة ثلاثون سنة متواصلة ذاق فيها الشعب من المعاناة والمواجع مايعجز عنه الوصف وليدرك المجلس الموقر كذلك ان وضع المتاريس واغلاق الطرق والكباري وتفتيش الاشخاص مؤشر أكثر من طبيعي كذلك مرده الوضع الغاشم الذي لم يصدق الشعب انه تخلص منه في فترة وجيزة للغاية بعون ووقوف المؤسسة العسكرية السودانية الشامخة ، وليضع المجلس في حساباته ايضا ان الوطن والشعب في لحظة ميلاد جديدة بعد مخاض عسير للغاية تتطلب قدرا لايستهان به من الصبر على الام المخاض الموجعة جأر بمعاناتها الكافة مجلس عسكري واحزاب ومنظمات مجتمع مدني وقوى حرية وتغيير ومهنيين شباب وكنداكات والمولود الجديد يتطلع للكل باعتبارهم جميعا آبائه ويعشم في قدر متعاظم من التضحية والايثار وضرورة احترام الراي الآخر والى بعد ومضامين عميقة في منظومتنا السودانية الاصيلة العريقة
ليدرك الجميع ان روح ونبض الثورة وهدير الشوارع وانتفاضة الملايين التي ابتدأت من اكتوبر 64 مرورا بابريل 85 انتهاء بديسمبر 2018كان هديرا يبحث عن الحرية والانعتاق والاستقلال الحقيقي ولقمة العيش الكريمة -كان انينا حارا يجأر بالمعاناة والالم وظلم الانسان لاخيه كان زئيرا متعطشا لرغيفة خبز وبضعة جنيهات يسدن الرمق - لم يكن حراكا توجه بوصلة احساسه قوى التغيير والحرية ولا المهنيين ولااي حزب -بل كان هديرا وزئيرا وانينا خافتا نبضه الشارع فقط بمشاركة نوعية مميزة من الشباب والمرأة وممن ولدوا وتربوا في احضان الانقاذ
نعم كانت انتفاضة مجيدة من جيل لايفهم في الحزبية وطرحها ولايعرف شيئا عن الحزب الشيوعي والبعثي ولا عن حزب الامة والاتحادي او حركة تحرير السودان ولا عن الاسلاميين وصراعهم التاريخي مع اليسار ولذا كنت اتمنى ان يستوعب المجلس العسكري ذلك ويعطي هذا الامر حقه ومايستحقه من الفهم العالي الصحيح ولا اعتقد في الوقت ذاته ان الامر بخافي عليه ولكن بدأت تظهر بعض المؤشرات والمعتقدات من خلال بعض الكتابات والتصريحات تشير الى حالة المنّ على الثورة وانه لولا المجلس لما نجحت الثورة بينما المجلس نفسه هو الابن والوليد الشرعي لهذه الثورة ولولاها لما كان هناك مجلس اصلا ولكانت الانقاذ واصنامها في مكانهم ماكثون وراسخون
لقد صرح قادة قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين انهم ضد فكرة الاقصاء والتهميش وان الوطن للجميع ولكن المرحلة الانتقالية تتطلب تدابير جديدة تقتضي استبعاد كل من شارك في حكومة الانقاذ حتى تاريخ سقوطها المدوي وكل من قفز من مركبها عندما استشعر قرب غرقه الى حين موعد الانتخابات والاستحقاق الدستوري وان يقول الشعب كلمته الفصل ليس في من يحكم بل كيف يحكم السودان ؟ حيث لامكان للاشخاص في لحظة الميلاد المجيدة التي نشهدها الان بل المكان والوقت للعمل الجاد وللشرفاء والخلص والصادقين والمخلصين والاحرار الذين لم تتلوث اياديهم الطاهرة بالمشاركة في عبث الانقاذ ولامكان ايضا لكل من دعم الانقاذ وآزرها وقوى من عودها وبلادنا حبلى بالعطاء وزاخرة بالكفاءات القادرة على الابحار بمركب الوطن الى مرافئ الامان والرفعة والسؤدد
صحيح جميعنا سودانيون ويجمعنا وطن واحد ولكل واحد منا الحق في الترشح والانتخاب وتقديم من يراه لقيادة المسيرة ورعاية المولود الجديد وتعهده بالرعاية والاهتمام حتى يقوى عوده ولكن ليست هذه هي المرحلة التي نختلف فيها على ماتقدم بل العكس فطبيعة المرحلة ولحظات ارضاع المولود الجديد تتطلب الاتفاق على الثوابت الراسخة والقواسم المشتركة التي لايختلف عليها اثنان وليس الوقت كذلك وقتا للمحاصصة والمجاملات والترضيات كما كان يفعل النظام المخلوع، وليس وقتا للاختلاف والاحتراب، او للاستئثار بنصيب من الغنيمة - نعم الوقت ليس لسرقة الثورة او اعتلاء واجهاتها ، او للالتفاف عليها، فالحصة وطن فقط حتى يكبر الطفل الذي حررنا شهادة ميلاده بدماء شباب طاهرة ستظل مسكا وعبقا يعطر تراب الوطن واجوائه الحالمة ولياليه العامرة وامسياته الندية وصباحاته البهية الى يوم تقوم الساعة
على قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين وكافة القوى الحزبية والسياسية تقديم المزيد من التنازلات وان يتعامل كل جسم مع الاخر بقدر عالي من الاحترام مع الابتعاد التام عن الاستفزاز وادعاء بطولة زائفة اعمالا لمتطلبات المرحلة ، مع ضرورة استصطحاب صوت العقل والحكمة وتغليب مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وصولا للغايات المنشودة، وان المرحلة فقط للكفاءات السودانية والخبرات المميزة ، ومن هم مشهود لهم بالاستقلالية التامة ، والصدق والامانة ، وهولاء هم من نعول عليهم حقيقة ونعقد عليهم الامال العراض للابحار بالوطن في هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة وكلنا ثقة في مقدراتهم وكفاءتهم وخبرتهم وانهم سيبحرون بالفعل ببلادنا الى مرافئ وموانئ الرفعة والسمو التي تنشدها اجيالنا الحالية والقادمة ، وسيحددون اطر وهياكل المرحلة بدقة ومن ثم يجب ان تتوقف كافة المزايدات ووسائل الكيد الرخيص ومحاولات صب الزيت على النار والاصطياد في المياه الاسنة العكرة
انطلاقا من ماتقدم من رؤى ومؤشرات وطنية يتطلبها الوضع بمعطياته الراهنة فقد عقدت الدهشة حاجبي من طلب المجلس الموقر من قوى التغيير والحرية التي يحاورها احضار تفويض من الشعب وبدوري اتساءل عن ماهي النسبة المطلوبة لقانونية هذا التفويض ؟ ومن الذي افتي للمجلس الموقر بدستورية وشرعية وقانونية مثل هذا الطلب وهو طلب لم يكن اصلا واردا في حسابات المجلس ولم يتم التطرق اليه من قبل ؟ وماالمقصود تحديدا بالشعب ؟ وهل يعني ذلك ان على كل من بلغ الرشد ان يبصم ويوقع في كشف التفويض المطلوب ؟
الا يكفي المجلس الموقر للاعتراف بشرعية من يتفاوض معهم الحشود المليونية التي ضاقت بها الشوارع المتاخمة لمقر قيادته حتى يطلب تفويضا كهذا ؟ الم يشاهد المجلس قوة العزيمة وزغاريد النساء وكلهن اصرار وتوثب على تحقيق النصر؟ الم يشاهد المجلس دموع الامهات وحرقة حشاهنّ وهنّ يبكينّ اولادهن من الشهداء الذين قتلوا بدم بادر؟ اي تفويض هذا الذي يريده المجلس ؟ الم يستمع المجلس الى شعارات الثورة وهتاف الثوار والكنداكات سلمية سلمية ضد الحرامية ، والليلة تسقط بس رص العساكر رص، والطلقة مابتقتل ؟ الم ينحاز المجلس بطوع ارادته للثورة حقنا للدماء وحرصا على مصلحة الوطن ؟ ام ان لهذا الطلب الممعن في الغرابة علاقة باذيال النظام المقبور؟ او بالرؤى والمقترحات التي قدمها بعض من شاركوا في النظام المخلوع حتى تاريخ سقوطه ومن قفز من سفينته مؤخرا ومن دعم مقترح تعديل الدستور لمد فترة رئاسة راسه المقتلع ؟
وبالافتراض الجدلي ان من يتفاوض معهم المجلس لايمثلون كل او غالبية الشعب السوداني هل هذا هو الوقت المناسب لهذا الطلب الغريب ؟ الم يكن من الاولى ترك هذا الامر الى مابعد انعقاد المؤتمر الدستوري الذي ستشرف عليه الحكومة المدنية المرتقبة ؟ الا يعلم المجلس ان دوره ينحصر فقط في حماية ثغور وحدود الوطن وان لاعلاقة له بالتفاويض الشعبية والدستورية ؟ وانه بالمقابل لايملك السند الدستوري والقانوني الذي يخول له طلب هذا التفويض ؟ الم يقتنع المجلس بان من يتفاوض معهم جزء اصيل من الحراك الذي قاد الشارع واضطره لخلع النظام البائد وربما يمثلون غالبية الحراك او على الاقل يعبرون عن تطلعات وآمال واحلام الامة السودانية في لحظة عتقها الحقيقي وميلادها الجديد ؟ الا يعتبر مثل هذا الطلب تراجع جذري تام من قبل المجلس عن ماصرح به من حرص على الديمقراطية ومصلحة الوطن وانه نوع من الاستقطاب الحاد لرؤى ووجهات نظر وواجهات أخرى تسعى لوأد الثورة وذبح المولود الجديد في مهده
ارى ان واجب المجلس في هذه المرحلة يتمثل ببساطة متناهية في تسليم السلطة لحكومة مدنية يتوافق عليها الغالبية وليس كلهم فارضاء الكل غاية لاتدرك لاسيما في مرحلة الاحتقان والهياج الثوري وفي هذه اللحظة التاريخية، وان يواصل في نهج التوافق والتبشير بقرب الوصول الى نهايات سعيدة تحقق مصلحة الوطن وتحدد ملامح المرحلة الانتقالية القادمة بدلا من الخطاب الجديد واللغة الاستعلائية المبطنة بالوعيد والتهديد التي لاحظناها مؤخرا في بياناته وتصريحات نائب رئيسه والناطق الرسمي باسمه، وقد كشفت هذه اللغة للبعض عن محاولة المجلس اقحام نفسه في امور لاتعنيه مع الايحاء بانه من صنع الثورة ، وان من حقه ان يتصرف كيفما يشاء ، ورأى البعض الآخر في هذه اللغة والخطاب الجديد استجابة من المجلس لما كانوا يخشون حدوثه من تغول جهات ترتبط مصالحها بالنظام المقبور في محاولة يائسة لتدوير النظام المخلوع في اوضاع اقل مايمكن ان توصف به انها عاصفة ومحتقنة وتتقبل اي تفسير ، وهنا يثبت ويبرهن لبعض المتوجسين خيفة ان الثورة لازالت تبارح مكانها الاول ، ولاتزال في خطر وإنه لابد من حراستها بالمتاريس وتقديم المزيد من المهج والدماء والارواح تحقيقا لشعاراتها ووفاء لدماء الشهداء
الامر في تقديري في غاية البساطة وعلى المجلس انهاء حالة الشد والجذب والاحتقان الحادة التي تنذر بعواقب يتعذر تدارك نتائجها وذلك بالقبول بمجلس سيادة يتكون من خمسة اشخاص فقط (5) مهامه تشريفية من اعتماد للسفراء وتمثيل للدولة--- الخ يعتلي رئاسته الفريق البرهان وان يكون نائبه من الوطنيين المستقلين الشرفاء وثلاثة آخرين احدهم من المؤسسة العسكرية واالاخران مستقلين إحداهما إمرأة ، والاتفاق ايضا على مجلس وزراء من 18 وزيرا جميعهم من المستقلين والتكنوقراط والخبراء في مجال الوزارات التي تسند اليهم ومن الصادقين الامينين الاقوياء ولم يسبق لهم الاشتراك في اي حكومة سابقة، ومجلس تشريعي من 100 شخص تمثل فيه كافة الاحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني يراعي فيه التمثيل الجغرافي والتعدد النوعي والعقدي والثقافي والفكري والمجتمعي وتمثل فيه المرأة والشباب بنسبة 25%
واخيرا الابتهالات الصادقة للمولى سبحانه تعالى ان يحفظ البلاد والعباد وان يعين الجميع الى مايحب ويرضى وما يحقق مصلحة الوطن وتطلعات وامنيات شعبه
|
خدمات المحتوى
|
طارق الأمين علي ادريس
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|