خواطر حول الراهن السياسي
05-02-2019 06:46 PM
حديث السيد الصادق المهدي لقناة الحدث الفضائية يثير تساؤلات مشروعة عن الهدف من إطلاقه لتحذيرات تدعو "لعدم استفزاز المجلس العسكري" و " عدم حرمانه من شرعيته ودوره الإيجابي في الثورة" و "يجب ألا نتحداهم بطريقة تجبرهم على إثبات أنفسهم بطريقة مختلفة"
بالنظر للتعقيدات التي تكتنف الساحة السياسية تجيئ مثل هذه التصريحات كصب النار على الزيت وتعميقاً للهوة التي تفصل بين الطرفين المتفاوضين خصوصاً وأنها تأتي من آخر رئيس وزراء منتخب ورئيس لأحد أحزاب قوى الحرية والتغيير. تشي هذه التصريحات بتحريض خفي للمجلس العسكري للتمسك بأطروحاته طالما أن هنالك أطراف في تحالف قوى الحرية نفسه ترى أحقيته في التمتع بثمار "دوره الإيجابي في الثورة" ، كما يفهم منها أن المجلس العسكري قد يعبر عن نفسه بانقلاب عسكري كامل الدسم وما يستتبعه من مواجهة ما بين الجماهير والسلطة من قهر ودم.
لم ينكر الثوار انحياز الجيش لقوى الثورة تحت ضغط المد الجماهيري وأنه أسهم في حقن الدماء وطالبوه بتنزيل بيانه الأول الذي وعد فيه بمدنية السلطة على أرض الواقع.
فهل نسى السيد الصادق تجربتي أكتوبر وأبريل وما أفضيتا إليه من انتكاسة للثورة السودانية عادت بنا إلى الوراء لأكثر من نصف قرن وهو كان أحد صناع الحدث البارزين حينها؟ وهل يعبر هذا الموقف عن رأي حزب الأمة الرسمي داخل أروقة التفاوض؟
مثل هذا التضارب في المواقف يدعم مواقف قوى الثورة المضادة وينال من معنويات الثوار وبالتالي يجب التروي قبل إطلاق مثل هذه التصريحات المربكة وإن كان ثمة رأي مخالف أو معلومات عن إعداد لإنقلاب عسكري فيجب أن تطرح هذه الموضوعات على الشركاء قبل إطلاقها في الفضاء.
وهذا الأمر ينطبق أيضاً على البيان الذي نشر في الراكوبة أمس باسم محمد الخطيب على أنه الرأي الرسمي للحزب الشيوعي ، ولقد اطلعت أيضاً على ما يفيد بأن البيان لا يعبر عن رأي الحزب الشيوعي إلا أنه منسوب لأحد كوادره، وهو أيضاً طرح غير موفق في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة لأنه يأتي خارج بوتقة الحد الأدنى التي توافق عليها الثوار تحت مظلة قوى الحرية والتغيير وهو أشبه ما يكون "بالرقيص بره الدايرة" على رأي المثل الشعبي.
توحيد اللسان يدعم الموقف التفاوضي لقوى الثورة خصوصاً في ظل حالة الفرز التي بدأت تلوح ظاهرة للعيان ما بين مكونات الثورة قبل أن تقطف الجماهير ثمارها ، ومحاولة بعض الأشخاص القفز بالزانة لتسلق هرم القيادة والبحث عن مكافأة شخصية عن ما بذلوه في من جهد وهي لعمري قسمة ضيزى. يجب الحذر من مثل هذه المحاولات لشق الصف بالتشكيك في قيادة الثورة لأنها دون شك تضعف من الموقف الموحد للجماهير والأمثلة على ذلك ما حدث من الناشط ذو النون وما صرح به الناشط خالد الأعيسر في مقابلته مع قناة الحدث وبعض الأصوات المشككة هنا وهناك.
هذا الفرز يحدث على مستويين المستوى الأول داخل قوى الثورة نفسها مع الإدراك بأن ما يجمع مكوناتها هو برنامج الحد الأدنى متمثلاً في ميثاق الحرية والتغيير الذي نالت بموجبه تفويض الجماهير لقيادتها وأي خروج عليه يعتبر انتهاكاً لهذا التفويض ، ومن الجانب الآخر لا تخطئ العين البصيرة أن ترى أن هنالك صراعاً مؤجلاً ما بين مكونات المجلس العسكري نفسه وتحديداً ما بين قوى الثورة المضادة من بقايا النظام السابق من جانب وأصحاب الأجندة الخاصة المرتبطة بالمحاور الإقليمية وصراع السلطة والثروة من الجانب الآخر.
كان حرياً بالمجلس العسكري أن يصدر بياناً عقب استدعائه مدير الأمن والمخابرات للحد من للتكهنات ولكنه لم يفعل وبالتالي من حق المراقبين أن يفهموا أن المجلس العسكري يتجه لخيارات القوة لفرض الأمر الواقع دون استصحاب لوقائع التاريخ القريب حين واجه الثوار هذا الجهاز وهو بكامل قوته وجبروته وهزموه شر هزيمة ومن المؤكد أن أي محاولة لفض الاعتصام بالقوة لن يكتب لها النجاح.
أرحب ضمن المرحبين بوفد الحركة الشعبية شمال الذي من المتوقع أن يصل الخرطوم قريباً آملاً أن يمثل إضافة نوعية لقوى الثورة ، وهي بادرة واعدة نأمل أن تحذو باقي القوة المسلحة حذوها لتأكيد رغبتها في الاستقرار والسلام دون أجندة مسبقة في ظل الدولة المدنية المأمولة. من الممكن أن يلعب هذا الوفد دوراً مقدراً في تقريب وجهات النظر بين قوى الثورة والمجلس العسكري فموقفه من المجلس العسكري والدولة المدنية ورد ضمن بيانه المنشور دون أن يغيب عنا أن هذه الحركات قد فتحت نفاجاً مع القوى الإقليمية المؤثرة في الموقف السياسي اليوم خلال اللقاءات التي عقدتها هذه الحركات في أبوظبي الأسبوع قبل الماضي ولم تتضح حتى الآن معالمه بصورة جلية.
أخيراً أعتقد أنه يجب الترحيب بجهود الوساطة ما بين قيادة الثورة والمجلس العسكري التي تقودها تيارات وطنية بما في ذلك مبادرة مجموعة اسامة داؤود وغيرها طالما أنها تهدف لتجسير الهوة ما بين الطرفين وطالما أننا قبلنا بمبدأ التفاوض الذي فرضه توازن القوى وما يستتبع هذا المبدأ من ضرورة تقديم بعض التنازلات التي لا تخل بجوهر المطالب وكلنا أمل في أن يعم السلام والأمن ربوع الوطن في القريب العاجل.
|
خدمات المحتوى
|
اسامة الكاشف
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|