خطبة الجمعة
05-03-2019 03:23 PM

الحمد لله على نعمه التي لا تحصى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه الحسنى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أُسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل البر والتقوى وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد عباد الله:

لقد أمَرَنا الله سبحانه تعالى إلى الوحدة والاعتِصام بحبلِه جميعًا، ونهانا عن التفرُّق؛ فقال - سبحانه -: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].

كما أن الله جل وعلا قد حذَّرَنا من التفرُّق في مَواضِعَ عِدَّة من القُرآن؛ فقال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ ﴾ [آل عمران: 105 - 106].

وحذَّرَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من التفرُّق، وحَضَّنا على لُزُوم الجماعة في أحاديثَ كثيرة منها:

عن أبي ذرٍّ - رضِي الله عنْه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن فارَق الجماعة شِبرًا، فقد خلَع رِبْقَةَ الإسلام من عنقه))؛ رواه الترمذي .

وعن أبي الدرداء - رضِي الله عنْه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((عليكم بالجماعة؛ فإنما يَأكُل الذِّئب القاصِيَة))؛ رواه النسائي

وعن ابن عمر - رضِي الله عنْهما - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الله لا يجمَع أُمَّتي على ضَلالة، ويَدُ الله مع الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ إلى النار))؛ رواه الترمذي

وعن ابن عبَّاس - رضِي الله عنْهما - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَدُ الله مع الجماعة))؛ رواه الترمذي

هذا الذي دَعانا إليه اللهُ تعالى، ورسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما جاء في هذه النصوص الصَّرِيحة السابقة، ولكن هل نحن الآن كذلك إنَّه ليُؤسِفني أنْ أقرِّر - بكلِّ مَرارةٍ - أنَّنا لسْنا كذلك على الرغم من هذا التوحد والتكاتف وروح الجماعة التي سادت مؤخراً والتي أجبرت النظام الظالم الفاسد المستبد من الرحيل.

نعم لا يزال واقعنا يعاني من الإنقسامات المُتَبايِنة ولا زلنا نلحظ التَراشُقٌ بالتُّهَم، والخِصامٌ بل والتناحر وربما الإقتتال ومع أيماننا بأن كُلٌّ ما يحدث من فرقة هو نتاج لسياسات النظام الهالك الذي إنتهج أسلوب زرع الفتنة بين مكونات الشعب ليستمر في حكمة البغيض غير أنه لابد من تحكيم صوت العقل والرجوع إلى رأي الجماعة.

أيها المسلمون:

هذه دعوة صادقة أقدمها لكم أن لا بد من التفاهم والإتفاق والالْتِقاء على كلمةٍ سواء، معتمدين على كِتاب الله تعالى، وسُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومصلَحة الأمَّة، نعم لابد من الاستِمساكَ بالحق، ورِعاية مصلحة الأمَّة، واللِّقاء على الثوابت التي تعتمد على قيم الأمة ومصلحتها، لا على الأهواء والمصالِح الفردية أو الحزبية الضيقة وقد خاطَب ربُّنا - تقدَّست أسماؤه - نبيَّ الله داود، فقال له: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26].

ونهى ربُّنا - سبحانه - عبدَه ورسولَه محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن طاعة مَن يتَّبع هواه؛ فقال: ﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

عباد الله:

لا بد أن نخرج من هذه الأزمة المُستَحكِمة التي نعيش فيها الآن ولن يكون هذا الخروج إلا بالتوحد ورِعاية مَصلَحة البِلاد والعِباد، والنأي عن التنازُع والتفرُّق؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].

وقال - تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].

عباد الله:

إنَّ اختِلافَ الناس في آرائِهم أمرٌ فَطَر الله الخَلْقَ عليه، فالحاكِم إنسانٌ مُعرَّض للخَطَأ كما هو مُعرَّض للصواب، وهو إنِ اجتَهَد مُثابٌ مَأجورٌ في الحالَيْن؛ يقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا حكَم الحاكِم فاجتَهَد فأصاب، فله أجْران، وإذا حَكَم الحاكِم فاجتَهَد فأخطأ، فله أجرٌ واحدٌ))؛ رواه البخاري

ويقول الله - تعالى -: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118 - 119]. ولذلك لا يَجُوز أن نُصَعِّد الخِلاف حتى يكون سببًا للتفرُّق، ورَحِمَ اللهُ القائلَ: "اختلاف الرأي لا يُفسِد للوُدِّ قضيَّة".

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وأرض اللهم عن خلفائه الراشدين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مستقراً اللهم أصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم اصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين اللهم أمدهم بعونك اللهم وفقهم بتوفيقك، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وأقم الصلاة.

الجريدة





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 1387

خدمات المحتوى


التعليقات
#1827924 [elfatih i ahmed]
2.55/5 (11 صوت)

05-04-2019 08:08 PM
يا ليت الأئمة يهتدون إلى المقاصد والحكمة من وراء خطبة الجمعة ولكنهم - الا من رحم ربي -يميلون الى الحشو والاستطالة والإسهاب فيما لا طائل من ورائه وطبعا من الضروري حتى لو كان حجم المكان صغيرا والحضور قليلا لا بد من وجود المايكرفون وفي أعلى درجات الصوت ولا أعتقد أن هناك من يتجرأ على التعليق على هذه البيئة التي يبدو أنها ترسخت مقاومة لكل انواع الحلول .. والله من وراء القصد ..


الفاتح يوسف جبرا
الفاتح يوسف جبرا

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة