المقالات
السياسة
المؤتمر الشعبي والمجلس العسكري: عطاء من لا يملك لمن لا يستحق
المؤتمر الشعبي والمجلس العسكري: عطاء من لا يملك لمن لا يستحق
05-04-2019 03:52 PM

ما جري بين شباب الثورة ومؤتمر شورى حزب المؤتمر الشعبي مؤسف. وهي مواجهة لا يحتاج إليها أي من الطرفين. ولن تُرضى حكومتي في الحادثة وأنا حيث أنا منها. ولم أخرج في كلمتي هذه لغرض التحكيم بل لمراجعة حزب المؤتمر الشعبي في خطته من الثورة التي تنحدر به ليس إلى خصم لها فحسب بل لبؤرة لم شمل الثورة المضادة بوجهها. وهو أمر انقبض له. فقد عرفت نفراً كريماً من قادته وشبابه بالذات الذين أكرموا وفادتي في حوارات اتصلت لسنوات. واطلعت على بسالتهم مع جيلهم في ميدان الوغي. وقلت عن شهيدهم المغفور له أحمد الخير عوض الكريم إنه مسيحهم رغبت لو كفّر للإسلاميين ما تقدم من ذنبهم. وساءني أن مساعي شبابهم ممن أعرفهم بالاسم والرسم لفض تحالف حزبهم مع المؤتمر الوطني باءت بالفشل. وأحسبهم أشقانا جميعاً بين ثورة تطابقت مع نزوعهم لرد الاعتبار لأشواقهم الإسلامية، التي ابتذلتها الإنقاذ ابتذالاً فوق المعني، وقيادة حزبهم التي تشبثت بالإنقاذ بحجج واهية.

لقد صدق في المؤتمر الشعبي ما قلته عنه مرة. قلت إنه حزب رجال أوفياء ونساء تراصوا بنبل نصرة لزعيمهم ومربيهم الدكتور حسن الترابي. ولم يزيدوا بالزمن عن ذلك ليكونوا حزباً معارضاً ذا بأس يرتكز على غير الثأر لشيخه. وما مات شيخهم حتى ضربتهم الحيرة، ودخلوا في دين الإنقاذ باستماتة أفواجا بذريعة وصيته الغامضة: "المنظومة الخالفة". ووجدوا في الحوار الوطني للحكومة غطاء لطي الخلاف مع المؤتمر الوطني. ولحقتهم من إهاناته ما لا يحتمله إلا "مقطوع راس". وكان كمال عمر هو بقية الشيخ فيهم. فظل يستنكر تفلت المؤتمر الوطني من مواثيق الحوار التي عقدها معهم حتى أنه أراد تعديل الدستور ليضمن للبشير الولاية من القبر. والشعبي لا ينبس ببنت شفة. ولم تحرك تظاهرات الشباب فيه ساكناً. واعتصم بعروة البشير ومؤتمره "الفاسدة". وأجمل أبوبكر عبد الرازق المحامي، السكرتير السياسي للحزب، حلفهم مع المؤتمر الوطني في فيديو سائر بقوله إن ما يجمعهم به أجل وأعظم وهو أن نحافظ على السودان. وهكذا لم يعد السودان وطناً بل ضيعة للإسلاميين. وهو قول من تقطعت به السبل. فلم يجد أبوبكر نفسه حسنة واحدة للنظام في بقية حديثه في الفديو حتى قال إن البشير هو أصل أزمة البلاد.

لقد انفضح المؤتمر الشعبي مع الثورة فتهافت أمامها كما توقع رئيسه: رب رب. فاستهون الثورة بقول أبوبكر إن هناك من هم في خارج السودان من حلموا أحلاماً وردية كذوب بنجاحها. ولكنهم هم، أي أبوبكر وإخوته، على الأرض ويرون مظاهراتها تذوي وحافلها يتفرتق. وتأبى المؤتمر الشعبي بعد أن كذبت نبوءته أن "يأخد نفس" يتأمل فضيحته السياسية. فسارع إلى ميدان الثورة يطلب حظاً من ثمارها المريرة. فقال الدكتور على الحاج في مؤتمره الصحفي إنه لن يقبل بأي اتفاقية تنعقد بين المجلس الانتقالي وقوى التغيير تستثني القوى السياسية الأخرى. وهذه الانشتاحة ماكان عماً لنا يقول لمرتكبها: " هوي يا مسكين!" وذكرتني فضيحة الشعبي السياسية التي لم ينستر بعدها بفضيحة الرجل الذي أخرج ريحاً في مجلس جماعة. فقال على الفور: "يا ساتر". فقال له أهل المجلس: "السترة فارقتها قول اللهم أجعله شفاء".

ولم ينتظر الشعبي أن يمن الله عليه بالشفاء من فضيحته. فطلب أن يكون طرفاً في ترتيبات ما بعد ثورة لا ناقة له فيها ولا بعير. وبدا لي هنا أن الشعبي يريد تكرار سيناريو ثورة إبريل 1985. وهو العودة إلى المسرح السياسي بصفقة شائنة مع المجلس العسكري كالتي عقدتها الجبهة الإسلامية القومية مع المجلس العسكري لتلك الثورة. وهكذا، وللمرة الثانية، ينهض شبابنا بثورة ليجدوا الإسلاميين في الجانب الخطأ من التاريخ. وتخطر لي هنا كلمة ماركس عن التاريخ وإعادته لنفسه. فقال إن التاريخ يعيد نفسه بالفعل. ولكنه يعيدها كمأساة في المرة الأولى وكمسخرة في المرة الثانية. والمسخرة ما يريده لنا الشعبي هذه المرة.

سمعت من الإسلاميين من دعا من سماهم عقلاء صف الثورة أن يتدخلوا لمنع الاستقطاب الحادث و"تليين" مواقف الثوار بوقف "الإقصاء" وما إلى ذلك. ووددت من جانبي أن ألفت الإسلاميين لقول عقلاء حقاً منهم رأوا أن ما يطلبه الإسلاميون الخالفون عن الثورة من المجلس العسكري هو عطاء من لا يملك لمن لا يستحق مستصحبين العبارة الشائعة التي وصفت وعد بلفور (1917)، وزير خارجية بريطانيا، بإعطاء فلسطين لليهود. فقال الصحفي الإسلامي المميز خالد التجاني لرفاقه الإسلاميين الخالفين بقوة:

ولا يُعقل أن تضع القوى التي قادت الثورة، وحظيت بشرعية قيادتها من الجماهير الثائرة، على قدم المساواة مع غيرهم الذين بقوا في حضن النظام حتى انهياره، وهذه ليس دعوة لإقصاء أحد، ولكن ببساطة هذا ليس وقتهم، ولا كيل لهم في هذه المرحلة التي يتطلع السودانيون لتنقلهم إلى فضاء تغيير حقيقي، وكان حرياً بهم أن يكفوا عن هذا التهافت.
وسبق للطيب زين العابدين، وهو فارس حوبة في طلب الحق، نصح أخوته الإسلاميين في المؤتمر الشعبي أن يتداركوا موقفهم ويعتزلوا النظام وهو في الحشرجة. فقال لهم إن "ارفعوا عن هذا النظام آخر ما يستر عوراته من غطاء جماهيري توفرونه له في تحدي ﻷمة بأسرها". فالتغيير، في قوله، "قادم بمشاركتكم او بدونها. وهو تغيير نحو الأفضل وتحول من دولة الظلم والاستبداد الي دولة القانون". وجابها من الآخرة بقوله: "لكم مطلق الحرية في أن تصدقوا أن هذه حركة تغيير يقودها كفرة وأعداء للإسلام ومهووسون يودون اعدام كل الإسلاميين. كما ان لكم مطلق الحرية في أن تعترفوا بالأسباب الواقعية والموضوعية لما يجري الان، وما سيعقبه، وما سيؤول اليه الأمر بعد زمن ليس طويل وليس في صالحكم. اختاروا الخيار الأفضل لكم وللشعب السوداني قاطبة ".
لم يلق المؤتمر الشعبي السمع لعقلاء الإسلاميين وهو شهيد. واختار أن يكونوا في صالة قرطبة في استربتيز للثورة المضادة فاضح. "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".



https://www.facebook.com/10000045818...07&v=i&sfns=mo





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 1242

خدمات المحتوى


عبد الله علي إبراهيم
عبد الله علي إبراهيم

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة