حذاء الوزير
05-05-2019 11:06 PM
حذاء الوزير
كانت أمسية جميلة من أمسيات الربيع ، الذي لم يتجاوز اليومين... قام الأستاذ وهمي وهو مأخوذ بروعة الجو وروعة ما ينتظره في النادي في ذلك اليوم البهيج ... دخل الحمام ولبث فيه نصف ساعة بالتمام والكمال ...وأنفق نصف ساعة أخرى في التزيّن والتعطّر ولم ينس أن يختار (بدلته) الوحيدة وكرافتته الزرقاء وربطها بعناية ونظر إلى صورته في المرآة مدة طويلة ، فأعجبه شكل وجهه مع (اللياقةن يختارلا أن يختار يأ نننككممززووىىىأتننأ، ) والكرافتة ... فهز كتفيه في عظمة وجلال... وغمز بعينه لصورته في المرآة أعجابا وفرحا.
خفّت خطواته وهو في طريقه للنادي ... فاليوم أمر .. ولكن أي أمر .. سيحتفل النادي هذا المساء .. وسيقدم باقة من ألمع نجوم الطرب والفكاهة والمرح وسيزور النادي السيد الوزير بنفسه ...
جعل السيد وهمي يسرع الخطو ... ولكنه وقع في تناقض مريع .. كيف يوفق بين مشيه السريع ونظافة الحذاء ؟... كيف يمشي مسرعا دون أن يتلوث الحذاء بتراب الأرض ؟ ولعن الأستاذ وهمي بلاد السودان (لسنسفيل جدودها) وقرر أن يسرع ثم ينظف الحذاء مرة أخرى قرب باب النادي... ورغم هذا القرار الخطير ، فقد صارت مشيته أشبه بمحاولة يائسة للسير فوق البحر... كان النادي مكتظا بالناس .. وجلست النساء في ناحية والرجال في الناحية الأخرى وبينهما سد منيع من الأطفال.... وفى المقدمة خصصت مقاعد مريحة لاستقبال ( الوزير وصحبه) ... و... جال السيد وهمي ببصره يمنة ويسرة ... ثم صعد إلى المنصة ... وجعل يعالج الميكرفون ... موهما الناس بأنه يجّرب الصوت .. وخبّط على الميكرفون عدة مرات ... وتنحنح عدة مرات ... وأمسك بالميكرفون قرب فمه : (واحد .. إتنين .. تلاتة) ونزل من المنصة بعد أن تأكد أن الجميع قد شاهدوا ذلك... وود لو يبقى فوق المسرح أكثر ... ولكن .. لابد أن الصف الاخير قد شاهده أيضا...
خلال الحفل ، كان السيد وهمي يتجول كل خمس دقائق أمام الناس ... ولم ينس أن يسلّم على السيد الوزير عدة مرات وهو ينحني تسعين درجة ... ويقدم له ( الأعيان) ... واستمتع بتقديم الحفل أيما استمتاع .. وكان بين (الوصلة) والأخرى يقف قرب المسرح ويرفع يده عاليا وينظر إلى الساعة ...
قام الوزير ، بعد مدة ، ليذهب ... رافعا يده ، محييا الناس ... وسار بخطوات أنيقة، أو هكذا رآها الأستاذ وهمي ... وكان حذاء الوزير يلمع بصورة غير عادية تحت الأضواء ... وقام (الأعيان) وراء الوزير والتفّوا حوله يسيرون معه ، إلى الخارج ... وتبعهم الأستاذ وهمي وكان يسير وراء الوزير مباشرة ... ودون أن يشعر، كان يسير تماما فوق آثار حذاء الوزير .. .. حتى اعتلى الوزير عربته الفارهة .. وكان الأستاذ وهمي مازال يقف فوق آخر آثار حذاء الوزير .. .. .. وكان في قمة السعادة .
* نشرت بجريدتي: (الأغوار) الحائطية بكلية الفنون وجريدة الرأي العام الإسبوعي - 1969
|
خدمات المحتوى
|
خلف الله عبود الشريف
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|