نحو صحافة حرة ومسؤولة
05-06-2019 12:32 AM
صادف يوم الجمعة الماضي الثالث من مايو الذكرى الثامنة والعشرين لليوم العالمي لحرية الصحافة والذي درج العالم أجمع على الاحتفاء به في هذا التاريخ من كل عام للدفاع عن حرية التعبير وسلامة الصحافيين، وقد جاء اختيار هذا التاريخ للتذكير بإعلان ويندهوك التاريخي الذي كان ثمرة اجتماع للصحافيين الأفارقة نظّمته اليونسكو في ناميبيا في الثالث من مايو 1991م.
وينص الإعلان على أنّه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرّة ومستقلّة وقائمة على التعدّدية. وهذا شرط مسبق لضمان أمن الصحافيين أثناء تأدية مهامهم، ولكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة تحقيقاً سريعاً ودقيقاً، ويمثل هذا اليوم فرصة للصحافيين للاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييم حال حرية الصحافة في كل أنحاء العالم، والدفاع عن وسائط الإعلام أمام الهجمات التي تشن على حريتها، والإشادة بالصحافيين الذين فقدوا أرواحهم أثناء أداء واجبهم وإحياء ذكراهم. كما يتخذ هذا اليوم مناسبة لتذكير الحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة عبر صون الحق في حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل قبل ذلك وفوق ذلك ما نص عليه ديننا الحنيف، وهو يوم أيضاً لتأمل مهنيي وسائل الإعلام في قضيتَيْ حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة، ولما كان لكل عام ذكرى بيوم الصحافة العالمي شعار خاص وأهداف محددة، كان شعار هذا العام (من أجل الديمقراطية – الصحافة والانتخابات في زمن التضليل الإعلامي).
ولأن هذا يوم لا يمكن لي الازورار عنه ولأنه أيضاً يوم للاحتفاء بالصحافة وحريتها لهذا آليت على نفسي الاحتفاء به ولو بجهد المقل خاصة أن احتفال هذا العام يجيء وبلادنا تتنسم عبير الحرية بعد الإطاحة بالنظام الشمولي القابض الذي كتم على أنفاس الصحافة، وتراوحت ألاعيبه عليها بالاستئناس والتدجين مرة والترهيب والتخويف مرات لتعيش الصحافة أسوأ فترات تاريخها، ومن المؤمل بعد إزاحة هذا الكابوس أن يعود للصحافة وضعها لتمارس دورها المهني الصحيح في إحداث التوازن المطلوب بين الحرية والمسؤولية وتحصل على حقها الكامل في امتلاك المعلومات والحقائق التي هي سداة العمل الصحفي ولحمته فلن تنهض صحافة وتتطور في ظل تغييبها وتهميشها وإقعادها عن أداء هذا الدور الذي هو حق أصيل للرأي العام قبل أن يكون للصحافة التي اكتسبته بالوكالة، وبالضرورة ليس هناك حق مطلق سوى الذات الإلهية فمقابل أي حق هناك واجب ومسؤولية.
فإن تتمتع الصحافة بحقها في الحرية فذلك لا يعني انها حرية بلا سقوف تجعل من الصحفي ديكتاتوراً يكتب ما يشاء وبالطريقة التي يشاء ومتى يشاء، يسب ويشتم من يريد بلا حيثيات وإنما على سبيل الابتزاز والانتصار للذات وشح النفس ويثير الفتن والنعرات وينشر الأكاذيب والأباطيل، ويمارس القذف والنميمة وإشانة السمعة، ويلوّن الأخبار ويجيّر المعلومات ويلوي عنقها لخدمة أهداف لا صلة لها بالحقيقة، ويلهث وراء الإثارة الضارة التي تبلبل أفكار الناس وتشوّش عليهم، إلى آخر مثل هذه الممارسات والأساليب التي لا تخرج الممارسة الصحافية عن إطارها المهني الصحيح فحسب بل تجعل من مقترفها مرتكباً جريمة استحق عليها عقاب القضاء.
فالصحافة الحقة ليست ناشزا (تدور على حل شعرها)، وليست هي (فاتية لسانها متبري منها) تمارس عملها على طريقة (البنريدو بنولع ليهو اللمبة والما بنريدو بنحرش عليهو الكلبة)، على النحو الذي مارسته صحافة الجبهة الإسلامية خلال العهد الديمقراطي الذي أعقب انتفاضة أبريل، فظهرت مسميات قبيحة مثل (منتشة) الذي أطلقوه على مولانا أحمد الميرغني رحمه الله الذي كان يرأس مجلس رأس الدولة حينها، وذلك سخرية منه على طريقة قراءته للآية الكريمة (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء).. إلى آخر الآية الكريمة، ومثل لقب (التوم كديس) الذي أطلقوه على وزير الإعلام عن الحزب الاتحادي وقتها، التوم محمد التوم، و(البراميلي) الذي ألصقوه بعبد السلام الخليفة، وغيرها من مسميات تدخل في عداد التنابذ بالألقاب.
فالصحافة مهنة محترمة ومسؤولة وهي لسان حال ومقال الأمة بأجمعها تنوب عن الجماهير في عكس آلامها والتعبير عن آمالها الآنية والتبشير بتطلعاتها المستقبلية، وهي عين الشعب التي تراقب ومنظاره الذي يفحص ويكشف مواطن الخلل ومكامن الفساد والقصور، وهي مصباحه الذي يسلط الأضواء على البؤر المعتمة والمظلمة، وهي طبيبه الذي يضع يده على الداء، ومهنة بهذه الجسامة والضخامة من المسؤوليات كان لا بد لها أن تؤديها بكل دقة وصدق وموضوعية وتوازن ولهذا أحاطت نفسها بسياج من المحددات والأخلاقيات والاستحقاقات المهنية التي تعصمها ما أمكن من الانزلاق هي نفسها في مهاوي الفساد.
الجريدة
|
خدمات المحتوى
|
حيدر المكاشفي
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|