المقالات
السياسة
مريم الصادق (4)
مريم الصادق (4)
05-12-2019 04:51 AM

حاولت تفهم تصريحك المبرر لزيارة الأمارات الذي فحواه أنك تودين تقديم الشكر لشيوخها على دعمهم الثورة السودانية. هذا واحد من المزاعم "الترامبية" التي تتطلب درجة عالية من عدم الحساسية تجاه إنكار الواقع وخلق حقائق بديلة. علماء النفس يسمونها النرجسية، ولكني أعتقد أن مبعث انعدام الحساسية لديك يعود لمناخ التربية بدرجة كبيرة.

ذات اتصال هاتفي معك بغرض اجراء مقابلة إذاعية، اعتذرت لي كربة أسرة هميمة، بأنك بصدد إعداد وجبة الغداء للأولاد. هذه الحنية لا يمكن أن تتجزأ، هي موقف وجودي. من ينجب ويعتني بصغاره يعرف حرقة الحشا وإحساس الأمومة وقيمة فلذات الأكباد. لذا قبل اقدامك على زيارة الامارات التي هرول لها الكثير من القادة السياسيين سرا، كنت أتوقع أنك ستزورين في المبتدأ الأسر التي قدمت أولادها وقودا للثورة. هؤلاء الشباب اليفع الذي سالت دماؤهم رخيصة في سبيل فجر الخلاص. تضحيتهم هي التي أتاحت لك فرصة التقدم للواجهة بحكم راس المال السياسي الموروث وليس بسبب أي مكاسب شخصية لك، لأنه وبسحب رأيي هناك في الساحة الكثير من الكنداكات المتعلمات، وذوات تجربة وكفاءة وسجل تضحيات أكثر منك بكثير وأجدر بتحمل العبء السياسي للمرحلة القادمة.

أعرف أن عقلية الطائفة تضع حدا فاصلا بين المتناسلين منها وبين أبناء الآخرين من عامة الشعب. لهم جسدهم وقيمهم وتوقعاتهم وللشعب أخرى. هذا الفصل يستوجب تعدد المعايير في الحكم على الكفاءة وعلى تقييم الشخص، لذا تم تعديل الدستور في زمان سابق كي يتمكن والدك من تولي رئاسة الوزارة رغم أنه كان دون السن المطلوبة بحكم القانون والدستور. لذا فمكانك محجوز في أول الصف دائما وبموافقة ومباركة الآخرين، حتى في لحظة الثورة المفصلية هذه تجدين طريقك لطاولة المفاوضات دون اعتراض من أحد ولا تتوقعين غير ذلك.

بموجب هذه القسمة أيضا تصير رعاية أولادك وموعد وجبة غدائهم أهم من كلمتين تلاتة عبر الراديو عن قضايا الوطن. وتصير بالمقابل دم أبناء الشعب رخيصة للدرجة التي لا تدفعك للتفكير مرتين قبل الهرولة لشكر من يتربصون بالثورة ويعملون على ألا يشرق فجر الحرية أبدا في السودان، وألا تتم محاسبة من سفك دماء أطفال وشباب السودان. شيوخ الأمارات عملوا وما زالوا يعملون على ألا يبزغ فجر الحرية في السودان. هذه حقيقة يعرفها حتى البعيدين من تفاصيل الصراع الحاصل، والأموال التي يدفعونها الآن للعسكر هي لسند قفاهم حتى يتفرغوا للمماطلة والتسويف كي لا تعود الحقوق لأهلها، وكي لا يجد القصاص طريقه، ومع ذلك تحاولين اقناع الثوار الذين ترينهم غافلين، بأن في ذلك خيرهم ونفعهم.
فيما تبقى من عشم يتولى والدك بمناوراته الكلامية تحويل القضايا المبدئية الواضحة لمغالطات سياسية وإجرائية حول الوثيقة الدستورية وحول وثيقة الحرية والتغيير. خطورة المعارك الكلامية والسجالات أنها تتمدد أفقيا و تضيع معها ملامح القضية الأصلية. ليس الخلاف هنا حول المحاصصة بين العسكر والمدنيين كما يعتقد للوهلة الأولى، ولا حول الوثيقة الدستورية في حد ذاتها، ولكنه صراع مصيري لقوى الثورة حول مبدأ المحاسبة. حكومة مدنية بصلاحيات كاملة وأغلبية مدنية في مجلس السيادة تعني القدرة على رد الحقوق والمحاسبة على الدماء التي أريقت.
وتعني أيضا رد الكرامة للجندي السودان وانتشاله من وضعية المرتزق في حروب شيوخ النفط الاجرامية ضد الشعب اليمني.

مر حين على السودان كانت الكلمة تأخذ مشروعيتها من قائلها وليس من جرعة الحقيقة التي تحويها ولكن الحقل الاجتماعي لمثل هذه السلطة التي كانت تسوق ما تشاء من مقولات قد تآكل، وبرز جيل جديد بوعي جديد. لم يعد الواقع معقدا كما كان الساسة يوحون لنا في السابق. أصبحت المعرفة متاحة، وتوفر المعلومة يرفع من قدرة الناس على اختلاف مستوياتهم على التحليل والتفسير. أعرف أن كل فتاة بأبيها معجبة ولكن انصحك بالبحث عن الحكمة والمعرفة في مظان أخرى وفي الواقع الحي بين الناس والثوار ومحاولة تحدث لغتهم والتقاط حساسيتهم. الشيء الموجب والناصع في ثقافتنا السودانية هو احترام المرأة وتقديرها، ومن دوافع هذا التقدير أن أخصك بمثل هذا الخطاب الذي ينشد لك الحكمة والصدق في مقام الشأن العام، وفي حضرة الشعب الجدير بالاحترام.

إبراهيم حمودة





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 906

خدمات المحتوى


إبراهيم حمودة
إبراهيم حمودة

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة