التعليم العالي ما بين قلع الجذور وكنس الأثار
05-12-2019 03:33 PM
يعيش السودان والسودانيون، اليوم، في مفترق طرق ما بين ثورة كاملة الدسم من أبرز مبادئها الحرية والسلام والعدالة، وما بين أخر وأحدث إصدارة متطورة من ثورة الإنقاذ بعد إصدارات الإنقاذ نافع، والإنقاذ بكري، والإنقاذ وحدة وطنية، والإنقاذ كفاءات، ألا وهي الانقاذ المجلس العسكري. وقد كتب عثمان ميرغني صاحب عامود "حديث المدينة" في يوم الخميس 9 مايو 2019 موجها سؤالا إلى كل شابة وشاب سوداني، ماذا تريدون؟ ترقيع الأوضاع أم تأسيس دولة حديثة؟ وقد ينطبق هذا التساؤل على كل فئة من فئات المجتمع السوداني ومؤسساته. ومن أكثر المؤسسات حساسية التعليم العالي. فبُعيد عيد الفطر المبارك وظهور نتيجة الشهادة السودانية، سوف ينشغل الآباء والأمهات برغبات ابنائهم وبناتهم، وينشغل الناس عامة والأساتذة خاصة بتغيير المُدراء وبعض العمداء خاصة عمداء شؤون الطلاب في كل الجامعات ويتم إعلان تحرير الجامعات من الحكومة العميقة، لكي يكتشفوا أن الثورة وشعاراتها لم يتحقق منها شيء سوى تغير مدير بمدير وعميد بعميد. حيث أن القوانين واللوائح الفاسدة تظل قائمة. وأبرز قضيتين لا تتحملان المماطلة كما يفعل المجلس العسكري مع قوي الحرية والتغيير هما نظام القبول والرسوم الدراسية. فبالنسبة لنظام القبول هناك أكثر من فئة من فئات القبول، أفرزت على مدى 25 عامة تركيبة طلابية غير مُتجانسة أكاديميا أو اجتماعيا، ولا تستقيم وشعارات ثورة 19 ديسمبر. ومن هذه الفئات فئة القبول الولائي الذي ظل سيفاً مسلطا على شريحة مُحددة من الطلاب السودانيين، الذي على أثره صنف الطلاب إلى فئتين أبرزها فئة طلاب الولايات الأقل نموا، والمفارقة ومُنذ إصدار هذا القانون المعين أن الولايات الأقل نمواً هن 23 من 25 ولاية من ولايات السودان في ذلك الزمان، كأن الاستثناء هو الأصل والأصل هو الاستثناء ويظل الوضع عليه إلى هذا الوقت، بل سوف يستمر إلى سنين عُدة إذا لم يتم قلع هذا القانون المشوه والمشوه للتركيبة الطلابية بالجامعات. وهناك فئة القبول الخاص التي تتيح للطالب الأقل كفاءة أن يُقبل بالجامعة بمقابل رسوم خاصة والتي في بعض الأحيان تُحسب بالعملة الأجنبية، وكذلك فئة أبناء العاملين من أساتذة وموظفين وعمال، بالرغم من أنهم موظفين لحكومة السودان ويتقاضون مرتباتهم من دافع الضرائب السوداني بغض النظر عن مهنته، إضافة إلى القبول العام نجد في بعض الأوقات قبول الاتفاقيات، قد يتفاجأ أستاذ في جامعة وفي سنة خاصة بطلاب بعد انقضاء جل الفصل الدراسي يقولون بأنهم طلائع جبهة الشرق أو ابناء الجبال الشرقية او ما شابه ذلك. وفيما يخص الرسوم الدراسية فهي قارب تُرك علي حبل كل جامعة، ففي جامعة الخرطوم جدد مجلس الجامعة في اجتماعه رقم 146 الذي أنعقد يوم الخمس 2/8/2018 جدد التكليف للهيئة الاستثمارية بإكمال دراسة التكلفة الحقيقية للطالب حتى يتخذ قرار بشأن المصروفات الدراسية للطلاب الجدد- ملحوظة الطلاب الجدد هم طلاب العام 2019 – 2020 سوف يتم توزيعهم بعد عيد الفطر بوصفهم طلائع لثورة 19 ديسمبر بأذن الله-. وقد يشير هذا الأمر إلى أن ربما الجامعة تفرض رسوم توازي التكلفة الحقيقية، وهي قد لا ترتبط بتكلفة التجهيزات الدراسية بل كل ما يرتبط باقتصاديات التعليم من مرتبات عاملين وإيجار قاعات وتكلفة كهرباء وماء ونفايات... وقد تطول قائمة البنود، وقد تدعى كل جامعة بأنها متميزة فلها الحق في فرض الرسوم، مُتناسية أنها بُنيت وأسست وتُدفع لها التكلفة من دافع الضرائب السوداني، وليس هي مؤسسة خاصة. الذين يعتقدون أن تغير الكوادر هو قلع الجذور، يكونون كمن نادى بكنس الآثار، ففي صيف 1986 قرأ مذيع تلفزيون السودان أول خبر عن كنس أثار مايو، من قاعة مجلس الشعب التي تم تحويلها إلى الجمعية التأسيسية. وللذين ليس لهم وسواس الأرقام ان قاعة الشعب تم تسويرها بسور مكون على سلسلة من الأعمدة في كل حزمة هناك ثلاثيين عامودا، منها خمسة وعشرون عاموداً قصيراً ومنها خمسة أعمدة طويلة للإشارة إلى 25 مايو، فما كان من الكناس الأعظم الذي سخرت منه صحف الخرطوم في اليوم التالي، إلا القيام بقطع الجزء الأعلى من إحدى الأعمدة الخمسة الطويلة، لتصير ستة وعشرين عامود قصير واربعة أعمدة طويلة. – محلوظة إذا كنت ذاهباً للخرطوم من أم درمان يمكن أن تتأكد من هذا الأمر في مجلس الولايات – وأُتبع الخبر بصور الجمع الغفير من المهللين والمكبرين بكنس أثار مايو وأنتقل المذيع للخبر التالي بالرغم من أن اللوائح والقوانين، بما فيها قوانين سبتمبر، ظلت جاثمة علي صدر السودان إلى يومنا هذا. هل بعد ثلاثة وثلاثين سنة من السنين العجاف، يُرقع أمر التعليم العالي بكنس الآثار بتغير مدير بمدير دون اقتلاع الجذور بتغيير القوانين واللوائح.
د. فضل المولى عبد الرضي الشيخ. أستاذ مشارك – جامعة الخرطوم
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
د. فضل المولى عبد الرضي الشيخ
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|