ثورة السودان الشاملة ,, دارفور قلبها
05-13-2019 02:58 PM
حينما بدات رياح ثورة التغيير تهب في ارجاء السودان في الشتاء الماضي , منذرة بانهاء عقود من حكم الفساد
و الدمار , كان البشير يبحث عن كبش فداء . حينها وجد ايوب عمر .
ايوب عمر ذو ال 28 عام و الطبيب البيطري و الذى هو من ابناء اقليم دارفور تم خطفه بواسطة قوات امن
نظام البشير من امام السكن الجامعي بالخرطوم و ذلك في يوم 22 ديسمبر 2018 بعد ايام قليلة من اول تظاهرة
ضد النظام . اقتيد قسرا الي مسكن امن و هناك قال ايوب انه تم استجوابه و تعذيبه بصقعه بالكهرباء , و بعد ايام
قليلة اجبر علي الجلوس امام كاميرا و اجبر علي قراءة ورقة معدة سلفا . و تم تسجيل ما قاله ايوب و بث بالصوت و الصورة
عبر تلفزيون السودان الحكومي الذى اطل عبره ايوب و هو يقول ( لقد اشتركت في هذه التظاهرات , كنت احمل
حقيبة و سكين )
كانت هذه المحنة التي تعرض لها ايوب جزء من حملة دعائية منظمة قادها جهاز امن نظام البشير لوصم الانتفاضة
بانها تمرد يقوده مخربون من دارفور , علما بان دارفور هي المنطقة الغربية من السودان و التي تم ازهاق ارواح
300 الف من مواطنيها منذ العام 2003 و ذلك في حملات وحشية من قبل حكومة البشير . تم فيها السلب و النهب
و القتل و الاغتصاب . جهاز الامن الوطني ادعي ان عمر و معه خمسة شباب اخرون ينحدرون من دارفور ( اجبروا
ايضا علي الاعتراف قسرا عبر التلفاز ), تم تدريبهم علي اعمال التخريب في اسرائيل .
فشلت هذه التمثيلية فشلا ذريعا , و هزم البشير ايما هزيمة . لا تتمثل هزيمته فقط في خلعه بواسطة زملائه الضباط و ايداعه في
السجن فقط و انما ايضا بخروج ابناء دارفور يهتفون باعلي اصواتهم و بما اوتوا من مشاعر ملتهبة مساهمين في اذكاء هذه
الثورة التي اطاحت به .عاني الدارفوريون الامرين من هذا النظام الذى اشعل الحروب في مناطقهم و عاملهم اسوا معاملة .
لقد وجد الدارفوريون في الثورة فرصتهم في اسماع اصواتهم بصورة لم يعهدوها من قبل . خارج مباني قيادة الجيش العامة
يقف الدارفوريون مع اخوانهم السودانيين بكل شموخ مطالبين بالانتقال السريع و السلس للسلطة الي حكومة مدنية . يقف
الدارفوريون هناك بكل شمم امام مباني الجيش الذى يتبع لنظام كان في السابق لا يدخر وسعا في اضطهادهم لعدة سنوات .
بعضهم يحمل لافتات بها صور توضح المجازر التي ارتكبت في جقهم ,, جثث متكدسة , قري محترقة , و ضحايا الاغتصاب
الذين يفترشون الارض و هم في حالة وجوم و صمت .
في الطرق قبالة قيادة الجيش العامة يعقد شباب دارفور العديد من المخاطبات التي تنادي بوضوح بضرورة ارسال البشير المتواجد
حاليا بسجن كوبر في العاصمة , الي محكمة الجنايات الدولية ليحكم عليه بموجب تهم اشعال الحروب و التطهير العرقي في دارفور
و الذى ظل نظامه ينتهجه طيلة عقد كامل من الزمان .
مرات عديدة ياتي الثوار الي اخوتهم الدارفوريين في اماكن اعتصامهم و اعينهم تفيض بالدمع , معبرين عن كامل تضامنهم و اسفهم
علي سنوات المعاناة التي عاشها اخوانهم في دارفور تحت قبضة حكم البشير التي لا ترحم .
يقول ادم عثمان و هو طالب جامعي بعمر ال 23 عاما ( اليوم نحن فخورون بكوننا سودانيين , لقد ولدنا من جديد , نحن الان
نحدث التغيير في وطننا , انا اشعر بانني احلق بلا اجنحة ) . ادم عثمان من منطقة جبل مرة بغرب دارفور و قد تعرضت هذه المنطقة
لسياسة الارض المحروقة من قبل النظام في العام 2016 و هذا بالضبط ما اكدت عليه منظمة العفو الدولية . يقاطع الثوار حديث ادم
بين الفينة و الاخري هاتفين و منددين بالنظام المخلوع ( يا دارفوري نحنا اخوانك , ما بنسكت للكوز الهانك ) .
في خضم فرحة الناس و امالهم العريضة تشوب احاسيسهم مشاعر الحذر و الخوف مما هو ات في مستقبل السودان القريب . المحادثات
بين ممثلي الثوار و جنرالات الجيش حول من سيحكم في الفترة الانتقالية قبل الانتخابات هي الان في اسبوعها الخامس و اصبح تعنت الجنرالات خلال
المحادثات مصدرا لغضب الثوار و حنقهم المتذايد .
في الاربعاء الماضي هدد ممثلوا الثوار المتفاوضون مع المجلس العسكري بالدخول في عصيان مدني , بما في ذلك اضرابات جماعية عن العمل
اذا لم تنفذ مطالب الثوار . جنرالات الجيش في المجلس العسكري تعهدوا بعدم فض الاعتصام بالقوة و لكنهم بالمقابل لم يبدوا اي مرونة
خلال التفاوض .
الدارفوريون علي وجه الخصوص لديهم اسبابهم لابداء القلق . نفس جنرالات المجلس العسكري الذين اطاحوا بعمر البشير هم من قادوا الحرب
في دارفور ضد الدارفوريين في العقد الاول من هذه الالفية . تجاوزت الحرب حدود كونها عرقية في الاساس الي ماساة انسانية و التي
لفتت انتباه مشاهير النجوم من طينة الممثل العالمي جورج كلوني , و هذا ما اكد علي وحشية هذا النظام المنبوذ عالميا , و اوضح بجلاء لماذا
قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات عليه حتي من قبل حدوث المجازر في دارفور .
بعض قادة الحركات المسلحة في دارفور اعلنوا وقف اطلاق النار في العام 2015 مع حدوث بعض الخروقات هنا و هناك . هنا تفرغ
جنرالات الجيش الموالين للنظام الي مشاريع اخري ,, تجنيد صغار السن من ابناء دارفور لارسالهم للحرب في اليمن و التي تقودها السعودية .
عدد من جنرالات البشير كونوا ثروات من هذه المناطق و ذلك عبر الانخراط في مشاريع مثل التنقيب عن الذهب و تجارة الماشية و الدخول
في شراكة مع الاتحاد الاوروبي لخنق الهجرة غير الشرعية الي اوروبا عبر صحراء السودان الشرقية . عدد كبير من جنرالات
نظام البشير لا يبدون مشاعر الاسف علي ادوارهم في حروب دارفور . ( نحن نقاتل المتمردين و ليس المواطنين ) هكذا صرح الفريق صلاح
عبد الخالق قائد القوات الجوية في الجيش السوداني و احد قدامي الضالعين في احداث دارفور في مقابلة اجريت معه و عبرها انكر الرجل ضلوع
الجيش في ارتكاب اي فظائع في دارفور .
بينما يتعامل افراد الجيش السوداني بكل الرفق مع الثوار خارج اسوار القيادة العامة للجيش في الخرطوم , تبدو الصورة مغايرة و وحشية في دارفور
البعيدة عن فلاشات عدسات الكاميرات الحديثة . في يوم الاحد قبل الماضي قام جنود باطلاق النار علي متظاهر و اردوه قتيلا و ذلك في اعتصام خارج
قاعدة عسكرية بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور .
قام نظام البشير باغتيال 90 ثائرا في كل انحاء السودان خلال هذه الثورة التي انطلقت شرارتها في ديسمبر من العام الماضي . من جملة التسعين
قتيل يوجد 14 منهم تم قتلهم في دارفور لوحدها , و هو اكبر من اي عدد تم قتله في اي منطقة من السودان خارج العاصمة الخرطوم . هذا علي حسب
افادة اللجنة المركزية لاطباء السودان التي تتابع عدد الجرحي و القتلي يوما بيوم .
من اجل كل ذلك يتمني اهل دارفور بكل قوة ان تقوم الثورة الحالية بالتغيير الجذري لكل شيء في الواقع السوداني .
في احدي ليالي الاسبوع الماضي استلقي المقداد ارضا علي الشارع خارج القيادة العامة لينام و هو في غاية التعب و لكن كانت السعادة تملا قلبه . مقداد الطالب
الجامعي ذو ال21 عاما وصل الي الخرطوم , ضمن الواصلين علي متن بص من ضمن فوج مكون من ستة باصات والتي سارت مسافة 900 ميل
علي مدي ثلاثة ايام قادمة من الجنينة في غرب دارفور . عدد من اعمام المقداد و اخواله قتلوا في حرب دارفور , هكذا اخبرنا , و تعيش اسرته
في معكسر للنازحين و الذي يعتمد سكانه علي الاغاثات العالمية للبقاء علي قيد الحياة . الان فقط يشعر مقداد ان كيانه قد احترم و ان صوته اصبح مسموعا
في العاصمة الخرطوم . ( حينما يبح صوتي من الهتاف ) اخبرنا مقداد و هو يشير الي صافرة تتدلي من رباط ملتف حول عنقه ( استخدم هذه ) .
لجا عمر البشير لتثبيت نظام حكمه الي تصرفات مقيتة هادفا الي اثارة النعرات القبلية و ادي ذلك الي قيام الحروب التي نكل عبرها بالسودانيين .
لكن محاولة تصوير الحراك الثوري الاخير من قبل البشير و نظامه بانه حركة تخريبية من ابناء دارفور فشلت فشلا ذريعا و ارتد سريعا الي صدره .
فمباشرة بعد ظهور ايوب و رفاقه الخمسة عبر التلفاز القومي في ديسمبر من العام الماضي و ادلائهم بالاعتراف الذي تم تحت تاثير التنكيل و التعذيب كما
ذكرنا انفا , خرج كل الثوار السودانيين يهتفون بهتافهم الجديد حينها ( يالعنصري المغرور , كل البلد دارفور ).
( التمميز الذى مارسه البشير و نظامه ضد اهل دارفور ترك في نفوسهم اثارا عميقة لن تمحي بسهولة ) هكذا قالت لنا ايثار ابراهيم ذات الثلاثين عاما
و التي تعمل كطبيبة . و من الجدير ذكره ان الدكتورة ايثار هي بنت الدكتور خليل ابراهيم المعارض الدارفوري البارز و هو مؤسس حركة العدل و المساواة
و قد تم اغتياله في عملية تفجير استهدفته في العام 2011 , و يقود الحركة من بعده اخوه جبريل خليل . تقول دكتورة ايثار ابراهيم و هي التي لم
تنخرط يوما في عمل مسلح ( اهل دارفور يطالبون بالتحقيق و المساءلة حول الفظائع التي ارتكبت في حقهم في السابق . لبناء وطن جديد يجب ان تتحقق العدالة )
لكن يبدو ذلك حلم صعب التحقيق في ظل حكم المجلس العسكري الانتقالي الحالي , لان قواد هذا المجلس انفسهم من المفترض ان يحقق معهم حول دورهم
في حروب دارفور . الفريق اول عبدالفتاح البرهان كان يوما من الايام من القادة الذين تورطوا فيها . اما نائبه الفريق محمد حمدان الشهير ب ( حميدتي )
فهو قائد قوات الدعم السريع و هي القوات التي كونت من مليشيات الجنجويد . تلكم المليشيات التي كانت تمتطي الجياد و قد ارتكبت ابشع الفظائع في دارفور .
كلا الرجلين ( البرهان و حميدتي ) يلقيان كامل الدعم و المساندة من المملكة العربية السعودية و الامارات العربية المتحدة و هما الدولتان اللتان تناصبان العداء
لثورات الشعوب علي امتداد الشرق الاوسط .
( يجب الا نغفر له ما فعل ) هذا ما قاله ايوب الذي تم تعذيبه و التنكيل به , في اشارة الي حميدتي . ( اي كائن من كان تورط في جرائم دارفور يجب
ان يخضع لمحاكمة . لن نقبل باي شىء اخر ) . اذا تم اجهاض الثورة السودانية و رفض جنرالات المجلس العسكري تسليم السلطة الي مدنيين بعض نشطاء دارفور
يقولون بان التفاؤل سيتحول الي خيبة امل و احباط الامر الذى سيقود الي انفصام عروة وحدة الشعب و قد يؤدي ذلك في النهاية الي تقسيم السودان اكثر و اكثر .
و لكن الان , فان ايوب عمر و هو المناصر لحركات دارفور المسلحة يؤمن بقوة الثورة السلمية . ( لقد استطاع السودانيون ان يكسروا حاجز الخوف ) هكذا
قال لنا ايوب عمر و هو يودعنا , و ختم حديثه قائلا ( الثورة احيت و اذكت روح الحوار بين الناس و خلقت مساحات للوحدة بينهم , و هذا ما نحتاجه لكي
نصنع بايدينا وطننا الذى نصبو اليه ) .
مقال بقلم ديلكان والش
نشر بصحيفة نيويروك تايمز بتاريخ 11/5/2019
ترجمة معتز وديدي
|
خدمات المحتوى
|
ديلكان والش
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|