بيان غير موفق
05-16-2019 05:18 PM
بيان غير موفق
بعد منتصف الليل وعند الساعات الاولى من فجر الخميس 11/ رمضان/1440هـ بدأت معظم الفضائيات وبعض القنوات السودانية تشير في شريطها الاخباري الى ترقب بيان هام لرئيس المجلس العسكري الانتقالي بعد قليل، وحبس الناس أنفاسهم، وبدأت التساؤلات لماذا هذا التوقيت تحديدا ؟ ولم العجلة ؟ الا يمكن تأجيل اصدار البيان عند الساعة 9 من صباح الخميس مثلا؟ وكثرت التكهنات والتوقعات عن نوعية البيان في هذا التوقيت الغريب العجيب ؟ لاسيما انه البيان الثاني لرئيس المجلس الذي لم يحرك ساكنا منذ بيانه الاول ؟ بعضهم تفاءل وذهب الى ان البيان سيكشف عن من تسببوا في قتل الثوار يومي 9/10/رمضان والجهة التي قامت بذلك، وراى البعض ان الغرض من البيان تقديم رئيس المجلس لاستقالته حسب ماتسرب مؤخرا ، ورأى آخرين ان الغرض هو الرجوع عن ماتم التوصل والتوافق عليه بين المجلس وقوى اعلان الحرية والتغيير نتيجة ضغوط تمارسها بعض الجهات الموالية للنظام المخلوع على المجلس العسكري ،وهكذا ذهب الناس كل يفسر حسب هواه ومايعتقد ويتفق مع الظروف والمعطيات الراهنة ، وعند الساعة الثانية صباحا ظهر رئيس المجلس وتلى بيانه بما اشتمل عليه من : وقف للتفاوض لمدة(72 ) ساعة واستفزاز للجيش ، وقفل للطرق والكباري وتعطيل لسير القطارات، وتصعيد في الموقف ضد المجلس والدعم السريع من جانب احد قوى اعلان الحرية والتغيير ----الخ وفي الحقيقة انني لم أجد أي مبرر لما اشتمل عليه البيان ينطوي على قدر من الاهمية أو على الاقل أمر خطير عاجل يقتضي اعلانه في التوقيت المعلن عنه، وان ماتضمنه البيان في تقديري لايعتبر من الامور العاجلة التي لاتحتمل التأخير هذا من جهة ومن ناحية أخرى فانه لايستحق ان يصدر في شكل بيان هام حتى ومن رئيس المجلس ذاته بحسبانه أمر في غاية البساطة في تقديري كان يمكن ان تقوم به لجنة صغيرة مشتركة تضم اعضاء من المجلس ومن اعلان قوى الحرية والتغيير بدلا من صب الزيت على النار بعبارات التصعيد، وتعليق التفاوض ، ودخول جهات مسلحة الى ساحة الاعتصام وكأن المجلس يريد بهذا البيان ارسال رسالة لقوى الحرية والتغيير مضمونها ومايفهم منها إن بامكاننا تجاهلكم واخراجكم من طاولة الحوار والتفاوض، واننا سنقوم بالتفاوض مع القوى السياسية والمدنية الأخرى (كنصرة الشريعة والقانون مثلا) بينما الواجب عليه تقدير ظروف واحتياجات ومتطلبات الثورة ، وتفهم مطالب الشباب وجسّ نبضهم المتطلع للحرية والسلام بالفعل ، والعمل على تنفيذها وبذل الغالي والنفيس لإخراج الوطن من محنته في هذا المنعطف التاريخي الحاد جدا طالما ارتضى خيار الانحياز للشعب في اللحظات الاخيرة .
في تقديري أن البيان ومضمونه لم يكن موفقا ابدا في هذا التوقيت تحديدا لاسيما بعد ان اصبح التوافق بين المجلس وقوى اعلان الحرية والتغيير (قاب قوسين وأدنى)، بالاضافة الى انه سيزيد الكثير من علامات الاستفهام الدائرة في مخيلة عدد كبير من ابناء وبنات الشعب السوداني في عدم جدية المجلس تسليم السلطة للمدنيين ، علاوة على مساسه بثوابت اصيلة في مسيرة الثورة وانها ثورة صنعها شباب وشابات السودان المعتصمين امام القيادة، ولاعلاقة لمن يحاولون اعتلاء واجهاتها الان بها ، وان أبسط مايتمسكك به الشباب لتحقيق شعارات ثورتهم هو صنع وحراسة هذه المتاريس،بالاضافة لصدور عارية لتلقي واستقبال الرصاص والاستشهاد دفاعا عن الوطن وتحقيق شعارات الثورة الباذخة، وهذه أمور يجب وماكان ينبغي ان تزعج المجلس الموقر أو تشكل تحديا وهاجسا له ، او أمرا خطراً يضطره لاصدار بيان مع مواعيد السحور الرمضاني، لاسيما اذا ماعقدنا مقارنة بين المهام الجسام التي علي المجلس القيام بها واقلها تحجيم الفساد والقبض على كافة رموز النظام المقتلع والاسراع في تسليم السلطة وتصفية ملامح العهد البائد .
نعم كان يجب على المجلس الموقر اعتبار المتاريس رافد اصيل من روافد الثورة، ومؤشر طبيعي للغاية لحالة الكبت والحرمان والاذى النفسي الذي عانى منه هولاء الشباب لمدة 30 سنة متواصلة، وان ليس لهم وسيلة دفاع تحميهم من رصاص الغدر والخيانة خلافها ،مع استصحاب انه لاتوجد في الاصل شوارع وطرق مؤهلة بمواصفات الطرق الحديثة،ولاتنمية ، ولاسكك حديد قادرة على احداث التنمية المستدامة والاسهام في نقل البضائع مع انعدام أي بضائع وانتاج اصلا وأي بنية تحتية وان هولاء الشباب بالمقابل لم يرثوا من النظام المخلوع سوى المعاناة والبؤس والفقر المدقع وانعدام ابسط مقومات الحياة الشريفة للمواطن السوداني ولذا اعتقد انه كان من الافضل للمجلس العسكري ان تظل هذه التروس قائمة والكباري مغلقة الى حين قيام الحكومة المنتخبة بالاصلاح الشامل وفقا للاسس والمعايير والمطابقة للمواصفات العالمية والى حين تحقيق التنمية المستدامة بدلا من إذاعة هذا البيان غير الموفق ابدا والذي سيؤدي بالضرورة الى انسداد الافق مرة أخرى وإطالة عذاب ومعاناة الشعب السوداني ونأمل أن يتدارك وتفهم العقلاء والمجلس وقوى إعلان الحرية والتغيير طبيعة المرحلة وظروفها الحرجة بالغة التعقيد قبل التفكير في اصدار اي بيانات او تقارير صحفية او اعلامية .
طارق الأمين علي إدريس
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
طارق الأمين علي إدريس
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|