الإعلام بين الثورة و الفكر
05-18-2019 05:22 AM
الإعلام بين الثورة و الفكر
المتوقع أن تنتج الثورة رؤية جديدة للعمل الإعلامي تتجاوز العمل التقليدي الذي فرضته شروط النظم الشمولية في البلاد، منذ انقلاب إبراهيم عبود في 17 نوفمبر 1958م مرورا بالسلطة المايوية حتى نظام الإنقاذ الذي مزجتها بالأيديولوجية و تختلف عن سابقتها، حيث أصبحت السلطة مسيطرة سيطرة كاملة علي الأجهزة الإعلامية، حيث تم في بداية الإنقاذ تفريغ الأجهزة من الإعلاميين، و استبدالهم بآهل الولاء، خاصة في القنوات التلفزيونية، كانت هذه الإجراءات لابد أن تؤثر علي أداء هذه الأجهزة، و بعد المفاصلة أصبحت هناك رقابة مباشرة علي الأجهزة و أداءها. حيث كانت تقع مراقبتها بشكل مباشر من قبل جهاز الأمن و المخابرات، و هو الذي يقوم بترشح قيادات للأجهزة الإعلامية لرئاسة الجمهورية، و كان رئيس الجمهورية بنفسه يراقب العمل الإعلامي بصورة مباشرة و خاصة أداء الأجهزة الإعلامية في تناول القضايا السياسية، و قد أتضح ذلك عندما قرر وزير الإعلام عبد الله مسار إقالة مدير وكالة الأنباء السودانية فتمت إقالة الوزير من قبل رئيس الجمهورية، و عدم المساس بمدير الوكالة، لكي يؤكد الرئيس في قراره أن الإعلام ليس إدارة تقع مسؤوليتها علي وزير الإعلام، أنما وزير الإعلام مهمته أن ينفذ فقط ما ينقل له فقط دون التدخل بشكل مباشر في أدارة الأجهزة الإعلامية.
كان أيضا متوقعا أن تحدث خضة في العمل الإعلامي، في الانتقال من مرحلة الحكم الشمولي إلي مرحلة التحول الديمقراطي، و يؤثر علي الأداء بصورة محسوسة لأنها تعتبر مرحلة إعادة التقيم و الإتزان، مرحلة تتغير فيها القناعات و تتغير فيها الثقافة، و حتى المصطلحات، تتغير فيها الإجراءات التي كان يفرضها الحكم الشمولي من خلال مراقبته المباشر في أداء الأجهزة و الأفراد، و إختفاء سريع لكل هذه الإجراءات، و يجعل الإعلام أمام مساحة واسعة من الحرية، يصبح مسؤول أمام الجماهير أكثر من أنه مسؤول أمام إدارته المباشرة، هذا التحول لابد أن يؤثر في أداء الكل، و أيضا في المادة و المضمون و اختيار المواضيع، و طبيعة طرح الأسئلة، من التناول السطحي للقضايا إلي سبر غوار المشكل و تفكيكه، هي المرحلة التي يظهر كل فرد فيها قدراته الحقيقية في الإبداع و العطاء، و يلعب فيها الإعلام الدور المحوري في عملية التغيير و التحول الديمقراطي.
الإعلامي الناجح ليس الذي ينتظر أن تقدم له الإدارة الموضوع و يقوم هو بالتنفيذ، أنما هو الذي يخلق مبادراته في العمل الإعلامي و يقدمها للإدارة، و التحولات السياسية و الاجتماعية في البلاد في أمس الحاجة أن يقدم الكل إبداعه في مجاله، و يقع علي الإعلاميين الدور الأكبر في تشكيل الرآى العام و في إنتاج الثقافة الديمقراطية، و المنابر الإعلامية مناط بها ملاقحة الأفكار، و نقل عملية الجدل السياسي من جل بيزنطي إلي جدل فكرى يزيد في وعي الجماهير و تبصيرها بدورها للحفاظ علي مكتسباتها و حقوقها، و في ذات الوقت القيام بواجباتها. فالتنمية أخذ وعطاء من الكل.
لعبت الأجهزة الإعلامية دورا في ترسيخ الثقافة الشمولية أكثر من خمس عقود هي التي حكمت فيها النظم الشمولية، و الآن مناط بها محاربة هذه الثقافة و هدم أعمدتها و إحلال محلها الثقافة الديمقراطية. من خلال ترسيخ قيم الديمقراطية في المجتمع، و نقدها للمظاهر السالبة في التعليم و في الإدارة و في الاقتصاد و في الرياضة و في الفنون و غيرها من الحقول الأخرى، و استبدالها بالثقافة الديمقراطية التي تتطلب مشاركة أكبر قطاع من الجماهير في العمل السياسي و الثقافي، باعتبار أن الثقافة الديمقراطية تنتج من خلال العمل الجماعي و توزيع السلطات و قبول الرآى الآخر، و فتح جميع النوافذ لتقديم المبادرات التي تساعد علي تطوير الأداء، و يقع عبء العمل فيها علي الإعلام،. الأمر الذي يتطلب اتساع في المعرفة و خيال خصب و قدرات عالية في الإبداع. و ينتقل الإعلام من دور توصيل الرسالة إلي الرسائل المتبادلة في الاتجاهات المتعاكسة، و حدوث حوار حول هذه الرسائل بين الجانبين.
الغائب الحقيق في العمل الإعلامي هو قيادة الحوار بالعمق الفكري، أي أن الحوارات السياسية السطحية لا تخدم قضية التغيير و التحولات في المجتمع الناهض، باعتبار أن الأسئلة الفكرية تساعد علي أكتشاف الجوانب غير الظاهرة في المشكل، و الأسباب التي تؤدي لهذه الظواهر، كما تساعد علي تغيير طريقة التفكير التقليدي إلي تفكير منهجي،. و أيضا الانتقال من المنهج التبريري الذي أتخذته النخبة السياسية منهجا لها للتغطية علي أخطائها و ضعف أدائها، إلي منهج نقدي يقوم بتفكيك المشكل و الغوص في أعماقها، دون محاباة أو مداراة بهدف التغطية علي الأخطاء، فالثقافة الديمقراطية هي ثقافة جديدة علي المجتمع و تحتاج إلي صمود و مواجهة التحديات بأتساع المعرفة و الصدور المتسعة و الأذهان المفتوحة.
و الحرية بقدر ما هي مطلب أساسي للعمل الإعلامي، أيضا هي تحدي يقع علي عاتق الإعلاميين في الكشف عن قدراتهم، إشاعة الحرية في المجتمع تبين القدرات الحقيقة للعاملين في هذا الحقل، فالحرية تجعل الإعلامي بين خيارين أن يكون مبدعا حقيقيا يثبت ذلك من خلال ما يقدم، أو يظل تنفيذي ينتظر المادة التي تقدم له لكي ينفذها، و قد انتهى هذا العهد. حيث جاء دور الإعلامي الشامل الذي يحرر و يعد و يخرج و يقوم بكل المهام. و النظام الديمقراطي و إشاعة الحرية فيه هو الذي يفجر الطاقات المختزن في الأفراد، و التحولات الاجتماعية و الديمقراطية في أمس الحاجة لهذه الطاقات الإبداعية، و خاصة في عهد الثورة لابد أن يشعر المواطن هناك بالفعل تغيير قد حدث في أداء هذه الأجهزة، ليس في تنوع البرامج بل في مضمونها و رسالتها و صورها الجمالية. نسأل الله حسن البصيرة.
زين العابدين صالح عبد الرحمن
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
زين العابدين صالح عبد الرحمن
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|