خواطر للتأمل.. نحو ثورة داخل ثورة
05-18-2019 03:14 PM
أستعير العنوان من كتاب المفكر الفرنسي ريجي دوبريه ” ثورة في الثورة ” الذي صدر في نهاية الستينيات من القرن الماضي . ولقد أسعفني في الدعوة لثورة داخل ثورتنا العظيمة.
فأنا أرى مثل زرقاء اليمامة، أشجارا تتحرك من بعيد، وهي فلول الثورة المضادة والفلول الاسلاموية تطبق بنجاح خطة اختراق الثورة والتخريب من داخلها بالنفخ على خلافات بسيطة ولكنها تتكاثر بين قوى “الحرية والتغيير” وفي منتهى السذاجة والغفلة ينفذ الثوار خطة الكيزان يريد الاخونجية إكثار وتوسيع الخلافات والتناقضات بين بعض عناصر الثورة وإبعاد المتعاطفين معها وللأسف يبتلع بعض الثوار الطعم ويستبطنوا خطط الكيزان وينفذونها شعورياً أو في غمرة الحماس والاندفاع.
يفترض في الثوري أن يكون بالضرورة مبدعاً وصاحب خيال وقدرة هائلة على الفهم والتوقع والتنبؤ، والدليل على ذلك رفضه للأمر الواقع وبحثه عن بديل أفضل أو تبنيه لمثل هذا البديل والسعي لتطبيقه.
الثورة علم وفن. ومن أبجديات القدرة على حشد وتعبئة الجماهير، والأهم القدرة على استمرار وتطوير هذا الحشد وألا يكون موسميا أو مؤقتا. وفي تعامل الثوري مع الجماهير والناس يعمل على كسب مؤيدين، وتحييد مترددين، وردع وعزل الأعداء والخصوم، وأكبر فئة في هذا التصنيف هم المترددون أو الحائرون وهذا ما يستحق الجهد والعمل بهمة وسطهم، والقاعدة الهامة في هذا السياق هي تحديد العدو الاستراتيجي والأول مقابل الثانوي أو الجانبي، ويختلف العمل تجاه كل مجموعة.
من المهم ألا يغلب الثوار خلافاتهم الثانوية ويقومون بتضخيمها والتركيز عليها وإظهارها والإعلان عنها والترويج لها، فهذه نقطة ضعف خطيرة لصالح الخصوم. والأن يردد أعداء الثورة: أن قوى الحرية والتغيير” غير متفقه وبالتالي السلطة المدنية يدوها منو؟
ولا أدري لماذا تصر فصائل داخل كيان واحد وتلتقي يوميا، على إصدار بيانات وتعقد المؤتمرات الصحفية لإعلان اختلافاتها وأن تنقل النقاشات الداخلية إلى العلن!
عرف عن الحزب الشيوعي السوداني دوره التاريخي في المساهمة الايجابية في قيادة الثورات ضد الدكتاتوريات وكانت له باستمرار رؤية وبصيرة وإدراك لمهام المرحلة الثورية وكان متقدماً على الجميع. وأطلقوا على أنفسهم صفة الكليتون(Clayton) هو قاطرة صغيرة في السكة الحديد ادخلها إداري بريطاني بهذا الاسم وهذه القاطرة الصغيرة كانت تجر القاطرات الكبيرة الفخمة في عملية المناورات داخل المحطات. وهذا إنجاز يعني قدرتهم على تحريك أعداد كبيرة رغم حجمهم العددي الصغير. ولكنني هذه المرة أرى الكليتون شاذاً في كل مواقفه ويصر على إظهار خلافاته مع الآخرين، وفاقداً للصبر والتأني .أخشى أن يعزل نفسه عن التيار ويبقي شاذا ومنفرداً
هناك أيضاً تيار داخل حزب الأمة وكأنه يقلب معادلة مطلب: انحياز الجيش لصالح الشعب وينادي بانحياز الشعب للجيش! حين يطلب زعيمه عدم استفزاز الجيش، بينما الجيش هو المستفز. وحين يقول بأن هذه الثورة لم تكن لتنجح لولا الجيش والذي ظهر بعد خمسة شهور من الاحتجاجات والاعتصامات.
والكارثة الحقيقية هي خروج الحزبيين الكبيرين بالخلافات إلى العلن وتبادل الاتهامات، وتخترح للثورة المضادة وتطل من القنوات الفضائية متحدثة عن خلافات “قوى الحرية والتغيير”.
ضمن مماطلة المجلس العسكري وتنافس الثوار يحضر الكيزان لانقلاب العودة، وتجهيز المشانق للثوار بدون فرز وقفاً للإقصاء الموهوم الذي مارسه الثوار عليهم حسب ادعائهم.
أكرر ضرورة اليقظة والحذر وأن يبادر الثوار بالهجوم المستمر على الثورة المضادة / الكيزان ولا نعطيهم فرصة للراحة والاسترخاء والتفكير بهدوء وأن ننشر وسطهم القلق والتوجس واستمرار المطالبة بالعدالة الانتقالية وتشكيل المحاكم
أولاً لكل من خطط وساعد وشارك في تقويض النظام الديمقراطي والانقلاب عليه.
ثانيأ مراجعة كل الوظائف العليا والمهمة في جهاز الخدمة المدنية وإبعاد كل المتسلقين بسبب الولاء وليس الكفاءة وهذه المهمة يقوم بها عناصر كل وزارة ومصلحة وهيئة ومجلس وتقديم البلاغات دون انتظار قرارات عليا أو حكومة انتقالية.
هذه ثورة شعبية والشعب مصدر السلطات وعلى الشعب أن يقوم في كل الأحياء والمدن بمراقبة تحركات الكيزان – أي الرصد والترصد بقصد شل حركتهم وأن يدركوا أنهم مراقبون وأن نشاطهم مكشوف، هذه مهمة لا تحتاج لعنف ولا تعني سلب سلطة الشرطة أو أخذ القانون باليد بل هي حماية مشروعه استباقية ووقائية تستوجبها مهام أي ثورة شعبية لحماية نفسها دون انتظار الحماية الرسمية.
تسبب المجلس العسكري في أزمة ثقة، لذلك المجلس مطالب ببناء وإعادة المصداقية له من قبل الثوار، وذلك من خلال قرارات ثورية حازمة وصادقة حسب المبدأ العسكري: الضبط والربط وعدم التسيب من خلال محاكمات علنية سياسية وفساد مالي وانتهاكات حقوق الانسان. كما يجب تفكيك جهاز الدولة القديم بكنس كل الطاقم الإنقاذي وتعيين كفاءات وطنية مخلصة وقادرة .
تحتاج ثورة الثورة للتنظيم الدقيق وعدم العفوية والعشوائية خاصة بين المعتصمين، لابد أن ينظموا أنفسهم مركزيا، ولا بد من تقسيم العمل.
الحراك الإعلامي ليس في مستوي الحدث ومتروك لعناصر كثيرة لا تعبر جيداً عن نبض الشارع وتطلعاته.
لابد من ردع العناصر الانتهازية التي هرعت إلى تكوين تنظيمات وجهات بقصد التشويش وتشتيت الجهود ومنع أناس مثل علي الحاج ومبارك الفاضل وغازي صلاح الدين وابوقرده، وميادة وغيرهم من نفايات النظام البائد، من مخاطبة الإعلام واعتلاء المنصات.
ثورة حتى النصر وسحقاً للمترددين والانتهازيين والكذبة الغشاشين.
د. حيدر إبراهيم علي
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
د. حيدر إبراهيم علي
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|