المقالات
السياسة
إلى جنات الخلد علي محمود حسنين
إلى جنات الخلد علي محمود حسنين
05-25-2019 03:45 PM

لله ما أعطى، لله ما أخذ..
إلى جنات الخلد، علي محمود حسنين، ايقونة المبادئ والصمود، شيخ القضاء الجالس والواقف معاً

مساء أمس الاول الخميس 23 مايو الجاري أرسلت للأستاذ علي محمود حسنين الرسالة التالية على الهاتف الجوال:
"أسرة آل الماحي قررت هذه المرة إقامة افطارها السنوي في ساحة الاعتصام واتفقوا أن يكون الافطار غدا الجمعة والموقع في "شبكة الصحفيين السودانيين" وهي في مركز التدريب للخطوط الجوية السودانية.. تقع نهاية شارع البلدية قصاد القوات البرية. أرجو أن تشرفهم بوجودك ولك الخيار أن تصحب معك من تريد وسيسعدهم ذلك كثيرا . الفكرة هي أن نشجع الكثير من الاسر بإقامه افطارات في ساحة الاعتصام. تحياتي الحارة".
بعد حوالي نصف ساعة من منتصف ليلة الخميس الجمعة أرسل إلَيَّ الاستاذ علي محمود حسنين رابط برنامج "أجندة سودانية" التلفيزيوني الذي تحدث فيه.
صباح أمس الجمعة اتصلت عليه مرتين، الأولى بين ترتيبات التجهيز للذهاب للمكتب، والثانية من السيارة في طريقي إلى المكتب، ولأول مرة لمْ أسمع صوته حيث كان يرد سريعا على اتصالاتي فيقول أحيانا، مثلا: سأرجع واتصل بك معي بعض الصحفيين.
ويفي دائما بوعده ويهاتفني ونتحدث طويلا.
كنت حريصا أن أعرف منه برنامجه وإمكانية أن يشارك في إفطار الاسرة بساحة الاعتصام، وشاءت الاقدار وإرادة رَبّه أن يصل جثمانه الطاهر لنفس المكان، ويُصَلَّى عليه في ساحة الاعتصام ويودِّعه شباب الثورة كما استقبلوه عند عودته من منفاه بعد إسقاط النظام البائد واحتفائهم به خلال مخاطبته للمعتصمين مرة أو مرتين.
حُزْني على فقيدنا المناضل الجسور علي محمود حسنين لا يعادله حزن، بكيته وأنا في طريقي للمسجد عندما فتحت هاتفي ووجدت العديد من الرسائل من بينها واحدة من صديقي فتحي الضو وكانت أول ما ذهبت إليها، فتَسَمّرت وأنا أرى صورة علي محمود حسنين ومعها الخبر الحزين، ولَمْ اتمالك نفسي وفتحي يرد على مهاتفتي ويقول لي حديثا مقتضبا عن المرحوم أبكاني أكثر فأحسست بدموعه تنهمر على الجانب الآخر.
حمداً وشكراً لله انني كنت في سيارة مع صديقين، وحمداً أكثر اننا كنا متوجهين لصلاة الجمعة التي تمنح عادة طمأنينة تُسَكِّن الحُزْن في خانته الصحيحة بإكثار الدعاء للمرحوم وذلك كرم من الله وبركة من بركات الانسان الصالح استاذ الأجيال علي محمود.
اتصلت من أمام المسجد على شقيقي صلاح وتبادلنا العزاء والبكاء على فقيدنا، فقد كان علي محمود من أعز أصدقاء الوالد محجوب الماحي الذي سبقه لدار البقاء يوم 20 ابريل 2005، وعندما بكيت فراق الوالد بمقال في ذكرى وفاته أرسلته للاستاذ علي محمود قبل نَشْرِه في صحيفة (الوطن)، فأضفت اليه تعليقه الذي كتبه من القاهرة، وجاء فيه:
"أثِرْت شجن وسالت الدموع مرارا، ولم أستطع إيقافها على صديق العمر، فطافت بي الذكريات وتزاحمت الاحداث.. في المكتب في منزلكم وفى منزلنا.. في سجن كوبر وأمام لجان التحقيق، وفى جرينا المتلاحق واجتماعاتنا التي لا تنتهي إلاَّ لتبدأ.. وفى الحِكَمِ التي كان يطلقها صديق العمر فتنزل علينا بردا وسلاما لتشد من عضدنا. لاحول ولا قوة إلا بالله، لا أستطيع مواصلة الكتابة. رحم الله العزيز الغالي محجوب وموعدنا معه أن شاء الله أمام مليك مقتدر عادل. إنّا لله وانا الية راجعون وحفظ الله أبناءه وأحفاده وبناته وأني أذكر الفاضلة الهام، انها صورة من محجوب كاملة، فقد قضيت معها وزوجها المرحوم الإنسان خالد مهدي حسين أياما في ضيافتهما في جنيف أحسست وكأني في حضرة محجوب".
استاذي الحبيب علي محمود، أسمح لِيَّ وأنت بين يدي رَبّ رحيم وغفور يعلم ما في السريرة والقلب والنوايا، أن أذيع حديثا جرى بيننا ودعني اعترف بأنني نقلته قبل أخذ موافقتك، لاصدقاء أعزاء يشهدون عليه اليوم.
إتفقنا أن نجْري حوارا طويلا عما حدثتني عنه لأنشره لاحقا، والآن بعد أن غادرتنا لدار المستقر، أجد انني أحمل وصية عظيمة منك عَلَيَّ أن أسردها باسمك وأسلمها لاصحابها شباب الاعتصام وقيادتهم التي يستجيبون لها ويبادلونها الثقة، مُمَثّلَة في تجمع المهنيين.
لقد نَقَلْت للاصدقاء الاعزاء فتحي الضو وصلاح شعيب والصديق المفكر بابكر فيصل بابكر، حديثنا الاخير حول انك لا تريد منصبا وزاريا ابدا.. وحزبيا لا تريد رئاسة الحزب الاتحادي الديمقراطي ومن يريد أن يستنير برأيك كمرجعية للفصائل الاتحادية كلها، حتما لن تبخل برأي أو حِكْمَة وستقدم لهم ما يريدون وكل أمنياتك أن ترى الحزب موحدا يتقدم قيادته الشباب الذين حملوا عبء النضال والصمود والمعارضة باسم الاتحاديين وأن يتراجع للصفوف الخلفية الذين وقفوا على السياج.
قُلْت لأصدقائي الثلاثة أنك مهتم جدا الآن بأن تقدم مساهمتك في التغيير الذي تنتظر أن يجري ويتحقق في الوطن، لا كسياسي وإنما بتطبيق معرفتك المهنية في القانون بوصفك عملت في القضاء الجالس وأصبحت مرجعية فيه بسوابق قضائية ولإحقاق الحق وجعل العدالة تمشي للناس لا يلهثون خلفها أو يبحثون عنها، وفي القضاء الواقف حيث قدمت ولَمْ تستبق شيئا، تشهد لك المحاكم بدرجاتها المختلفة.
قُلْت لهم اننا تحدثنا سويا بأن مساهمتك راهنا ومستقبلا ستنحصر في محاسبة النظام الديكتاتوري الساقط، محاسبة أخطائه وجرائمه التي ارتكبها في الوطن قبل الافراد والاشخاص الذين يجب أيضا حَمْلهم أمام العدالة في الحق العام فيما الخاص متروك للمصارحة والاعتراف والعفو، ولقرار أهل الحق وضحاياه في آخر الامر. وما يثبت ذلك أن أول مبادراتك في هذا الاتجاه كانت البلاغ الذي قدمته أمام النيابة ومعك ثلاثة من المحامين ضد الذين فكروا وخططوا وموهوا ونفذوا وشاركوا في تنفيذ انقلاب 30 يونيو 89.
نَقَلْت لاصدقائي ما اتفقنا عليه بضرورة قيام مفوضية تشكلها السلطة التشريعية للعودة بالوطن لمنصة التحرير والتأسيس التي حققت استقلال السودان مطلع يناير 1956 وازالة كافة العراقيل والعوائق في السياسة والاقتصاد والاجتماع والقوانين والتشريعات والخدمة المدنية والتي أنتجتها الانظمة الديكتاتورية العسكرية الثلاثة السابقة وبالذات ما أنتجه نظام الانقاذ البائد ونظام مايو الساقط، حتى ينطلق السودان نحو تحديد ثوابته الوطنية وتأطير نظام حُكْمه في مؤتمر دستوري يجلس فيه الجميع متحررين من إرث الفشل الذي أدي إلى تدهور البلد وتفتته واندلاع الحروب فيه وانفصاله إلى بلدي، الأمر الذي قد يزيد من أمل إعادة توحيده.
أسمح لِيَّ، فقيدنا الحبيب علي محمود، أن أنْقُل على لسانك ما ظللت تكرر في محادثاتنا الهاتفية، بأن محاسبة الماضي منصة للانطلاق لمستقبل مُعافى، ومدخلا لصناعة راهن يتحرر من قيود أوضاع فاشلة في الادارة والقوانين والتشريعات أضَرّت بوحدة البلد وأفرزت مناخا سياسيا واجتماعيا قميئا وصنعت أوضاعا اقتصادية أنتجت فقرا لغالب أهل السودان وثروات فاحشة لمن تماهى مع السلطة الحاكمة التي لم يعمل القائمون عليها إلّا لذواتهم وجيوبهم ولتنتفخ حساباتهم المصرفية فنهبوا البلد نهبا مُصَلّحا ومُسَلّحا.
تلك هي رسالتك التي مُت عليها بعد أن عِشت بها ولأجلها وعَملت لنصرتها، فتحققت خطوة أولى في الطريق الطويل بثورة ابتدأت في 19 ديسمبر 2018 وانتصرت في 11 ابريل 2019 باسقاط العهد البائد، فعُدت يا حبيبنا علي محمود وقَبَّلْت ثرى بلادك الحبيبة وقَدَّمت آخر ما استطعت من وصايا سيعُض عليها شباب الاعتصام بالنواجذ حتى تتحقق. نُمْ قرير العين فثورتك مستمرة ومحروسة.
حُزْني عليك عميق أخي الأكبر علي محمود حسنين، فإنني أبْكي فيك والدي محجوب الماحي، وأبْكي فيك البطل الشريف حسين الهندي، وأعيد بُكائي على الزعيم اسماعيل الازهري الذي خاطبه الهندي حسين في رسالته الشهيره بعبارة "أبي يا أب الشهداء"، فصرنا نَعُض عليها بالنواجز كما أوصانا الهندي بان نَعُض على القضية، قضية وطن قدمت له يا فقيدنا علي محمود، درسا في الوفاء والصمود والتمسك بالمبادئ، تماما كما فعل الهندي حسين والازهري اسماعيل.. فأذهب لهما ولصديقك محجوب الماحي، تقبلكم الله قبولا حسنا في جناته، انا لله وانا اليه راجعون.
المكلوم الحزين على فقدك العظيم، شقيقك الاصغر عصام محجوب،،

د. عصام محجوب الماحي
[email protected]
(نقلا عن صحيفة الوطن)





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 426

خدمات المحتوى


التعليقات
#1831026 [حسن إبراهيم حسن الأفندي]
0.00/5 (0 صوت)

05-26-2019 09:57 AM
أخي الكاتب الرائع
كنت أظن أن عليا كان ابننا أبا وأما وزوجة وأبناء ولكن مقالك زادني إيمانا بأن عليا كان ابن الأمة كلها وابن السودان كله وما نحن إلا قلة لا تذكر من أهله وأقربائه ...كان أمة في رجل وإن كان تواضعه يزعم أنه فرد في أمة....يا علي تأكد أن حزني عليك إلى يوم لقائك


د. عصام محجوب الماحي
د. عصام محجوب الماحي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة