المقالات
السياسة
الحلقة المفقودة
الحلقة المفقودة
05-26-2019 12:53 PM

شئ من حتى

د. صديق تاور كافى

* إندلعت ثورة ديسمبر- أبريل- مايو السودانية، ضد نظام المخلوع عمر البشير و حزبه، الذى عرف بالفساد و الإفساد و الظلم. مثل نظام المؤتمر الوطني فى السودان أسوأ تجربة حكم فى المنطقة، بما عرفت به من تخريب واعى و ممنهج للبلد، و تبديد لثرواته حد العبث، و تشويه للقيم و الأخلاق و الدين. و سياسة الناس بالفتنة الجهوية والقبلية و العنصرية و الدينية. نجحت الثورة فعلا فى الإطاحة بعمر البشير و حكومة حزبه، رغم محاولتهم الإلتفاف عليها، بإنقلاب بن عوف الذى أسقطته الثورة فى مهده.

* و قد فرضت الثورة على المؤسسة العسكرية، التدخل عبر المجلس العسكرى الإنتقالى، الذى لم يكن موجودا قبلها، لتأكيد إنحياز القوات المسلحة للثورة و أهدافها، و لتأمين بلوغ غاياتها فى حكم وطنى جديد مختلف جملة و تفصيلا عن ديكتاتورية البشير و حزبه. و قد وجد ظهور المجلس العسكرى الإنتقالى فى البداية إرتياحا عاما، من الجماهير الثائرة، من منطلق أنه مجلس عسكرى منحاز للثورة، يعبر عن القوات المسلحة و ليس إمتدادا للنظام المباد و لا يضم فلوله.

* و بالتالى جرت الإتصالات بين المجلس العسكرى و قوى الحرية و التغيير كقيادة للثورة، بغرض التفاهم حول ترتيبات المرحلة الجديدة، و كيفية إدارتها بما يحقق أهداف الثورة و مطالب الشعب. و من هنا جاءت فكرة التفاوض كتطور طبيعى لسير الأحداث. و توقع كثيرون أن تتم العملية بما تستحق من جدية و إحساس بالمسؤولية.

* المفاجأة الصادمة كانت عندما أوكل المجلس العسكرى هذه المهمة الكبيرة، لثلاثى اللجنة السياسية، المعروف بإرتباطه و ولائه للنظام المخلوع. حيث لم يتردد هذا الثلاثى فى بذل أقصى ما يستطيع، لحرف المهمة عن هدفها الأساسى و محاولة إدارة عقارب الساعة للوراء، بدعوته لحلفاء النظام الساقط و السعى لإدماجهم بالعافية فى أجندة الثورة الإنتقالية. تسبب هذا الدور الخبيث فى أزمة بين المجلس و قوى الحرية و التغيير، و خلق فجوة كبيرة من إنعدام الثقة فى جدية المجلس و مصداقية إنحيازه للثورة. و قد أضاعت هذه الأزمة زمنا ثمينا قبل أن تطيح بهذا الثالوث الخبيث.

* أستؤنف التواصل بين الطرفين لمواصلة ما إنقطع بعد إنقشاع الأزمة، و لكن لم ينته إصرار المجلس على إستصحاب حلفاء النظام الساقط فى المرحلة الإنتقالية كأنهم لم يسقطوا معه، متحججا بدعاوى عدم الإقصاء. و قد تسبب ذلك مرة أخرى فى تبديد الزمن، و توسيع فجوة الثقة أكثر من قبل.

* و فى تفاصيل عملية الإنتقال لسلطة مدنية تدير المرحلة الإنتقالية، ظهر إفتراق فى زاويتى النظر حول كيفية تحقيق ذلك، ما بين إصرار المجلس على عسكرة الإنتقال السياسى، و تمسك قوى الحرية و التغيير بمدنية هذا الإنتقال. و قد أدى ذلك إلى تدخل بعض حكماء البلد لتقريب و جهات النظر. و على الرغم من أن المجلس قد قام فعلا ببعض الإجراءات العملية ضد الدولة العميقة، فى الشرطة و الجيش، إلا أن مهادنته الواضحة لفلول النظام الساقط فى المرافق الأخرى، و حمايتهم و إحتضانهم، لم يساعد على تقليص فجوة الثقة المشار إليها.

* الحلقة المفقودة فى عملية التفاوض هذه، ليست فى تعنت وفد قوى الحرية و التغيير المفاوض أو تمترسه فى موقف واحد، و إنما فى الطريقة التى ينظر بها المجلس العسكري للدور المطلوب منه أن يلعبه لصالح الثورة و الجماهير. إصرار المجلس على الإنفراد بسلطات و صلاحيات السلطة السيادية، يجعل منه إنقلابا عسكريا من داخل النظام، و ليس إنحيازا لمطالب الثورة و الجماهير. النظرة التشاركية من باب المسؤولية الوطنية المشتركة، بإعتبار الجيش جزء من الشعب، هى التى يجب أن تسيطر على عقلية المجلس العسكرى، و ليس نظرة الوصاية المنطلقة من إحتقار الشعب و تصويره كالقطيع.





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 430

خدمات المحتوى


د. صديق تاور كافي
د. صديق تاور كافي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة