المقالات
السياسة
بل توقيع اتفاق الآن، العصيان لاحقاً، حتى لا تفلت هذه اللحظة التاريخية من يدنا
بل توقيع اتفاق الآن، العصيان لاحقاً، حتى لا تفلت هذه اللحظة التاريخية من يدنا
05-26-2019 10:41 PM

هناك لحظات فارقة ومنعطفات خطيرة في حياة الأمم و الشعوب و النخب ، ما لم تنر النخب لشعبها الطريق في أوقات الاختيار الصعبة وتمسك بزمام الأمور، فسيعض الجميع ، شعوبا ونخبا ، على أصابع الندم لاحقا .
المنحنى خطير و المرحلة دقيقة و علينا تلمس الخروج الآمن من سطح الصفيح الساخن بدل الوقوع في فوهة البركان والخلافات بين الحلفاء.

لندخل الى لب الموضوع فالوقت ليس وقت مقدمات طويلة ، الاختلافات في وجهات النظر بين قوى الحرية والتغيير هو أمر محمود ، يحاول تجمع المهنيين قدر الإمكان إرضاء الحزب الشيوعي الذي يصر على العصيان المدني الآن لتحقيق كل المطالب! ، و هو أمر سياسيا يبدو صعبا ، السياسة هي فن الممكن ، فن الحلول الممكنة ، خذ وطالب ، و فن الأخذ بالمستجدات من الأحداث ، ومن هذه المستجدات أن المجلس العسكري بدأ يتمدد في صلاحيته نتيجة الفراغ ، عطايا مرتبات للناس و أعمال وتصريحات مفترض يقوم بها وزير الخارجية لمجلس وزراء الثورة لإدارة ملف العلاقات الخارجية ، من الحكمة الآن تشكيل الحكومة ذات الشرعية الثورية المستمدة من حراك الناس لستة شهور ، هذا تفويض بحد ذاته لا يقبل الشك ، و معها تشكيل البرلمان الانتقالي ، سيكون لدينا برلمان و حكومة بكامل وزراءها و تغيير الإعلام والاهم و العاجل و قبل شيء هو تكوين مفوضية قضائية جديدة يحق فيها للقضاة الذين أحيلوا للصالح العام من قبل النظام السابق التصويت بل ووجب إعادتهم الى الخدمة ان كان أحالهم النظام السابق تعسفا ، إذن سيصوت كثير من أخيار القضاء في هذه المفوضية القضائية الجديدة ويتم انتخاب رئيس القضاء وتطهير القضاء ووكلاء النيابة عبرها و تعيين نائب عام جديد، لابد من التوقيع الآن ومشورة الشعب السوداني تكون لمن هم في الخارج أيضا في أوربا وأمريكا والخليج أي الفئات ذات الأعمار الأكثر نضجا فجلهم في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من أعمارهم وأكثر ، أما إذا اقتصرت المشورة على شباب الاعتصام فقط مع تقديرنا الكبير لدورهم المحوري في هذه الثورة العظيمة ، فهم صغار في السن نسبيا في العمل السياسي و يغلب عليهم حماس الشباب فيجب محاورتهم وإقناعهم واعتقد أنهم موافقون على التوقيع والمضي فهم أذكياء جدا ، الحكمة تقول انه لا تخسر أحدا وأنت في معركة الآن ، يقول نابليون بونابرت لا حاجة لقمع الاعوجاجات غير الضارة.

يجب إرضاء القوى الأخرى مدنية او إسلامية التي لم تشارك ولم تكن جزءا من النظام السابق حتى يوم 11 ابريل لحظة سقوطه ، من الملح والعاجل التوقيع الآن و قد أبدى شباب قوى الحرية والتغيير إرسالا عاليا بالأداء الإعلامي المنظم في الفضائيات السودانية والخارجية وحضورا بهيا فكيف بهم بعد ان يتولوا الحكم و تغيير المنظومة الإعلامية ، لا شك ان ذلك سيعقبه الهام كبير للناس وكسب في مساحات جديدة واسعة من أطياف المجتمع السوداني و ما داموا هم بهذا الأداء الرفيع فلم التخوف من التوقيع ؟ السبب الأول في ظني هو الخوف من تحمل التبعات التاريخية فالثورة الآن هي تاريخية بامتياز ، إن من حيث حجمها والكتلة البشرية الضخمة التي خرجت وهي كتلة غير مسبوقة في تاريخ السودان منذ قرون و عقود ، الحقيقة يجب إزالة هذه الرهبة فقرار التوقيع لن تتحمل مسؤوليته قوى الحرية والتغيير لوحدها بل كل الشعب السوداني سيساندها خاصة وان هذا الأمر اخذ حقه و حظه من النقاش وتناول الناس ، تناقش السودانيون في قروباتهم ووسائل توصلهم الاجتماعي في خيار التوقيع او عدم التوقيع ، المزايا والعيوب والفرص والمخاطر لكلا القرارين ، تبقت الشجاعة و أخذ القرار من قوى الحرية والتغيير.

لنفترض حسن الظن بالمجلس العسكري مع الاستعداد للخيار الاسوأ ، أي ان حاول المجلس العسكري إفشال الحكومة حينها فقط يبدأ الصدام معه وصولا الى لحظة فض الشراكة معه ومن ثم السعي لإسقاطه ، هنا نقول للمتوجسين من التوقيع يأتي دور قرار العصيان المدني والإضراب السياسي الشامل ، سيكون مطروحا على الطاولة حينها و عليه إجماع كامل ، وليس سببا للانقسام كما قد يحدث الآن ، حينها ليس عصيان مدني فقط بل سيكون خيار شمسون ، أي العودة الى الخيارات العسكرية في كل الأطراف بالبلاد مع العصيان في المركز ، حينها سيسقط بس ، في غياب أي سند شعبي لن يستطيع قمع المركز و الحرب في الأطراف في آن معا ، ولكني لا أظن أبدا ان المجلس العسكري غير عقلاني إلى هذ الحد بل فيهم أذكياء ووطنيون ويمكن للتعامل اليومي مع قوى الحرية التغيير ان يكسر الكثير من الحواجز النفسية و إحياء روح السودانية فيهم و الروح الوطنية لديهم و كسر الحاجز النفسي سيتم عبر الاجتماعات والتعامل اليومي والزيارات الشخصية ، المجلس العسكري لا يجب أن تصنفه عدوا الآن بل هو شريك حتى هذه اللحظة و لنفترض حسن النية أولا و دائما ونريد ان نرى أفعاله ، الأفعال مستقبلا هي الحكم عليه ، لنحكم عن بينة أيصنف عدوا للثورة أم شريك صالح ، فلا نريد ان نستبق النوايا وان تكشفت نواياه وأصبح عدوا بينا وجبت مواجهته بالكروت كلها بعد فض الشراكة معه كما أسلفت ، ولا يجب العجلة الآن بل التوقيع وتشكيل الحكومة التي سيعترف بها العالم كله.

ان التمسك بالحق وبراية الوطن وبالحكم الصالح وبالهام الناس ليروا سودانا غير الذي عرفوه مع البشير و أكاذيبه وتضييع ثرواته ، والدفع نحو الحقيقة والمصالحة بين مكونات المجتمع السوداني و بالذات بين المكون الدارفوري الدارفوري ، وبعد ان تسود روح وطنية عامة حينها ان ظهر هناك طامعون في صفوف العسكري ، طامعون ومعرقلون من بين صفوفه فسيتصدى لهم قبل الشعب السوداني زملاؤهم في المجلس نفسه أي سيحدث انشقاق داخله فالحق ابلج وحواء السودان ما عدمت الرجال داخل العسكريين وستنبري لهم الرتب العليا و المتوسطة والصغيرة ملتحمة مع الشعب وحكومته ذات الشرعية الثورية الوطنية التي تكون قد قدمت للناس وصفة للخروج وبدأ فعليا حلم انتشال البلاد ووضعها على الطريق الصحيح لتصل الى مكانها اللائق بين الأمم . وحينها ستكون مواجهته للمجلس العسكري وهو منقسم اقل تكلفة من الآن .

وأنت في الحكم يا قوى الحرية والتغيير وتسيطر على الوزارات حتى ان لوح لك العسكري بالانتخابات المبكرة لن تكون مخيفة ولن تخشى التزوير من بقايا الدولة العميقة لأنك ستكون قد غيرت كل الكوادر الفاعلة في كل الوزارات والبلديات مع إعادة الدمج للمسميات الكثيرة لمحليات اللصوص السابقة بحيث تصبح الست أقاليم لا أكثر بدل الولايات العديدة وتقليص الكثير من الولايات والمحليات الى مسمى بلديات فقط ترشيدا للصرف بعد العودة لنظام الأقاليم ، إذن مع التوقيع أنت تحتفظ بكرت العصيان إذا انسدت الأمور ووصلت لطريق مقفول تماما في العمل الوطني عبر حكومة ثورية لنهضة السودان ، يجب إقناع الحزب الشيوعي بالموافقة على التوقيع بل كان مأمولا من اليسار السوداني استصحاب كل الحركات المسلحة فلا يجب ان تترك خلفك أحدا وأنت تدخل الى التفاوض والتوقيع ، برامج هذه الحركات وطني وما أسهل إشراكهم واستيعابهم في المرحلة فهم شركاء اصلاء والحل يبدأ من صلح دارفوري ، كما ذكر ان الستة شهور الاولى هي للسلام ، الحل يبدأ من صلح بين قوات حميدتي والحركات لإزالة الرهبة والخوف المتبادل ، فبدون حل قضية دارفور لن نتقدم وكنت في مقال سابق فصلت في هذا الأمر هذا رابطه ... https://ara.alrakoba.net/articles-ac...9Wwo0JCozvYc1Q

الحقيقة انه بالتوقيع أنت تحاصر هامش المناورة أمام المجلس العسكري و تستطيع عبر المحكمة الدستورية بعد تطهير القضاء إن هو حاول ان يعكر صفوك ، تستطيع ان تكبله و تقيد حركته و لذلك لا أظنه سيسعى الى العرقلة بل اغلبهم يريدون دخول باب التاريخ من حب الناس لهم ولا يريدون سوى الظهور في هذه المرحلة وسيكونوا عقلانيين لأن الخيار الآخر هو الاقتلاع او خراب البلاد ولا أظنهم يحبون الخراب لبلادهم فهم وطنيون ، وهي مرحلة انتقالية ، نعم انتقالية يجب ان لا ننسى هذا أي لوضع لبنة وأساس متين للديمقراطية القادمة فهم ذاهبون في كل الأحوال.

طارق عبد الهادي
[email protected]





تعليقات 2 | إهداء 0 | زيارات 2222

خدمات المحتوى


التعليقات
#1831313 [الدنقلاوي]
0.00/5 (0 صوت)

05-27-2019 07:10 AM
الحقيقة الساطعة التي لا يستطيع أو لا يريد كتابنا رؤيتها هي أن المجلس العسكري هو مجرد انقلاب أماراتي سعودي وهو في حقيقته إعادة توجيه لدفة السسياسة الخارجية من قبلة قطر السعودية لوجهة الامارات السعودية أما داخليا فلن يتغير شيء عسكري مكان عسكري وجوقة من المنافقين مكان جوقة قديمة جديدة من المنافقين .. وللأسف أستطاعت الأمارات أن تحيد فصيل مهم كنداء السودان -راجعوا تصريحات مناوي والصادق وانتظروا جديد عرمان-
باختصار شديد المجلس العسكري لن يوقع على أي اتفاق مع قوى الحرية والتغيير أو غيرهم فاليد التي تحرك القلم موجودة في الرياض وأبوظبي.
الخطة هي حكومة تكنوقراط -اسميا وفي جوهرها هي حكومة منافقين - يمهدون لبقاء البرهان وحميدتي في السلطة على النهج السيسوي المصري.


#1831310 [كوج]
0.00/5 (0 صوت)

05-27-2019 06:12 AM
توقيع شنو ووين يازول وعشان شنو؟ فههمنا بالله!


طارق عبد الهادي
طارق عبد الهادي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة