المقالات
السياسة
وجه الشبه بين قوات الإنكشارية ومليشيات الدعم السريع
وجه الشبه بين قوات الإنكشارية ومليشيات الدعم السريع
06-17-2019 08:41 PM

وجه الشبه بين قوات الإنكشارية ومليشيات الدعم السريع
(1)

الإنكشارية تعني بالتركية (الجنود الجدد) وهي قوات مشاة من النخبة بجيش السلطنة العثمانية ، شكلت الحرس الخاص للسلطان العثماني ، تم تأسيسها في عهد السلطان مراد الأول ( ١٣٦٢ - ١٣٨٩م) ، وكان للإنكشارية تنظيم خاص بهم وثكناتهم وشاراتهم ورتبهم العسكرية وإمتيازاتهم ، وكانت قوات الإنكشارية من أكثر فرق الجيش العثماني قوةً ونفوذاً.
إن أفراد قوات الإنكشارية كانوا من الأطفال الذين يتم سبيهم أثناء الحروب وأغلبهم من أسر مسيحية ، ويتم فصلهم عن ذويهم وأصولهم وتتم تربيتهم تربية إسلامية ، ومن ثم لا يعرفون في الكون غير السلطان وهو بمثابة والدهم وأبوهم الروحي ، ويتم تدريبهم علي الجندية منذ الصغر ، وأصبحت الحرب هي صنعتهم الوحيدة.

(2)

سرعان ما تحولت قوات الإنكشارية إلي فرقة عسكرية ضاربة وتحولت إلي مركز قوة أقلقت حياة السلاطين والرعايا في دولة الخلافة العثمانية ، وأثارت الكثير من الفتن والقلاقل ، وأصبح قادة الإنكشارية يتدخلون في شئون الدولة والسياسة ، بل أصبحوا يتدخلون في شئون الحكم ويقتلون السلاطين ويخلعون هذا ويولون ذاك ، وبأفعالهم وممارساتهم عمت الفوضي وإضطربت السلطة ، حيث قاموا بعزل السلطان عثمان الثاني ومن ثم قتلوه في عام ١٦٢٢م ، وفي عام ١٦٤٨م قاموا بخنق السلطان إبراهيم الأول ، وفي سنة ١٦٣٢م قتلوا حسن باشا في عهد السلطان مراد الرابع ، وبالتالي تدهورت أحوال الدولة العثمانية مع بدايات القرن التاسع عشر ، وفقدت الكثير من أراضيها التى ظلت تسيطر عليها علي مدار القرن الثامن عشر.


(3)

بعد تولي السلطان محمود الثاني مقاليد السلطة في الخلافة العثمانية في العام ١٨٠٨م ، عمل علي تطوير وتحديث الجيش العثماني ، وحاول إقناع الإنكشارية بهذا الأمر إلا إنهم رفضوا ، وحاول إلزامهم بالنظام والإنضباط العسكري والمواظبة علي التدريبات العسكرية علي الأسلحة الحديثة ، وعهد إلي البيرقدار مصطفي باشا تنفيذ هذه الأوامر السلطانية إلا إنهم تمردوا عليه وقاموا بثورة جامحة كانت نتيجتها فقدانه لحياته.
لم تنجح محاولات السلطان الأولي في فرض النظام الجديد علي الإنكشارية ، وبعد ثمانية عشر عامٍ عزم السلطان مرة أخري علي ضرورة إصلاح الإنكشارية ، فعقد إجتماعاً في ١٩ مايو ١٨٢٦م في دار شيخ الإسلام ، حضره كل قادة الجيش بما فيهم ضباط فيالق الإنكشارية ورجالات الدين وكبار الموظفين في بلاط السلطان ، ونوقش في الإجتماع ضرورة الأخذ بالنظم العسكرية الحديثة في الفيالق الإنكشارية ،ووافق المجتمعون علي ذلك ، إلا أن الإنكشارية لم يلتزموا بذلك وأعلنوا تمردهم وإنطلقوا في شوارع إسطنبول يقتلون ويحرقون ويحطمون المحال التجارية ، فقرر السلطان حسم تمرد الإنكشارية بأي ثمن ، فاستدعي الفرق العسكرية وسلاح المدفعية الذي أعيد تدريبه وتنظيمه ، ودعا الشعب إلي قتال الإنكشارية ، وفي صبيحة يوم ٩ يونيو ١٨٢٦م خرجت قوات السلطان إلي ميدان الخليل بإسطنبول الذي تطل عليه ثكنات الإنكشارية المتمردة ، فدارت بينهم معركة حامية الوطيس خرج منها السلطان منتصراً وخلفت ستة الاف قتيل من قوات الإنكشارية ، وفي اليوم التالي للمعركة التي سميت ب( الواقعة الخيرية) أصدر السلطان محمود الثاني قراراً ألغي بموجبه فيالق الإنكشارية.

(4)

إن مليشيات الدعم السريع هي مليشيات قبلية صنعتها حكومات الصفوة في الخرطوم في فترات زمنية سابقة ، وفي كل مرة يتم تغيير اسمها للتمويه والتغطية علي جرائمها.
إبراهيم عبود أول من قام بتسليح المليشيات عبر السلاطين والإدارات الأهلية للقبائل بعد إندلاع الحرب بجنوب السودان في منطقة فشلا بمديرية أعالي النيل في سبتمبر ١٩٦٣م ، والمرحلة الثانية كانت في عهد جعفر نميري بعد توقيع إتفاقية ١٩٧٢م بتشكيله كتيبتين من مليشيات " المراحيل" بزعم حماية السلام ، تتمركز الكتيبة الأولي في منطقة "سفاهة" والكتيبة الثانية تتمركز في منطقة "الميرم"
وبعد إنتفاضة أبريل ١٩٨٥م بدأ سوار الدهب المرحلة الثالثة من تكوين المليشيات القبلية وسار علي ذات النهج الذي سار عليه الذين سبقوه.
في خلال فترة الديمقراطية الثالثة وتحديداً في العام ١٩٨٦م وبعد الإنتصارات التى حققها الجيش الشعبي لتحرير السودان علي القوات الحكومية وتحريره لكثير من المناطق في جبال النوبة ، نشط حزب الأمة ورئيسه الصادق المهدي في إعادة ترتيب قوات المراحيل ، وقام بتوزيع السلاح علي المدنيين في جنوب كردفان وقبائل التماس بصورة إنتقائية دون ضوابط أو قيود ، بزعم حماية مواشيهم ومواجهة تمدد التمرد ، وعرفت هذه المليشيات.
إن إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م بدأ حيث إنتهي الآخرون الذين سبقوه ، وطور المليشيات القبلية كماً ونوعاً ، وتم تشكيل قوات الدفاع الشعبي لمواجهة قوات التمرد ، وبعد إندلاع الثورة في دارفور عمل نظام البشير علي إعادة تكوين مليشيات قبلية التى أعطت الصراع بعداً عرقياً صرفاً بعد أن كان الصراع السوداني في جنوب السودان ذو أبعاد دينية وعرقية ، فتم تشكيل قوات الجنجويد التي أرتكبت أفظع جرائم الإبادة والتطهير العرقي وجرائم الحرب وحرق القري والممتلكات وتهجير الملايين من المدنيين من مناطقهم إلي معسكرات النزوح واللجوء وأكثر من ستمائة ألف قتيل ، وبات رأس النظام والعشرات من قادة نظامه مطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية ، وبعد إفتضاح ممارسات هذه المليشيات تم تغيير اسمها إلي قوات "حرس الحدود" ومن ثم "قوات الدعم السريع" ، والتى أصبحت قوة يرتكز عليها البشير في إستدامة سلطته ، ولكن سرعان ما بدأت أطماع قادة مليشيا الدعم السريع وتدخلوا في مختلف شئون الدولة السياسية والإقتصادية ، وتسلطوا علي قادة القوات المسلحة ونذكر حادثة جلد وحلاقة شعر ضابط عظيم في الجيش بمدينة الضعين ، وإنشاؤهم للشركات الأستثمارية للتصدير والإستيراد والتعدين عن الذهب في جبل عامر وتهريب البشر وغيرها من الأنشطة المختلفة ، وفي النهاية كانت جزءاً رئيسياً في الإطاحة بالبشير وأصبحت مليشيات الدعم السريع معادلة في الراهن السوداني لا يمكن إنكارها ، وقائدها محمد حمدان دقلو " حميدتي" أصبح الحاكم الفعلي للسودان والضابط للأوضاع الأمنية ، وقواته متهمة بجانب قوات الأمن وكتائب الظل بفض إعتصام القيادة العامة الذي سقط فيه مئات الشهداء وآلاف الجرحي والمختفين قسرياً.
إن سلوك وممارسات قوات الإنكشارية التى كانت سبباً في إضمحلال وإنهيار دولة الخلافة العثمانية ومهّد إلي تغيير شامل قاد إلي بناء تركيا الحديثة التي شادها الزعيم كمال أتاتورك ، وكذلك فإن جرائم وممارسات مليشيات الدعم السريع ستكون سبباً في إزدياد وتيرة المقاومة الجماهيرية وإصرار الشعوب السودانية علي التغيير الشامل الكامل وصولاً إلي دولة المواطنة المتساوية.




محمد عبد الرحمن الناير ( بوتشر )
[email protected]
١٧ يونيو ٢٠١٩م





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 625

خدمات المحتوى


محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)
محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة