المقالات
السياسة
يسئلونك عن الإدارة الأهلية
يسئلونك عن الإدارة الأهلية
06-23-2019 03:30 AM

ويسئلونك عن الإدارة الأهلية

الإنسان هو خليفة الله في الأرض
والأرض خلقها الله للإنام.

المجتمعات الإنسانية ابتكرت نظام التمثيل النيابي أو التفويضي - حيث يكون النقيب ممثلاً عن نقابته وقد ورد ذكر النقباء في القصص القرءاني عن بطون القبائل الإسرائيلية ووردت في السيرة في بيعة الأنصار للرسول صلي الله عليه وسلم في العقبة. كما أن الرسالة نفسها تفويض من الله تعالي لرسوله بإبلاغ قومه حيث أن الأصل في البلاغ أن يقوم المبلِّغ بتوصيل رسالته بنفسه للمبلَّغين أو تفويضاً لذوي كفاءة وجدارة.

التشكيلات الحديثة من أحزاب ونقابات ومنظمات المجتمع المدني كلها اعتمدت هذا النوع من التمثيل وهو تمثيل بأجل ولا يورّث ويرده المفوَّض لأهله عند نفاد أجله.

المميزات الشخصية للناس تختلف من شخص لآخر فلدي بعض الناس ميل فطري للزعامة وقيادة الناس وغالباً يكون ذلك بسبب صفات شخصية منها الذكاء والخصال الحميدة كالأمانة والكرم والشهامة والشجاعة والصدق الخ ... "أنّما النّاس كالأبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة" (البخاري - 6498). أحياناً تنتقل هذه الخصال الحميدة لأحد الأبناء.

في المجتمعات الريفية والعشائرية في السودان وغيره من الدّول العربية يدين الناس لأهل بيت معيّن يتوارثون قيادة النّاس - وبعض الأسر الحاكمة في الدول العربية هي نتاج تطور طبيعي لهذا الاصطفاء العشائري.

تميز بلدنا السودان بسعة الأرض وتباعدها مع توفّر الموارد وغناها وقلّة نسبية في السكان. ونسبة لتعذر وسائل الاتصال والتواصل في الماضي شكّلت الإدارة الأهلية لحمة ارتضاها النَّاس تجمع أطراف السودان بمركزه

نشأت الإدارة الأهلية مع نشوء السودان وتكوّنه بعد قيام دولة الفونج في سنّار عام 1504م بل ساهمت الإدارات الأهلية في إدماج المكوّن البشري السكّاني للسودانيين بتسامح السكان المحليين الذين طابت نفوسهم بالهجرات العربية طلباً للمراعي والمياه التي وردت إلي سهول دارفور وكردفان فتعايش السكان في سلام ووئام

كان طبيعياً أن تستفيد سلطات الحكم الثنائي البريطاني المصري من هذه الشبكة القويّة الموجودة علي الأرض لمعاونتهم في تسيير الدولة وجباية العشور والقبانة وحفظ الأمن كما استفادت المهدية من قبل من زعماء العشائر والرموز الدينية لتقوية سلطانها ورفد جيشها بالمجاهدين وهذا كلّه مقبول ومشروع.
ولقد اتهم الإنجليز بأنهم خططوا لتنظيم مشايخ الإدارة الأهلية في حزب سياسي عام 1951 (الحزب الجمهوري الاشتراكي) وشارك في تأسيسه كل من النظّار محمد أحمد أبو سن ومنصور العجب ومنعم منصور وآخرون وكان غرض الإنجليز هو توجيه رسائل قوية لزعيمي الطائفتين حينها والذي كان يطمع أحدهما أن يكون ملكاً للسودان والآخر كان يأمل في الجلوس تحت ظل ملك مصر الظليل.

كما أنّ الطائفتين الكبيرتين في السودان الحديث اللتين نشأ منهما أكبر حزبين سياسيين في السودان لديهما تقاطعات كبيرة في الاستفادة سياسياً من الإدارة الأهلية خاصة فيما يلي حزب الأمة وطائفة الأنصار الداعمة له تحديداً في مناطق نفوذه في غرب ووسط السودان حيث معظم مؤيديه من الرعاة والمزارعين أما طائفة الختمية والتي تدعم الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي تنحدر معظم جماهيره من أفندية الطبقة الوسطي والتجار بالمناطق الحضرية فتفضّل ممارسة نفوذها عبر الطرق الصوفية وأتباعها حيث تستخدم نفوذها الروحي في أرياف شمال وشرق السودان.

أصدر نظام نميري وهو تحت تأثير اللوثة الشيوعية في عام 1970 قرارين هامّين أثرا تأثيراً سلبياً مدمّراً علي الإدارة الأهلية بل شكّلا ضربة قاصمة لها أثرّت فيها لعقود كثيرة وهما إلغاء الإدارة الأهلية والاستعاضة عنها بالحكم الشعبي المحلي وأيلولة كل الأراضي غير المسجلة لملكية الدولة
حتي أنه عندما تمّ إرجاع الإدارة الأهلية لاحقاً ومحاولات إحياؤها اللاحقة تستطع تلك المحاولات أن تعيد للإدارة الأهلية نفس القوة والمشروعية التي كانت لديها.

سعي الحزب الشيوعي السوداني بعد انقلابه علي الديمقراطية الثانية في عام 1969 للقضاء علي الإدارة الأهلية لأن قيادات الإدارة الأهلية كانت تدين بالولاء للحزبين الطائفيين فقام جعفر نميري بإلغاء دور الإدارة الأهلية والتي كانت تمارس ضبطاً للأمن والنظام في مناطقهم والحفاظ علي النسيج الاجتماعي والقيام بأعباء جباية يصل ريعها للدولة مثل العشور والقبانة وكذلك حماية البيئة المحلية من قطع الأشجار الجائر والصيد الجائر والاحتكاكات الإثنية إلي غيرها من المهام التي تقاصرت عن أدائها هياكل الدولة البيروقراطية عقب حلّ الإدارة الأهلية وقيام هياكل الحكم المحلّي.

وكانت هنالك أمثلة رائعة لنماذج الإدارة الأهلية مثل مؤتمر كاكا وتلودي السنوي في شرق كردفان وتخوم أعالي النيل الذي كان يقام لتحديد احتاجات السكان من قبائل الحوازمة والكواهلة والشلك وساهم في تقليل مشاركة قبيلة الشلك في تمرد الحركة الشعبية لاحقاً.

أعادت الإنقاذ الإدارة الأهلية لأهداف سياسية بصورة أساسية وليست بغرض الاستفادة من دورها في الاستقرار والتنمية وقد شارك أكثر من عشرين من رموز الإدارة الأهلية في وظائف سياسية قيادية علي مستوي ولاة الولايات والوزراء الاتحاديين وما دونهم
ومن الأمثلة علي ذلك: الشرتاي جعفر عبد الحكم (شرتاي الفور بوادي صالح) والذي شغل منصب الوالي في ولاية غرب دارفور والوزير محمد بشارة دوسة (ابن سلطان الزوغاوة - كوبي) والذي شغل منصب وزير العدل والنائب العام واللواء آدم حامد موسي (زوج ابنة ناظر قبيلة الزيادية بشمال دارفور) شغل منصب والي كسلا ووالي جنوب دارفور والدكتور التيجاني السيسي (الأخ الأصغر للدبيقاوي فضل سيسي - قبيلة الفور) شغل رئيس السلطة الانتقالية لدارفور، وصلاح علي الغالي (ناظر قبيلة الهبانية بجنوب دارفور)، عمل والياً لغرب كردفان وجنوب دارفور ورئيساً للهيئة البرلمانية للحزب الحاكم حينها وغيرهم كثيرون تولّوا مناصب في الحكومات الولائية والمحليات.

إن انغماس زعماء الإدارة الأهلية في الوظائف السياسية في المركز أو رئاسة الولايات أدي لنتيجة عكسية حيث أضعفت نفوذهم في إطارهم المحلي وجعلتهم أطرافاً في الصراع السياسي وهو عكس ما سعت إليه حكومة الإنقاذ.

أدّي حل الإدارة الأهلية في عام 1970 إلي استفحال النزاعات القبلية في دارفور وعدم حلها بصورة فعّالة وفي معظم الأحيان يتأخر الحل حتي تقوم الحكومة بعقد مؤتمرات الصلح مما أجّج الصراع في دارفور وفاقمه إلي حدوث الحريق الكبير الذي نشب عام 2004 والذي أدّي بدوره لمزيد من إضعاف الإدارة الأهلية ببروز قيادات عسكرية من خارجها في الميدان العسكري وفي معسكرات النزوح.

الخلاصة في نظري:
الإدارة الأهلية نموذج عبقري سوداني يجب أن يتم إعادة الاعتبار إليه وتفعليه وتنظيمه وإعطاءه أدواراً تناسب طبيعة المرحلة الحالية والنأي به عن مسالك السياسة الوعرة. نحتاج لذلك أن يتم سنّ قانون حديث يحدد مهام وصلاحيات الإدارية الأهلية بحيث يتم إدماج هذا القانون مع قانون اللجان الشعبية وأقترح أن يتم انتخاب لهذه المناصب ويكون شيخ القرية أو الحي منتخباً لمدة عشرة أعوام ويترأس اللجنة الشعبية للقرية أو الحي ويتم انتخاب العمدة علي مستوي المحلية للإشراف علي الشيوخ في دورة من عشر سنوات ويمكن أن يرأس مجلس شوري المحلية ويتم انتخاب الناظر علي مستوي الولاية للإشراف علي العمد ويمكن أن يتولّي رئاسة المجلس التشريعي للولاية أو أن يعمل الشيخ تحت إشراف ضابط المحلية ويكون مستشاراً له وكذلك العمدة والناظر مع المعتمد والوالي.

مشايخ الأحياء والفرقان يمكن أن يساهموا في ضبط الأمن والحفاظ علي البيئة ومساعدة السلطات في جباية الضرائب والزكاة وصحة البيئة والإشراف علي المرافق العامة والأوقاف

أقترح تكوين لجنة شبابية لإعانة اللجنة الشعبية والإدارة الأهلية في كل حي أو قرية وذلك لضمان مساهمة الشباب في النهضة بمناطقهم وقراهم وللمساهمة في الأعمال الخيرية مثل محو الأمية والنظافة وحملات التطعيم ورعاية الأيتام وكبار السن.

ولاستعادة دور الإدارة الأهلية وتمكينها أقترح أن يلغي قانون أيلولة الأراضي للدولة وأن يتم إعطاء الإدارة الأهلية والسلطات المحلية الحق في تخصيص الأراضي بغرض السكن والزراعة والاستثمار للسكان المحليين بالتنسيق مع السلطات المحلية وفق قانون ينظم ذلك

الإدارة الأهلية يمكن أن تلعب دوراً هاماً ومفصلياً في نهضة السودان والحفاظ علي هويته واستقراره وحتي لو تدخّلت الإدارة الأهلية في السياسة في إحدي مراحل تطوّر النظام السياسي في السودان فلا يجب أن يكون ذلك مزعجاً لنا لأنه ما زالت الانتخابات في السودان تمارس في معظمها by proxy حيث يفوّض كثير من السودانيين الذين يدينون بالولاء لطائفة الأنصار أو الختمية زعيمي الطائفتين بأن يختارا لهم المرشّح الذي يرضونه لهم ليصوّتوا له فهما في نظر أتباعهم أدري منهم بما يصلح دنياهم وآخرتهم
لذا فلا يضير إن تحوّل هذا التفويض لمشائخ الإدارة الأهلية وعمدها ونظّارها ويجب أن يحتفي به كمظهر لدمقرطة تفويض الاتباع لعدد أكبر من المفوَّضين by proxy وحتماً سوف يصل السودانيون يوماً للوقت الذي يقوم فيه كلّ سوداني بوضع صوته في موضع الندي والخير للسودان الوطن الجميل

بابكر إسماعيل
[email protected]





تعليقات 3 | إهداء 0 | زيارات 532

خدمات المحتوى


التعليقات
#1837496 [قنوط ميسزوري]
0.00/5 (0 صوت)

06-24-2019 10:27 PM
لا أعرف سببا يجعل محرر الراكوبة يحب تعليقاتي على هذا الدكتور الذي كان يتلصص من تحت السلالم في جامعة الخرطوم كلية الطب ليشبع غريزة غريبة في رؤية الملابس الداخلية لأخواته في الجامعة


#1837045 [tag.]
0.00/5 (0 صوت)

06-23-2019 10:29 AM
منسوبى الادارة الاهلية اليوم هم من اشباه الرجال الذين يبيعون ذممهم بالمال الملوث بدماء الشهداء. كيف لهم ان يلتفوا حول القاتل المجرم الذى استباح الدم ولم يراعى حرم الشهر الحرام وقام بالقتل والاغتصاب . كيف لهم ان يحشدوا قبائلهم ويقفون خلف هذا المجرم وهو يتبول ويتقوط فوق رؤسهم.


#1837042 [tag.]
0.00/5 (0 صوت)

06-23-2019 10:26 AM
منسوبى الادارة الاهلية اليوم هم من اشباه الرجال الذين يبيعون ذككهم بالمل المبوث بدماء الشهداء. كيف لهم ان يلتفوا حول القاتل المجرم الذى استباح الدم ولم يراعى حرم الشهر الحرام وقام بالقتل والاغتصاب . كيف لهم ان يحشدوا قبائلهم ويقفون خلف هذا المجرم وهو يتبول ويتقوط فوق رؤسهم.


بابكر إسماعيل
بابكر إسماعيل

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة