المقالات
السياسة
اقبلوا مقترح الوسيط بدون تعديل
اقبلوا مقترح الوسيط بدون تعديل
06-23-2019 03:57 AM

اقبلوا مقترح الوسيط بدون تعديل

حكايات إيسوب (Aesop’s Fables) هي مجموعة من الأساطير كتبها إيسوب وهو عبد يوناني عاش في اليونان القديمة بين عامي 620 و 560 قبل الميلاد، وقد اشتهرت حكاياته حول العالم وتعد أساطيره رافدًا للتربية الاخلاقية للأطفال. تذكرت قصة صاحب الحمار وأنا أتابع حال المجلس العسكري الذي سمح لكل من هب ودب بتقديم مقترحاته لحل المشكل السوداني. القصة تحكي عن ذهاب رجل وابنه وحمارهما إلى السوق، فبينما كانا يسيران بجوار الحمار شاهدهما أحد القرويين فقال لهما (أيها الحمقى ما فائدة الحمار إن لم يكن للركوب عليه) فقام الرجل بوضع ابنه على ظهر الحمار وواصلا سيرهما. بعد قليل مروا على مجموعة من الرجال فقال لهما أحدهما (انظروا إلى هذا الولد العاق، يدع والده يمشي وهو راكب). فأمر الرجل ابنه بالترجل وركب مكانه. ولكن لم يستمر الحال كثيراً حيث مروا على امرأتين تسيران في الطريق، فقالت احداهما للأخرى (انظري إلى هذا الأب القاسي المتحجر القلب يركب ويترك ابنه الصغير المسكين يمشي في هذا الحر). احتار الرجل ولم يدر ماذا يفعل، وبعد تفكير حمل ابنه وأردفه معه على الحمار. وعندما مرا بإحدى القرى لاحظ الرجل أن المارة يحدقون ويشيرون إليهم ويضحكون ويسخرون منهم. توقف الرجل وقال لهم لم تسخرون منا؟ قالوا له (ألا تشعر بالخجل، أنت وابنك الضخم هذا تحملان هذا الحمار المسكين فوق طاقته). نزل الرجل والصبي وهم في حيرة لا يدريان ماذا يفعلان. وفكر الرجل ملياً وأخيراً قام بقطع عمود وربط أقدام الحمار إلى العمود وقام هو وابنه بحمل العمود والحمار على أكتافهم. ثم واصلوا سيرهم وكلما مروا على قوم ضحكوا وسخروا منهم، حتى وصلوا إلى جسر يؤدي إلى المدينة، حينها كان الحمار قد حرر احدى رجليه الخلفيتين فأخذ يرفس ويركل حتى تحررت رجله الثانية، وأثناء الركل والرفس سقط طرف العمود الذي كان يحمله الصبي وانزلق الحمار من العمود وسقط من فوق الجسر إلى النهر وغرق.
كان للمجلس العسكري رؤية واضحة عند انحيازه للثورة، وتتمثل باختصار في التفاوض مع ممثلي الثورة لإدارة الفترة الانتقالية بمستوياتها المختلفة مع الاحتفاظ بالسلطة السيادية (المجلس السيادي) في وجود تمثيل رمزي للمدنيين. إلا أنه فوجيء بموقف قوى الحرية والتغيير التي أرادت أن تفرض العكس بأن تكون لها السلطة السيادية في وجود تمثيل رمزي للعسكر. لا شك أن لكلا الطرفين منطقه ومبرراته، وكان من الممكن أن يسيرا بسلام لولا التدخلات الداخلية والخارجية. قوى الحرية والتغيير رغم خلافاتها وتبايناتها واختلافاتها فهي تبدو متماسكة ومتوافقة على رؤى واضحة وأهداف محددة. إلا أنها ارتكبت خطأ جسيم وآخر كبير، أما الخطأ الجسيم هو اعتقادها أنها من القوة بحيث يمكنها استبعاد المجلس العسكري من المشهد السياسي وجعل وجوده رمزياً فقط، أما الخطأ الكبير فهو إقصاء قوى سياسية ومدنية واسلامية - غير موقعة على البيان - وكانت داعمة للثورة وساعدت في نجاحها.
كل الأحداث التالية بما فيها أخطاء المجلس العسكري الكبيرة كانت بسبب هاذين الخطأين. وجد المجلس العسكري نفسه مهدداً بالإقصاء وهو يعتقد - والكثيرون من كذلك – أنه الضامن لأمن وسلامة البلد خلال الفترة الانتقالية. كرد فعل اتبع المجلس العسكري استراتيجيات لتثبيت موقفه كان لها أثر بليغ في تعقيد وتعميق الأزمة، وكان أكبر خطأ ارتكبه هو إشراك أحزاب الفكة وبعض رموز النظام السابق في طرح مقترحات وحلول وهي نفس العقليات وطريقة التفكير التي خلقت المشكلة من الأساس، فقدموا له رؤى وأفكار مفخخة بنكهة أجندات ذاتية لا وطنية، فجعلوه أكثر حيرةً من صاحب الحمار أيركب أم يمشي أم يحمل الحمار، وما تلى ذلك من فض للاعتصام ومحاصرة الحريات الاعلامية وقطع الانترنت. وبسبب الضغوط الداخلية والخارجية استنصر برموز النظام المخلوع والإدارات الأهلية والطرق الصوفية واستمال بعض الثوار. ثم مضى خطوات أبعد من ذلك بمحاولة الحصول على تفويض شعبي لتشكيل الحكومة بحيث يقصي بموجبه قوى الحرية والتغيير.
كل الأحداث الماضية وبكل أسف كانت ردود أفعال لأزمات تثار هنا وهناك، لم نجد من الطرفين من يبادر إلى منع الأزمة من الحدوث. نقول ما زال من الممكن تدارك الأوضاع وأنها ما زالت تحت السيطرة. من ناحية على قوى الحرية والتغيير أن تعرف أنها وإن كانت القائد للحراك الثوري فإن هذا لا يعطيها الحق في إقصاء المجلس العسكري أو تهميش دوره لأن المجلس العسكري يمثل الجيش والدعم السريع والشرطة والقوات الأمنية التي منوط بها حماية الوطن من كل المهددات الداخلية والخارجية وهو الضامن الوحيد - بعد المولى عز وجل - للانتقال السلمي إلى حكومة منتخبة ديموقراطياً. وبنفس القدر فإن المجلس العسكري يجب أن لا يعتقد بأنه من الممكن أن يحصل على تفويض شعبي لتشكيل حكومة من طرف واحد يقصي بموجه قوى الحرية والتغيير لأنها تمثل كل الثوار ومعظم الشعب السوداني. وببساطة شديدة إذا اتفق الطرفان انحلت مشكلة السودان.
الآن نحن أمام وساطة أثيوبية مدعومة أفريقياً ودولياً تتمثل في إبقاء الاتفاق على كل ما تم التوافق عليه سابقاً بشأن السلطة التنفيذية والتشريعية وان يكون مجلس سيادة 7+7+1 ورئاسة دورية، وقد وافقت عليها قوى الحرية والتغيير. وأرجح أن يوافق عليها المجلس العسكري وربما يشترط أن تكون الرئاسة طوال الفترة الانتقالية للعسكر. من مصلحة البلد كلها أن يوقع الطرفان على طرح الوساطة دون تعديل أو تغيير، لأن أي محاولات للتعديل والتغيير ستفتح أبواب الجحيم في ظل غياب الثقة والتصعيد المتبادل. من هذا المنبر أدعو المجلس العسكري لقبول طرح الوسطاء لتعود الثقة والشراكة الحقيقية بين الطرفين ولتبدأ المفاوضات المباشرة وكتابة أول صفحات السودان الجديد.

د. محمد العركي
[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 773

خدمات المحتوى


د. محمد العركي
د. محمد العركي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة