سيكولوجية الجماهير (اخص الادارة الاهلية)
06-24-2019 03:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
سيكولوجية الجماهير (اخص الادارة الاهلية)
(حشد العقلاء أمر معقد للغاية، أما حشد القطيع فلا يحتاج سوى راعٍ وكلب)، هذه العبارة منسوبة إلى وليام شكسبير، والمعنى نراه ونعيشه بشكل يومي وفي كل مكان، بدءاً بالسياسة وانتهاء بلعبة كرة القدم. القطيع يستنفر ويتجمع في لمح البصر، لأنه يتحرك بمثيرات الشهوة والغريزة. فعلى رائحة الدم تتجمع قطعان الذئاب مثلاً وأسراب النسور والعقبان وكل الحيوانات المتوحشة. وبمنطق ذهنية الجماعة التي تجرح سريعاً حين يخص الأمر وجودها وحقوقها أو نرجسيتها القومية، يندفع الناس لمثل هذا الحشد للمصلحة الشخصية وايجاد مكان لهم مع السلطة الحاكمة. لكن لن يكون هناك شخص عاقل أبداً، فالعقلاء ينفرون من كل ما يلغي الإرادة ويقود للغوغائية!
لا يتحرك العقلاء بـ«سيكولوجية الجماهير»، كما يطلق عليها جوستاف لوبون في كتابه المعروف بالاسم نفسه، لأنهم في أكثر الظروف التباساً يظلون محتفظين بشخصياتهم الواعية، بحيث يصعب تزييف وعيهم أو توجيههم، بينما في حالة حشد الجمهور(الادارة الاهلية) تتلاشى الشخصية الواعية للفرد، وتصبح شخصيته اللاواعية في حالة من الهياج، ويخضع الجميع لقوة التحريض وتصيبهم عدوى انفلات العواطف، بحيث تلغى شخصية الفرد المستقل، ويصبح عبارة عن إنسان آلي يتحرك بقوة الهستيريا الجماعية كما يقول لوبون.
يعي العقلاء أنه حين تجتمع الجماهير بشكل مفاجئ وتبدأ في إصدار أحكام غير مدروسة وغير متزنة أو عشوائية نتيجة حدث ما (كما هي الحال مع قضية حشد الأدارة الأهلية لنصرة المجلس العسكرى الانتقالي)، فالخطاب المسيطر خطاب عاطفي بامتياز وذاهب باتجاه واحد، ويضج بنظرية التخوين والعدائية، ولا يخلو من الحيرة والضبابية وعدم الوضوح، خاصة أنه لا خطابا عقلانياً يواجه ذلك كله أو يعقلنه، وهنا فنحن لا نتخذ موقفاً مع أو ضد، لكن ننظر إلى تأثير هذا الهيجان للادارة الاهلية وفي تماسك مكونات المجتمع السودانى فى الشارع أولاً وأخيراً. فمتى تولت الجماهير قيادة الحدث، فالله وحده يعلم إلى أين يمكن أن تنتهي الأمور، خاصة ونحن نتحدث عن ارتفاع شديد في مستوى الهيجان النفسي والعاطفي، بسبب تقاطع القضية مع المشاعر الوطنية والقومية!
تبدو قضية فض الاعتصام امام القيادة العامة لافتة لأي إنسان عاقل، لافتة في توقيتها (في رمضان والمعتصمين صيام ونيام) وطريقة تفجرها في هذا الوقت الحساس، خاصة أن السودان لا تنقصه الإشكالات مثل ازمة الخبز وازمة الوقود وارتفاع الاسعار وعدم وجود السيولة......الخ.
من هنا يجب على النخب المثقفة والمستنيرة والعاقلة من الجانبين المجلس العسكري وتجمع قوى الحرية والتغيير، أن تضبط الأمور وسير النقاشات والحوار وفحص المبررات، كي نجنب السودان المجتمع والسودان الدولة ما يخططه لها اتباع النظام السابق الذين لن يكفوا عن العمل على تفجير المجتمع من داخله وبكل الوسائل!
د. يوسف عثمان حسين أسد
جامعة الجزيرة
23/6/2019م
|
خدمات المحتوى
|
د. يوسف عثمان حسين أسد
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|