المقالات
السياسة
المخرج في التحكيم الوطني
المخرج في التحكيم الوطني
06-25-2019 04:04 PM

في يوم الأربعاء الموافق 15 مايو 2019 أعلن المجلس العسكري الانتقالي أنه توصل إلى اتفاق على 90% من القضايا مع قوى إعلان الحرية والتغيير، وكشف ياسر العطا عضو المجلس العسكري متحدثا باسم المجلس في مؤتمر صحفي مشترك مع ممثلين عن إعلان قوى الحرية والتغيير عن التوصل إلى تسوية حول تشكيل هياكل الحكم الثلاثة: المجلس السيادي ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي. وقال إنه تم الاتفاق على مرحلة انتقالية من 3 سنوات، ومجلس تشريعي من 300 عضو بنسبة 67 % لقوى الحرية والتغيير، و33% للقوى الأخرى، وتشكيل مجلس وزراء مدني من الكفاءات الوطنية التي تمتاز بالخبرة المهنية والنزاهة، بحيث يكون بصلاحيات تنفيذية كاملة ويتم اختياره من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير.
في نفس المؤتمر الصحفي أكد عباس مدني المتحدث باسم إعلان قوى الحرية والتغيير التوصل إلى اتفاق حول هياكل الحكم الثلاثة، مشيرا إلى أن المرحلة الانتقالية ستكون لمدة 3 سنوات، وستخصص الستة أشهر الأولى منها لتوقيع اتفاقيات سلام في البلاد..وقال ياسر العطا عضو المجلس العسكري: "نعاهد شعبنا العظيم على أن يكتمل الاتفاق ويحقق طموحات شعبنا الأبي، وستحتفل جماهيرنا خلال 24 ساعة بتحقيق غايات الثورة المجيدة". وأكد المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير أن أي "قطرة دم سودانية يجب الاحتفاظ بها للبناء، لا أن تسيل في ساحات الاعتصام التي يجب أن تظل سلمية ومعبرة عن روح الكفاح من أجل الديمقراطية".
إلا أنه وبكل أسف خلال الـ 24 ساعة التالية وما تلاها من أيام وأسابيع من هذا الاتفاق الشفاهي الموثق إعلامياً وغير الموثق كتابياً لم تحتفل الجماهير بتحقيق غايات الثورة المجيدة وإنما نصبت صيوانات العزاء والحزن والدموع عقب الفض الدموي للاعتصام في 3 يونيو 2019 وقتل وجرح المئات واغتصاب العشرات من المعتصمين السلميين وانتكست الأمور وتفاقمت بصورة مأساوية، وتفرق الثوار يلعقون جراح الغدر والخيانة الدامية في ليلة القدر المباركة.
واصل المجلس العسكري التصعيد بإلغاء الاتفاقات السابقة مع قوى الحرية والتغيير ووقف التفاوض معها وقطع الانترنت والتضييق على الإعلام. وكذلك لجأت قوى الحرية والتغيير من ناحيتها للتصعيد السلمي للحراك الثوري بإعلان العصيان المدني. لقد تبين خطأ عدم كتابة الاتفاق والتوقيع عليه. أن كان المثل السوداني يقول (الراجل بيربطوه من لسانه)؛ إلا أنه فيما يبدو فإن هذا المثل لا ينطبق على رجال المجلس العسكري. وانقطعت شعرة معاوية بين المجلس العسكري وقوى الحري والتغيير وتبددت الثقة التي كانت بلا حدود وحل محلها التشكيك والتخوين والتجريم، وبذلك أغلقت نافذة الأمل والتفاؤل وانفتحت أمام الشعب السوداني نافذة نحو الجحيم.
في يوم الخميس 6 يونيو 2019 إثر العنف المستخدم ضد المحتجين عند فض اعتصام المتظاهرين أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم الذي اسفر عن مقتل العشرات وجرح المئات، اعلن مجلس السلم والأمن الافريقي تعليق عضوية السودان بمفعول فوري اعتباراً من اليوم الخميس 6 يونيو 2019. في يوم الجمعة 7 يونيو وصل رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، إلى العاصمة السودانية الخرطوم، للوساطة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وأجرى محادثات مع قادة المجلس العسكري الانتقالي وزعماء في قوى إعلان الحرية والتغيير في زيارة رسمية استغرقت يومًا واحدًا. ووصف محادثاته مع الطرفين بأنها اتسمت بـ"المسؤولية العالية والوعي بخطورة المرحلة." وقال "يجب أن يتحلى الجيش والشعب والقوى السياسية بالشجاعة والمسؤولية باتخاذ خطوات سريعة نحو فترة انتقالية ديموقراطية وتوافقية في البلد." من جانبه أعلن المجلس العسكري الانتقالي، موافقته على الوساطة الإثيوبية "مبدئياً"، مؤكداً الرغبة في العودة للتفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير والأطراف السياسية المعارضة في البلاد، وأكد المجلس التزامه بالوساطة المشتركة بين الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا إزاء ما يجري في السودان، مشيرا إلى أنهم في المجلس قدموا وجهة نظرهم للخروج من الأزمة.
تفاعل الاعلام العالمي مع الوساطة الإثيوبية ووصفتها وكالات أنباء بأنها نجحت في إعادة المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير إلى طاولة الحوار بعد أيام من التوتر بسبب فض اعتصام القيادة العامة، مشيرةً إلى تعليق العصيان المدني. وفي خضم هذا التفاؤل لم ينتبه كثيرون إلى عبارات المجلس العسكري المفخخة بقبول الوساطة "مبدئياً" والتزامه بالوساطة المشتركة بين الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا. هذه العبارات المدروسة بعناية كان القصد منها رفض المبادرة الأثيوبية في الوقت المناسب بعدما تبينت ملامحها خلال زيارة الرئيس الأثيوبي. لم يعد الرئيس الأثيوبي إلى الخرطوم بعد أسبوع كما وعد، وأثناء ذلك حدثت محاولة انقلابية فاشلة في بلده.
في يوم الجمعة 21/6/2019 قدم الوسيط الأثيوبي مبادرة بلاده التي تتضمن التأكيد على ما تم الاتفاق عليه سابقاً بخصوص المجلس التشريعي ومجلس الوزراء، ومقترح تشكيل مجلس سيادي من 15 عضو يتكون من 7 من العسكريين و7 من المدنيين، على أن يشغل المقعد الخامس عشر شخصية مدنية حيادية يتم التوافق عليها بين الطرفين. وبينما وافقت عليها قوى الحرية والتغيير، رفض المجلس العسكري المبادرة الأثيوبية كما كان متوقعاً، ودعا في مؤتمر صحفي الوسيطين الأثيوبي والأفريقي إلى توحيد المبادرات وتقديم رؤية مشتركة، وقال كباشي للصحافيين "التقينا الوسطاء من الاتحاد الأفريقي والجانب الأثيوبي وطلبنا منهم توحيد المبادرات وتقديم رؤية مشترك بأسرع ما يمكن." فيما اعتبرت قوى الحرية والتغيير برفض الوساطة الأثيوبية الأفريقية الموحدة هو إعلان حرب على المجتمع الإقليمي والدولي.
هناك غموض كبير في موضوع الوساطات، فبينما تقول قوى الحرية والتغيير أنها اجتمعت مع الوسيطين الأثيوبي والأفريقي وأكدا لهم أن هذه المبادرة هي مبادرة موحدة من أثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومدعومة دولياً، يقول المجلس العسكري أن هناك مبادرتين أثيوبية وأفريقية وأن هناك اختلاف بينهما ولذلك يدعو إلى توحيدهما في مبادرة واحدة. بينما يظل الأمل الأكبر في حل يأتي بأيدي سودانية كونه الأفضل والأنسب والأبقى لحاضر ومستقبل البلد، ولا أعتقد أن الشعب السوداني بكل عظمته وإرثه التاريخي لا يوجد فيه شخص عاقل أو رجل رشيد بإمكانه إخراج البلاد من الغرق في مستنقع الفوضى والحرب الأهلية.
في مبادرة وطنية داخلية، أعلن رئيس حزب الأمة القومي، الصادق المهدي عن تبنيه لمبادرة وطنية جديدة لاحتواء الأزمة السودانية الحالية - وجدت تجاوب من الحزب الاتحادي الديموقراطي والاتحادي الأصل - وأعتبر أن المُبادرة الإثيوبية لا تؤثر بصورة إيجابية على ما يمكن تحقيقه في البلاد. وقال “نعول على المبادرات الوطنية ولكنها تتطلب موافقة كل الأطراف المجلس العسكري، وقوى الحرية والتغيير، والأطراف خارجها، فإما قبول التحكيم الوطني، أو مواجهة الجحيم”. اتفقنا أو اختلفنا حول السيد الصادق المهدي، فإنه رجل صاحب تجربة وخبرة ودراية وحكمة، وقد سبق وحذر من استعداء المجلس العسكري والتعامل معه كشريك فلم يستمع لقوله أحد، بل اتهم بأنه مخذل ومتملق للمجلس العسكري، وتبين لاحقاً أن الاستعداء والتصعيد المتبادل كان السبب الرئيسي وراء الأحداث الأخيرة. يظل الأمة والاتحادي أكبر حزبين في السودان وفق آخر انتخابات حرة نزيهة. الوضع لا يتحمل تشكيل لجان جديدة ولذا على السيد الصادق أن يختار 5 محكمين وطنيين من عقلاء وحكماء الشعب السوداني من الشخصيات الوطنية المعتدلة ويؤمن قبول المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على هؤلاء المحكمين قبل المضي قدماً في صياغة مقترح التحكيم الوطني، فمواقف الطرفين واضحة ومطالبهم ليس فيها غموض، والحلول الوسطية التي ستؤدي إلى توافق كامل واضحة أيضاً، على لجنة التحكيم الوطني صياغة حكمها وعرضه على الطرفين خلال 48 ساعة على المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير للاذعان له.
تصريحات نائب رئيس المجلس العسكري الأخيرة تزيل الغموض وتوضح رؤيتهم للحل وذلك بقوله "إن كانوا يريدوننا أن نتقاسم المجلس السيادي عليهم قبول تقاسم المجلس التشريعي". ويتبين من ذلك أن رؤية المجلس العسكري للحل هي قبول 7+7+1 في المجلس السيادي مقابل أن تكون نسبة قوى الحرية والتغيير في المجلس التشريعي 50% بدلاً عن 67% وتكون 50% لباقي القوى السياسية. وفي يقيني أن ذلك يقربنا كثيراً من الحل، ويمكن للوساطة الوطنية أن تبني على ذلك باعتبار أن المشكلة الآن فقط في المجلس التشريعي، وعلى قوى الحرية والتغيير القبول بتقليل نسبتها في المجلس التشريعي إلى 52% مقابل 48% لباقي القوى السياسية حتى يحدث توازن في المجلس التشريعي مع احتفاظ القوى الممثلة للثورة بالأغلبية، وهذا يعتبر تنازل حميد ومرغوب لمصلحة الوطن باعتبار أن قوى الحرية والتغيير بما تضمه من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني تضم أكثر من ثلثي الشعب السودان، بينما تمثل القوى الأخرى مجتمعةَ - باستبعاد المؤتمر الوطني - أقل كثيراً من الثلث. إلا أن تقديم التنازلات لمصلحة الوطن مهم جداً لأن الأولوية لدرء الفتنة قبل جلب المصلحة.
د. محمد العركي
[email protected]





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 508

خدمات المحتوى


التعليقات
#1837714 [الدنقلاوي]
0.00/5 (0 صوت)

06-25-2019 05:08 PM
السيد الصادق المهدي، فإنه رجل صاحب تجربة وخبرة ودراية وحكمة.....
يا راااااجل!!! أو كما قال مجمد سليمان دنيا دبنقا

الصادق هذا لم يزيده كبر السن إلا حمرة في الذقن! أما الحكمة فقد خاب من توخاها فيه.


د محمد العركي
د محمد العركي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة