المقالات
السياسة
الإعلام مدخلا لقوى الثورة المضادة
الإعلام مدخلا لقوى الثورة المضادة
06-29-2019 05:33 AM

الإعلام مدخلاً لقوى الثورة المضادة

يلعب الإعلام دورا مهما في أي عملية تغيير أجتماعي أو سياسي، و يعكس الإعلام الثقافة السياسية ألتي يتبعها المسؤولين في إدارته، و يحددون الأهداف التي يريدون الوصول إليها، و التغيير في أي مجتمع يقوم علي فكرة، و هي التي تحدد مسار التغيير و القوى التي يجب المشاركة في عملية التغيير و آلياته و حتى أختيار اللغة التي يجب استخدامها، باعتبار أن الإعلام يخاطب مستويات مختلفة في المجتمع. و كان الإعلام قبل 11 إبريل تحكمه الثقافة الشمولية التي تقوم علي تمجيد الفرد من جانب، و كيفية الحفاظ علي النظام من جانب آخر، و علي هذا الأساس تبني الأجهزة الإعلامية إستراتيجية عملها، و يعتبر التلقين العمود الفقري، في العملية الإعلامية للنظم الشمولية، لآن الرسالة الإعلامية تذهب في اتجاه واحد، لا ينتظر مرسلها أن تقوم علي المدارسة و الاستيعاب، ثم ردة الفعل، أو إنها رسالة بعثت من أجل الحوار، لذلك ابتعد الناس عن متابعة الأجهزة الإعلامية، و عادت إليها الروح بعد نجاح الثورة و خلع الرئيس. حيث غشتها رياح الحرية، و ظهر الفرق بين الرسالة الإعلامية المراد بها التبليغ، و الآخرى التي تقوم علي ركيزتين الرآى و الرآى الآخر الذي يفتح الأفق للإدراك ثم تحليل الرسالة و التفاعل معها إيجابا أو سلبا، و في ظل الصراع الدائر بين المجلس العسكري و قوى الحرية و التغيير حول السلطة، أرد المجلس العودة إلي السياسات السابقة للنظام الشمولي. لأنه يريد قوى يأمرها و عليها الإستجابة فقط، و هي الثقافة التي يختزنها و تعودت علي ممارساتها ثلاثين عاما، و يعلم المجلس أن العناصر التي تنفذ مثل هذه السياسة لم تغادر أماكنها، فهي تنتظر إشارة فقط لتعود لذات الممارسة و قد فعلت.
قال نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو "حميدتي" في حديثه أمام جمع من النساء " نعترف اعلامنا ضعيف، والاعلام ما معانا من زمان" و قال أيضا "يجب نقل الحدث للعالم سواء كان علينا أم ضدنا، أخطأنا أو لم نخطى" الغريب في الأمر أن حميدتي نفسه هو الذي أقال الأستاذ جمال مصطفي كمدير للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون و هو رجل مهنى نشأ في هذه المؤسسة، و رجل مهني بأقتدار و معروف ليس له ميولا سياسية، والذي كان يمكن أن ينفذ هذه السياسة المطلوبة التي تحترم المشاهد و المستمع، و تقدم له الرسالة التي تحترم تفكيره، و تجعله مشاركا و متفاعلا مع الأحداث، أي أن يخلق الوعي السياسي المطلوب الذي يحقق البيئة المناسبة لتطور و نمو الديمقراطية، و كانت الإقالة لأنه يرفض الإملاءات، و تم تعين رئيس للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون و معروفة ميوله السياسية، لكي يرجع بنا إلي الإستراتيجية التي كانت تنفذ في ظل نظام الإنقاذ الشمولي السابق، و هي سياسة تقوم علي الهدم أكثر منها سياسة بناء و تغيير، لأنها تقوم علي نفي الآخر، و عدم أحترام أي رؤية تخالف السلطة التي جاءت بالإدارة التي تدير الأجهزة، فكان دور الإعلام التبليغ و التلقين، و ينتظر التنفيذ دون طرح أي أسئلة مبدأ " نفذ ثم ناقش".
ثلاثين عاما عجاف علي الأجهزة الإعلامية و هي لا تنتج غير الثقافة الشمولية، و لا تقدم أي مبادرات وطنية، بل تنتظر الأوامر ثم تقوم بتنفيذها، و هي كانت أحد أسباب فشل النظام ، أن الذين تشربوا بالثقافة الشمولية و رضوا أن يعطلوا عقولهم و يصبحوا تنفيذين لإملاءات تأتيهم من خارج المؤسسات الإعلامية، هؤلاء غير مفيدين في تأسيس أجهزة إعلامية لتحول ديمقراطية، بعد سقوط الرئيس المعزول حاول البعض منهم أن يجاري شعارات الثورة، و سرعان ما طلب منهم المجلس العسكري تغير السياسة، و الرجوع إلي السياسة الشمولية، لم يتردد البعض منهم في الرجوع للممارسة القديمة، و بدأوا عملهم كيف يتم تشويه صورة الثورة و رموزها، لأنها السياسة الإعلامية التي يجيدونها.
أي ثورة في العالم تهدف للتغيير الديمقراطي، لابد أن تحدث تغييرا في مؤسستين الإعلام و التعليم باعتبارها المؤسستان الأيديولوجيتان التان تنتج الثقافة الشمولية و تحافظ علي أستمرارها، و أول عمل في عملية التغيير يجب أن يكون تفكيك هذه المؤسسات لضمان الاستمرار في تفنيد الثقافة الشمولية و محاصرتها و محاربتها، فالذين كانوا ينتجون الثقافة الشمولية، لا يملكون غير الذي يعرفونه، و كانوا يمارسونه طوال سنينهم في هذه الأجهزة، لذلك لا يكونون مفيدين في النظام الجديد الذي مراد منه إنتاج ثقافة مغايرة تماما، إعلامي النظم الشمولية تعودوا علي التلفيق و للوي عنق الحقائق، و و قزف الناس بالباطل، و تشويه صور المعارضين، و انتظار تلقي الأوامر، لذلك حتى بعد التغيير لم يستطيعوا أن يقدموا واجهات جديدة لكي يديروا الحوارات و التحليلات، فجاءوا بذات العناصر التي تسيدت الشاشات في النظام الشمولي، لكي يتحدثوا عن التحول و التغيير و كيف تبنى النظم الديمقراطية، هؤلاء لا يستطيعون غير البضاعة الكاسدة لديهم.
فالسياسة الشعبوية التي يقدم عليها المجلس العسكري، في استنفار قيادات النظام السابق لكي تؤدي ذات ممارساتها السابقة، في جلب الناس إلي الساحات بعد وعدهم أن السلطة سوف تنفذ لهم كل مطلوباتهم من كهرباء و مياه و فتح طرق و مدارس، هي ذات السياسة التي كان يمارسها الرئيس المخلوع، و يحاول الإعلام أن يصورها إنها القاعدة الشعبية التي تحاول المعارضة إقصائها، و كل الشعب يعلم و هم أنفسهم يعلمون أنهم فشلوا في حماية النظام من السقوط. فهؤلاء لا يستطيعون تقديم شيئا للمجلس غير الهتاف وترديد ما يملأ عليهم. فالعقليات الإعلامية هي نفسها التي أوحت للمجلس العسكري أن يقطع خدمة الانترنيت بهدف عدم استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي التي تساعد قوى الحرية و التغيير علي تعبئة الجماهير و حشدها، و تسمح للإعلام لكي يؤدي الدور المناط أن يلعبه، و بهذه الفعلة و رسالتها العرجاء خلقت حالة نفسية مضادة في الشارع حجبت رسالتها من الوصول، و غادر المشاهدون شاشات قنوات السلطة، الأمر الذي يبين ضعف المجلس و تخوفه من الحراك الجماهيري،و كل هذه تعد جزءا من العمل الإعلامي المضاد. لذلك يعد الركن الأساسي من مطلوبات الثورة حرية العمل الإعلامي.
أن قطع الانترنيت بهدف حجب وسائل الاتصال الاجتماعي تبين الفكر الشمولي الذي يستبطنه هؤلاء الذين قالوا أنهم إنحازو للثورة ، و هم يحاولون هدم أهم ركن فيها تقويض الحرية، ثم يمارسون منع القوى السياسية من ممارسة حقها في قيام نشاطات سياسية بهدف توعية الجماهير، فالحرية و العمل الإعلامي مترابطان لا ينفصلان، و ممارسة السلطة تجاهيهما تبين الثقافة التي يحملها هؤلاء الذين يمارسون المنع، فكيف يشتكي حميدتي من قصور إعلامي و هو الذي كان سببا في تراجع العمل الإعلامي الذي بدأ يتنفس بعد سقوط البشير، من أين يأتي إعلام النظام الشمولي ببضاعة و ثقافة غير موجودة لديهم.
فالمجلس العسكري الآن يمارس الشمولية، في سياسات المنع و التجريم، و في النشاط الشعبوي الذي تمارسه قيادات، و إعطاء الضوء الأخضر للثورة المضادة أن تشن هجوما علي الثورة لتشويهها، فالذين يمارسون هذه الافعال لا يملكون غيرها، و لا يستطيعون أن يسهموا في بناء المؤسسات الديمقراطية لأنهم لا يملكون ثقافتها و لا آدواتها و لا فكرها و لا تعودوا أن يسمعوا الرآى الآخر، فالإعلام يتغير في رسالته عندما تتغير بنية الدولة الشمولية إلي صرح ديمقراطي يشارك فيه الجميع بفكرهم و تصوراتهم، لأنها البيئة التي تفجر الطاقات الإبداعية الحقيقية و ليست المصطنعة. نسأل الله حسن البصيرة.

زين العابدين صالح عبد الرحمن
[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 272

خدمات المحتوى


زين العابدين صالح عبد الرحمن
زين العابدين صالح عبد الرحمن

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة