فرية فجوة السلطة المزعومة
07-01-2019 09:40 AM
ما يبدو للوهلة الاولي، ان الأمر الذي أوقع بشعب السودان، في براثن حكم العسكر، وللمرة الرابعة منذ الأستقلال، وحسب تصريحات المجلس العسكري، هي مزاعم
سدهم ل "فجوة السلطة"، الأمر الذي يصرحون به بين الحين والاخر، في خطاباتهم الجماهيرية، أو المتلفزة.
لكن هذا الامر، لا اساس له من الصحة. فلا السودان دولة حديثة مكتملة الاركان، حتي يؤثر في وجودها، وجود أو غياب السلطة ولا السودان من الدول التي توفر احتياجات مواطنيها الأساسية، حتي يتضرر مواطنيها ضرراً بالغاً بغيابها.بل وفي أغلب الأحيان أن من يسد دور الحكومة في توفير الاحتياجات الضرورية للمواطن، كان وما زال الأسرة الصغيرة والممتدة، ومنظمات المجتمع المدني، المحلية والعالمية، والتي ساهم نظام الإنقاذ وترسباته في المجلس العسكري في عرقلة عملهم عوضا عن تيسره.
حتي في الدول المكتملة الأركان، فأن غياب السلطة لم ينتج الكواراث المتوقعة. حينما ظهرت نتيجة الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، في عام 2010، ولم تنتج تلك الدورة النجاح بتحقيق الاغلبية المطلقة، لأي من الأحزاب الثلاثة الرئيسيةالمتنافسة علي سلطة البلاد شرعت تلك الأحزاب، في التفاوض بينها للوصول الي تكوين حكومة ائتلافية، تمنح أي من الأحزاب المتنافسة الثقة الشعبية، لتكوين الحكومة، استغرقت عملية المفاوضات خمسة أيام وليالي، نتج عنها الكثير من الهرج والمرج من قبل نواب البرلمان والمهتمين بالشؤون السياسية من مؤسسات الشعب حول فجوة السلطة، المتوقعة في غياب الحكومة، في فترة المفاوضات هذة، وكان الحديث حول تلك الفجوة متضخما لدرجة، تجعلك تشعر وكانما تتسبب في الكارثة الكبرى، أو أن السماء ستنطبق علي الارض، ولكن ذلك لم يحدث، ولم يتسبب غياب الحكم في تلك الفترة في شيء، بل إن الأمر المثير للحيرة كان، أن الحكومة كانت في حالة غياب تام، لمدة شهر باكملة، حينما يتم تعليق الحكومة الدوري وتسليم العهدة للمك، قبيل شهر باكملة من يوم الاقتراع العام المحدد، لإتاحة الفرصة للاحزاب لدخول مهرجان الانتخاب، ولم تنطبق السماء علي الارض يوما، بسبب هذا الغياب.
وفي ذات السياق، استغرقت المفاوضات لتكوين الحكومة الألمانية الأخيرة، فترة أربعة اشهر، كانت فيهما الحكومة غائبة، نسبة لدخول كل الأحزاب المتنافسة في عمليات التفاوض للتوافق، علي حكومة ائتلافية، ذات ثقل جماهيري، يمنحها الثقة، لتكوين حكومة البلاد. ولم تنطبق السماء علي الارض في المانيا، ولم تتسبب فترة الغياب هذة في كارثة كبري أيضأ.
حدث ذلك في دول حديثة مكتملة الأركان، ناضجة المؤسسات، تعتمد حياة انسانها علي علاقة مباشرة مع الدولة، فالمواطنة في تلك الدول ان تم ادارتها بالأسلوب الصحيح، تعمل علي توفير احتياجات المواطن الأساسية، من توفير فرص للعمل، وضبط أسعار السلع الاستهلاكية، لكي تصبح متكافئة مع القوة الشرائية، وتوفر العلاج؛ أما من خلال برنامج صحة عام مجاني كما هو الحال في المملكة المتحدة، أو من خلال نظام تأمين صحي متاح للكل في المانيا، واما توفير البنية التحتية او مقاييس ضبط جودتها من شوارع ومواصلات وكهرباء ومياه شرب و غيرها.
غابت السلطة في بلاد توفر لانسانها مقومات البقاء ولم يحدث شيئا، بل وفي الولايات المتحدة الامريكية، لم تغيب السلطة وحسب في ظل حكومة ترامب غريبة الاطوار، بل تم إغلاق الحكومة الفيدرالية تماما، لمدة 35 يوماً، بين شهري ديسمبر و يناير الماضين، لم يتلقي خلالها عامليها رواتبهم، ولم يستطيعوا تقديم الخدمات للمواطن، ولم تنطبق السماء علي الارض، في تلك الحالة الغريبة ايضاً.
بالنسبة للسودان، فالدولة ما زالت في طور التطور وما زالت أركان الدولة الحديثة غير مكتملة، نعم توجد مكونات دولة حديثة، تصنف مواطنيها حسب تواجداهم في محيط الدولة الجغرافي، ولكن في ذات الاوان توجد قوي قبلية مترامية الأطراف، تعمل من خلال اطر مختلفة من أطر الدولة الحديثة الجغرافية السياسية، بل ان هذة القبائل لا ينطبق عليها محيط حدود الدولة، ولذلك تعتبر خارج نطاق الدولة، مثل القبائل الرعوية وغيرها من المكونات القبيلة.
هذا الازدواج، المدني والقبلي، يكون وجود متوازي بين الدولة والقبائل، تعتمد الاولي منهم في التعريف علي المواطنة وحقوق المواطنة، وتعتمد الثانية منهم في التعريف علي صلات الدم، والقرابة. لذلك فان الدولة التي تعتمد علي نظاميين مختلفيين، لتعريف مواطنيها، لا يمكن أن نطلق عليها دولة متكاملة الاركان، بل دولة في مرحلة التطور.
اما بالنسبة للحكومة، فهي غائبة مع سبق الإصرار والترصد، ولمدة تفوق ال30 عاما، ويتمثل وجودها في فترة حكم الانقاذ، في القمع، والقهر، وفرض آليات البطش، واختلاس أموال الشعب، وتطبيق نظام الاحتكار الرأسمالي -الاسوء في العالم علي الاطلاق والطاحن- وارتكاب الابادات الجماعية، والمجازر.
و من ناحية توفير احتياجات المواطن، فالدولة، لا توفر شيئاً، سوي الجبيات، وآليات قهر المواطن، والبطش والقتل، وانفاق اموال الشعب، علي ترف العاملين عليها، من رئيس الدولة وحاشيته، وحرسه وغيرهم من الاوباش.
ولذلك لقد أصبح انسان السودان في عهدها معتمدا علي نفسه تماما، مكتفياً ذاتياً الي حداً كبيراً منها، معتمداً علي أسرته الصغيرة، والممتدة، في توفير الضروريات، بل إن عدداً كبيراً من الأسر السودانية، تعتمد علي دخل عمل كل أفراد الاسرة اليومي، مع العمل الاضافي، و علي تحويلات أفراد أسرهم المغتربين العاملين خارج البلاد لتغطية تكلفة ضروريات الحياة.
اذا هنا، وفي حالة دولة السودان، فإن وجود السلطة هو الكارثة الكبري وليس غيابها، بالذات في دولة تعتمد اسلوب الدفاع عن شعبها حينما يهاجمه العدو "بالنظر"، مع اعتماد ممارسة كل أساليب العدوان الفاحش تجاه الشعب اسلوباً اسسياً لحكمها.
في هذا الوضع، تعتبر فجوة السلطة، رحمة وليس مهدد للأمن والأمان،او سلامة المواطن والوطن. فإن المهدد الأساسي للأمن والأمان و سلامة المواطن والوطن هنا هو الحكومة وبذلك فان فجوة السلطة المزعومة،ان وجدت- بركة ونعمة.
نعماء فيصل المهدي
|
خدمات المحتوى
|
نعماء فيصل المهدي
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|