أحلام مدنية اجهاضات عسكرية
07-01-2019 02:36 PM
مخطيء من يظن أن الثورة السودانية ستنتصر في ظل هذا العبث العسكري المستمر منذ ابريل الماضي... شهران والشعب السوداني يمني النفس بتشكيل حكومة انتقالية .. مدنية .. نحو دولة الحرية والسلام والعدالة .. هل أنا متشائم ؟
الشؤم كله يوم أن جاء هذا المجلس الغراب.. وادعى بأنه سوف يسلم السلطة للشعب..فصدقه الشعب المسكين..ثم ما لبثت ملامح هذا المجلس في الظهور شيئاً فشيئاً .. كر وفر .. ومراوغة لإطالة أمد التفاوض .. بيانات واتصالات ولقاءات لحشد الرأي العام حول المجلس العسكري لتشتيت تركيز قوى الحرية والتغيير واضعافها وتشويه صورتها في اذهان الجماهير.
لكن الشعب السوداني بشبابه الذي قاد هذه الثورة العظيمة، هذا الجيل ليس مثل الجيل والاجيال السابقة ، اختلفت الظروف وتوسعت المدارك وازداد الشباب علماً ووعياً بمتطلباته ..ما عاد كل شيء كما كان في سابق عهده ... شعب واع .. شعب فاهم .. شعب له إرادة حقيقية في التغيير.
ادرك الثوار أن المجلس له نوايا باطنة شريرة تختلف عن ما يظهره خيراً في العلن ، وذلك من خلال الكثير من الدلائل في أقواله وفي افعاله التي تشير الى عكس ما يحاول ترسيخه في الاذهان، مثل ترديد كلمات انحيازه للشعب والثورة والشارع ، و زهده في السلطة وعدم الرغبة فيها..
والمجلس يدرك أنه يكذب من أجل ايهام الشعب بأنه قام بالإنحياز الى مطالبه ..ولا يدري انه يدخل السودان المريض في كل قطاعاته في عزلة وسلسلة من العقوبات الجديدة، حيث ان كل ما يقوم به مراقب من قبل المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة، التي ترفض التعاون مع أي حكومة عسكرية ..
لا شك أن هذا المجلس العسكري هو امتداد للنظام الأفعى ، الذي جثا على صدر السودان ثلاثون عاماً، هذه الأفعي تحاول الآن نزع جلدها القديم واستبداله بجلد جديد.. لأن جسمها إزداد حجمه وترهل.. وقد بدأت عملية تقشر الجلد والإستبدال من الرأس ..
التمسك بالسلطة ..
والسؤال الذي يعرف اجابته كل السودان هو : لماذا يريد المجلس الاستمرار في عرض المسرحية الهزلية ذاتها التي استمرت لثلاثين عاماً بطاقم ممثلين آخرين ؟
الخوف من المساءلة هي التي تمنع هؤلاء التخلي عن السلطة .. تجاوزاتهم لا حصر لها .. فالملاحقات القضائية لا بد منها ، وهم يدركون أنه في يوم ما ستطالهم يد العدالة في أي فعل يعد إجراماً ارتكب في حق الشعب السوداني .. لذلك فكل جهدهم منصب على الكيفية التي تمكنهم الإفلات من العقاب ..هم ومن كانوا قبلهم في السلطة ..
اذا كان هؤلاء يريدون تسليم السلطة للثوار لكنا الآن في ظل حكومة مدنية انتقالية .. وعاد كل سوداني مشرد من اصقاع الدنيا .. من كندا ومن امريكا ومن استراليا وأوروبا وآسيا الى حضن الوطن ..كي لا تفوته فرصة المشاركة في مشروع بناء السودان .. والعمل على تأسيس دولة المواطنة ، دولة الحرية والسلام والعدالة، ولكي ننام مطمئنين على مستقبل اجيالنا القادمة ..
لكنهم لا يريدون ...
لا يريد المجلس تسليمها الا لأفراد يثق في ولاءهم للنظام الذي جاء لسدة الحكم عبر انقلاب عسكري، رفع شعار الإنقاذ ثلاثين عاماً.. وظل ينكس كل شيء جميل فينا ويدمره تدميراً... فبات السودان الغني بموارده الضخمة يبحث عن رغيف ليسد جوعه .. وتحضرني رواية عن إبراهيم شمس الدين انه قال " نحن مسكنا البلد دي .. يا وديناها السما يا جبناها الواطا " ..
وصدق ان قال او لم يقل...
التسامح .. والتصافح ..
المسألة بسيطة يا عالم سلموا السلطة يا مجلس يا عسكري للمدنيين... وقوموا بواجباتكم نحو الوطن .. حماية ترابها وارضها ، وبسط الامن والأمان لشعبها ..
السياسات السابقة كانت فاشلة ولم يصمد النظام في ظل التدهور المريع للاقتصاد، واكاذيبه التي حاول من خلالها كسب الوقت.. لكنه سقط .. وانحازت القوات النظامية والدعم السريع في حماية الثورة والثوار.. وهذا واجب وطني عظيم قامت به هذه القوات.
ولأن كل نفس زائقة الموت وكل شيء إلى زوال الا وجهه الكريم .. لا بد أن يكون المجلس العسكري صادقاً مع نفسه وأن يراجعها، هي لحظات صحوة ضمير يمكن أن يحس فيها بواجبه الوطني، وبقيمنا وأخلاقنا السودانية السمحة، وأن يفهم أن الشعب يمكنه أن يسامح وأن يصفح..إلا في الكذب عليه... فهل يصحو اعضاء المجلس العسكري قبل فوات الاوان؟
مشاهد على الطرق
المشاهد لا زالت ثورية .. والحماس لا زال ثورياً .. متاريس كانت على الشوارع الرئيسية تتألف من مواد متنوعة من حجارة وصخور صغيرة وطابوق اسمنتي وقطع اخشاب وحديد وحتى من البلاستيك .. هي لوحة تشكيلية معبرة .. لحماية الثوار من اجهزة النظام القمعي ومن سياراتها المسلحة..ورسوم على الجدران وكتابات تخلد الثورة وتوثق لها .. الآن المتاريس هي الصدور المفتوحة المفعمة بالثورة ..والرسوم هي مظاهرات الشباب المؤمن بالغد الجديد في كل مدينة وكل قرية وكل حي وكل شارع من شوارع السودان الجميل.... ومليونية 30 يونيو شاهد على اصرار الثورة على الانتصار.. وسوف تنتصر مهما طال الزمن..
فاين تذهبون ...
أخيراً..
مضت رحلة الثورة العسيرة وهي الآن في شهرها السابع .. الجنين يتحرك ويدفع يريد الخروج للحياة ..الشباب ينتظر في إثارة وألم وفرحة ... ولادة مبكرة او طبيعية .. ولادة طفل عملاق يصرخ صرخة الحياة ..حرية سلام عدالة .. ولادة الدولة المدنية التي هي الإسم الذي إختاره الشعب.
فيصل سعدالدين احمد
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
فيصل سعدالدين احمد
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|