أحمد هارون يضحك!!
07-02-2019 12:54 PM
من المفارقات المرصودة من المهتمين بالثورة السودانية ما يحدث في المشهد السوداني من تضادات ربما لا تحدث كثيراً في تاريخ هذا البلد الحبيب .. إذ تحول المشهد بطريقة دراماتيكية وبتراتيبية عجيبة وسريعة .. تحول تظنه أحياناً مرسوماً بكل تفاصيله وأحياناً أخرى تراه أتى ربما من النافذة إذ تغيرت النيات والقلوب فجأة فلربما تحركت خفافيش الظلام فجأة لتلحق بالحالة السياسية بعدما تفاجأوا بتواضع إمكانات أعضاء المجلس وترددهم وهرولتهم للخارج في لعب مكشوف وبغباء نادر .. كانت الفرصة مواتية لهذه الخفافيش الإعلامية وكتائب الظل الإلكترونية والكتائب المسلحة والمخفية لينقضوا على المشهد بعدا بانت العثرات وظهرت الخرمجات من حميدتي والكباشي وكان واضحاً علو كعب الحرية والتغيير بعد كل جولة مفاوضات وختمها بتنوير صحفي متقدمين فيه كثيراً على مفاوضهم ..وكانت علامات الخسارة بائنة على أعضاء المجلس العسكري .. كل ذلك أغرى هؤلاء بالدخول للمشهد بتنسيق وتكتيك عالي لا ينبئ عن فكرة وعمقها بل ينبئ عن خبث ودولة عميقة كونتها المصالح وأفشلتها وتريد العودة وبأي ثمن ..
صحيح أن الإعلام العالمي ونحن السودانيون قد تفاجأنا بسرعة النصر وعبور الثورة لنهاياتها في وقت وجيز وصحيح أنها ضمخت بدماء زكية ومعاناة مع المعتقل لمعظم نشطاء الثورة ولكنها كانت ثورة لا ترضى بغير تلك النهاية السعيدة ..
ولعلي هنا أعود للمتناقضات والمفارقات التي صاحبت الثورة من البدايات وحتى الساعة ..
أولها : إختفاء كل مكونات المؤتمر الوطني في الشهر الأول من الثورة وهروب البعض منهم خارج البلاد وقد رأينا ذلك من خلال تواجد الثوار في المطار ممسكين بتلابيب حاج ماجد سوار ومانعين لعضوية الشعبي من الخروج خارج قاعة ( قرطبة ) ولعلكم تتذكرون ما قاله عبدالرحيم دقلو نائب الدعم وشقيق حميدتي وهو ملوحاً بيسراه بعصاه التي كادت أن تصيب من حوله .. مشدداً على أنه لا يعلم من بداخل القاعة ولكننا سنقضي عليهم .. يالها من ثورية عالية إنقلبت يوم العصيان المدني إذ حاول الإساءة لقوى الحرية والتغيير وسأل الجموع هل يمثلونكم هؤلاء الذين في القيادة فكان الرد ( نعم ) يمثلوننا .. فما كان من الرجل إلا أن قال للجمع ( بينكم مندسين ) .. المواقف كثيرة ومنها كذلك محاصرة الداعية محمد مصطفى في أحد دكاكين الصناعية ومنعه من مغادرة المكان حتى حضور الدعم السريع وإستلامه .. ولا أنسى يوم قتل أحد النظاميين لأحد الشباب في مشاجرة شخصية بشارع النيل وكيف أن الثوار قد حاصروا قسم الشرطة وطريقة تعاطي مسؤولي القسم مع الثوار إذ حاولوا التهدئة وطمأنتهم بأن لا كبير على القانون .. حتى أعضاء المجلس العسكري كانوا متعاطفين جداً مع الثوار ولا ننسى أول لقاء للبرهان مع قناة العربية وهو يختم اللقاء بعد سؤال المذيع عن رسالته للثوار في القيادة ( الحصة وطن ) هنا تكمن المتناقضة الكبرى إذ أصبحت الحصة دم وقتل وإقصاء لكل من يتحدث باسم الثورة وأصبح هذا البرهان لا يتورع عن كيل الإتهامات لقادة الحرية والتغيير رغم أنهم لم يفعلوا شيئاً سوي أنهم رفعوا سقف المطالب والتوضيح لقادة المجلس بان التتويج الحقيقي للثورة في أن تكون السلطات الثلاثة برئاسة مدنية لا عسكرية .. رأى المجلس العسكري في هذا الوميض السياسي الجديد أشعة قاتلة لطموحاتهم في الحكم فاتفقوا على ثورة جديدة قوامها السيطرة الكاملة على التلفزيون الرسمي والإستعانة برموز النظام البائد من أمثال الرزيقي والطيب مصطفى واسحق نيوتن والذين كادوا أن ينخرطوا في الثورة في أيامها الأولى لولا أن تداركهم غضب الله لينتكسوا ويعودوا لماضيهم الإنتهازي بالتطبيل ورسم سياسات إعلامية مضرة وصلت مرحلة وصف الثوار بخفافيش الظلام ولعل صاحب التسمية إسحق فضل الله قد تملكه الخوف في أيام الثورة الأولى إذ صرح بانه لم يسرق وأن كذب كثيراً لأجل إستمرار الدولة الإنقاذية محبة وولاء لا مصلحة على حد تعبيره ..
وفي وسائل الإعلام إختفى صوت الطاهر التوم بل ووصل الأمر لحد أن وجدي ميرغني صاحب قناة السودانية 24 لإنهاء عقده وإعفاؤه من إدارة القناة وأصبحت القناة المذكورة صوت الثوار من خلال برنامج ( شارع القيادة ) الذي بدا وكأنه طريق تصالح قررت القناة شقه وتعبيده مع الثوار مجاراة للراهن .. ولا أنسى تلفزيون السودان الذي بدا ثورياً في كل شئ وهو يذيع خبر العثور على ملايين الدولارات والعملات الأخرى بمنزل المخلوع .. بل ووصل الأمربالناشط المعروف البوشي لتلقين مذيعي وإدارة القناة محاضرة في الديمقراطية ومنتقداً توجههم الغير محايد أيام ثورة سبتمبر وديسمبر وإستمع الجميع للبوشي وهو في فورة غضبه بعيد خروجه من المعتقل .. ولم يفتح الله عليهم غير أن يطأطؤوا رؤوسهم ويستمعوا وينصتوا ويؤمنوا على كل ما قاله .. ولم تقصر قناة الكاردينال إذ تم إذاعة برنامج عن الشهداء طوال شهر رمضان بزيارة لأسر الشهداء بل وتقديم الهدايا لهم والتأكيد مع نهاية كل حلقة على تحايا الكاردينال لأسر الشهداء ويكرر المذيع أن هذه الحلقة بتوجيه مباشر من الكاردينال ..
الأمثلة والنماذج كثيرة على الإنتكاسة من الجانب الشريك في الثورة كما يدعي .. ولا يسع المكان لذكرها ولكن المثير في الأمر هو شخصية حميدتي إذ رغم معرفة الناس بماضيه الأسود في دارفور من حرق ونهب وإغتصاب لحرائر دارفور من قواته المزعومة .. إلا أن الناس قد كادوا يغفرون له ذلك بعدما مهد له الصحفي عثمان ميرغني في قضية قتل المتظاهرين وأن البشير قال لهم بقتل الثلث أو النصف إن إستدعى الأمر .. كان حميدتي في أول ظهور له مثالياً جداً وهو يحكي أنه عند سماعه كلام البشير قال في نفسه ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) في إشارة إستنكارية عالية العزم تظهر لمن يسمعها ( تدين ) صاحبها وخوفه من قتل النفس المؤمنة .. ولم تمض أيام إلا وحميدتي وبعد تأثير كبير من لوبي الموساد السوداني يقع فيما ظنه محرماً من دماء شباب أبرياء وسلميين بل وقتل وجرح المئات ونسى أو تناسى ما قاله على مسمع من 35 مليون شاهد هذا غير العالم الخارجي .. حسبنا الله ونعم الوكيل ..وكأن هؤلاء شعب كولمبيا لا شعب السودان ..
خاتمة لطيفة وهي أن حميدتي وصف أخوه أحمد هارون بأنه قاتل وأن مكانه السجن وليس إدارة ولاية .. ها هو ذا أحمد هارون يخرج لسانه ساخراً من حميدتي الذي يقتل بلا هوادة ويفعل ما أنكره على هارون وكأنه يقول ذاك قتلاً وهذا إحتساباً وتقرباً لله وكأني بهارون يقول لنا في لقاء تلفزيوني مشابه ومن داخل السجن أن حميدتي مكانه ( السجن ) ..
موسى محمد الخوجلي
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
موسى محمد الخوجلي
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|