المقالات
السياسة
الجرثومة الانقلابية التي لسعت الجيش ..
الجرثومة الانقلابية التي لسعت الجيش ..
07-03-2019 06:29 AM

الجرثومة الانقلابية التي لسعت الجيش ..

هذا العنوان مستقى من محاضرة سياسية للسيد الصادق المهدي قدمها في إسلام اباد قبل نيف وثلاثين عاما في خواتيم واحد من تلك المؤتمرات الإسلامية التي لا تنتهي وأذكر أن المحاضرة كانت باللغة الإنجليزية وحسب المحاضر الجليل فإن الذي أصاب جيشنا منها لم يكن مكروبا أو فيروسا وإنما بقة Bug من تلك الآفات السريرية التي تعذب الراقدين وتقلق مناماتهم وقد كان ذلك تدقيقا حميدا من المحاضر زود به اخوتنا الباكستانيين الذين كانوا يعيشون أياما قاسية في ظل دكتاتور مسلم يبرر حكمه هو الآخر بالرجوع تقاليد الإسلام العريقة ولا سبيل لتصور بهجتهم وهو يفتيهم بأن الإسلام لم يعرف ولا يعترف بفكرة الجيش البريتوري ( أي الجيش المنظم على الطريقة الرومانية القديمة بما فيها من تراتبية مرصودة والذي يتلقى معاشه مقابل حمايته للدولة حتى لو كانت ممثلة بدكتاتور) وكان من رأيه إن الجيوش الإسلامية كانت تقوم على التطوع الذاتي وليس على الأعطية والرواتب.
إلا أن جيشنا السوداني نشأ على يد الاستعمار ونال نصيبه من الأعطية ولم تكن بالشيء القليل واستمات في الخدمة والتفريق بين ما هو عسكري- نظامي - رجولي وما هو ملكي- فوضوي-بلا مرجعية أو بلا انتساب أوامر القادة. وفي استخدامات الرتب الدنيا بالجيش يعني "شغل الملكية" الفوضى والتساهل والخيابة ومقدارا من شغل العوين بمعناه البلدي وإذا بدأ ذلك مبررا ومفهوما في سياقات كولونيالية فإنه ليس ممارسا في جيوش البلدان المتقدمة التي استعمرت العالم الثالث وزودت جيوشه بتدريباتها الأساسية فهنالك ميول على الأقل لدقرطة الحياة العسكرية (إشاعة الدمقراطية فيها) خاصة بعد انضمام النساء الصفوف القتالية والمستقبل هو وحده الكفيل بتحديد معالم الدمقراطية الوافدة على جيوش البلدان المتقدمة وعبرها جيوش العالم الثالث.
من جهة أخرى يقدم الاقتصادي السوداني العظيم مأمون بحيري في كتاب ذكرياته الصادر بالإنجليزية ومترجما عنها العربية واقعة مبكرة للممارسة السياسية للعسكرية السودانية في الأيام الأولى للاستقلال وقبل أن يختطف العسكر السلطة السياسية في البلاد. وتدور القصة في الأيام الأولى للاستقلال حين ذهب الزعيم الأزهري باندونج ومنها الهند في زيارة هي أولى زيارات القيادة السودانية الخارج ومعروف ما كان للهند من محبة وتقدير وأسبقية نضالية في نفوس الرعيل الأول من آباء الاستقلال والأزهري على وجه الخصوص. وفي ختام الزيارة وافقت الهند على تزويد السودان بطاقم من المستشارين الهنود لمساعدته في مجال التخطيط الاقتصادي. وهنالك تفاصيل شيقة عن مقام الوفد الاقتصادي بالسودان ولكن الأمر الذي يهمنا هو استعانة أحد أعضاء الوفد بالسيد بحيري لتيسير لقاء بالزعيم الأزهري وهو أمر أكمله الاقتصادي السوداني على أحسن الوجوه وبموافقة فورية من الزعيم الكبير وحين خطا الزائر الهندي خارجا من مكتب الزعيم لاحظ وجود عدد من العسكريين السودانيين في غرفة الانتظار فسأل من يكونون وأطلعه بحيري على هويتهم كقادة لجيش البلاد
• وماذا يريدون من السيد الرئيس؟
اجابه السيد بحيري
• مكاتب سيخليها الجيش البريطاني عند الجلاء ويريدونها لأنفسهم
قال الخبير الهندي
• إذن دعني اعود للسيد الرئيس. عندي له كلمة تحذير مهمة.
ومن جديد استأذن له السيد بحيري فأذن الزعيم باستئناف المقابلة وعاد الخبير الهندي يكاشف الزعيم بما يمثله العسكريون من خطر على الدمقراطية الوليدة
• إنهم أناس خطرون ولقد شكمناهم في بلادنا ولكنهم خطرون أبعد مدى وأريد ان أحذرك منهم يا سيدي الرئيس. إنهم يفعلون كل ما تتصور وما لا تتصور وبمقدورهم أن يعتقلوك يا سيدي الرئيس وأن يودعوك السجن.
وبالفعل وفي مدى سنوات قليلة وقع المحظور وقام ضابط متقلب المزاج يمارس " مشية العقرب" في أوقات فراغه وبمساعدة من رئيس قضاء انقلابي وضعا رافع العلم وأبو الوطنية السودانية في الحديد حيث مات محروق الحشا في قيود السجن والمهانة دليلا على قدرة الشعوب الاستثنائية على النكران والجحود وعض اليد التي تتقدم إليها بجميل الخدمة والإعزاز وظني أن أحدا لم يستنكر موت النميري في داره وبين أهليه ولا موت بابكر (والعوض على الله ) في القاهرة وسط هذيانات الزهايمر ولوثات العمر المتقدم.
وقذاراته في استكمال ذلك التاريخ الأسود لا أدرى كيف أقول جاء عبود أو جيء بعبود وهو رجل لاشك في كونه لطيفا ومحبوبا وكان من واجبنا أن نحاكمه بالإعدام ثم ينال عفوا رئاسيا في اليوم التالي لصدور الحكم ولكننا فضلنا أن نكون في موقع المحسن المتفضل وعندما علم شبابنا العسكريون أن الحكاية ليس فيها محاكمة وإعدام أقبلوا على اللعبة الانقلابية بلا أدنى خوف وليس أسوأ في حق الدمقراطية من العزة بالإثم والتمجد الذي مارسه النميري في نهايات عمره الشقي مفتخرا بأنه حرق حشا الأمة في محمود محمد طه وعبد الخالق محجوب وآخرين لا تعلمونهم الله أعلم بهم وفي كل ذلك قال دعبل الخزاعي أو لعله لم يقل:
 بنات زياد في القصور مصونة وبنت رسول الله في الفلوات
وزياد هو زياد ابن أبيه الذي استلحقه معاوية بن أبي سفيان كأخ له لأبيه من زانية معروفة وبنت رسول الله المعنية هي السيدة زينب غفيرة مصر حفيدة النبي وأخت الحسين وثأرهما لازال مطلوبا من قبل الشيعة الإيرانية بعد قريب من خمسة عشر قرنا على الجريمة.
واليوم ها هم العسكر ينازعون الشباب على مجد ثورتهم وينازعوننا كمواطنين سودانيين في حقنا في الترشح للمنصب العام وخوض انتخابات شفافة للوصول ذلك المنصب المطلوب وهنا يحسن بنا أن نتريث قليلا فمن أين للعسكر علم ذلك؟
لقد فتحوا أعينهم على زعيط ومعيط ولم يروا الأزهري والمحجوب إلا في الصور القديمة الباهتة باللونين الأبيض والأسود ولم يدرسوا في معاهدهم عن عظمة الجيوش وهي ترفع راية الدمقراطية وتنتصر لها أو تموت من أجلها مرددة مع الرئيس لنكولن إن حكومة الشعب للشعب بالشعب لن تبيد من وجه الأرض ولن تختفي من الوجود. من أين لهم وأكبرهم عمرا وبرهانا لم يسمع كثيرا عن أولئك الاعلام ومبلغ علمه وعلمهم يقف عند المخلوع ورفيقه النميري وما كلامهم وتصديتهم إلا تكرار ممجوج لخطابة المخلوع وغدا يرقصون رقصاته وبذلك يذبحوننا على الطريقة الإسلامية اختناقا بالضجر والسأم والملالة.

السفير محمد المكي إبراهيم
[email protected]





تعليقات 3 | إهداء 0 | زيارات 598

خدمات المحتوى


التعليقات
#1840006 [حربه]
0.00/5 (0 صوت)

07-04-2019 11:32 PM
تسلم أيها الشاعر ود المكي


#1839860 [مجودي]
0.00/5 (0 صوت)

07-04-2019 09:51 AM
مامون بحيري الإقتصادي العظيم ... والله الكلام اذا كان عن الإقتصاد وبس كان يبقى كلام

مبلوع ( بالرغم من انو في كتير من الانتقاد لإقتصاديات مامون بحيري ) ولكن الأدهى

والأمر أن يكون كلام الإقتصادي العظيم عن الإنقلابات العسكرية والراجل نفسو كان وزير

مع الإنقلابيين في عهد عبود وكان برضو مقرب مع الإنقلابي بتاع "مشية العقرب" ..

شفيق يا راجل خليل امين وشفاف .. ما تخلط السم بالسم وتغبيش وعي الناس ...


#1839746 [عمر التجاني]
0.00/5 (0 صوت)

07-03-2019 11:56 PM
شعرك اروع كما كتابتك شكرا


السفير محمد المكي إبراهيم
السفير محمد المكي إبراهيم

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة