المقالات
السياسة
من لوازم الثورة خلق آليات حماية وجودها...!!!
من لوازم الثورة خلق آليات حماية وجودها...!!!
07-07-2019 01:34 PM

تعني المدنية ببساطة قدرة الدولة على البقاء بمؤسساتها من جيش وشرطة وخدمة مدنية متمثلة في التعليم والصحة والأمن مع افتراض غياب (الحكومة)، المدنية لا تعني فقط حكومة منتخبة، وإنما تعني مجتمع مدني يدير كثير من شؤونه بنفسه وباستقلالية تامة عن الحكومة (المؤقتة)، المدنية هي مجتمع تعاقد أفراده على أن يكونوا أحراراً، والحرية تقتضي الصراع الدائم من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب الممكنة لأفراده، والصراع الدائم يتطلب قانون صارم ينظم قواعد هذا الصراع، والقانون يتطلب (قبول جماعي) يضمن سيادة هذا القانون.

يعتبر الانسان كائن (adaptive) له القدرة على التكيُّف مع البيئة التي يعيش فيها، فهو بما أوتي من عقل لم يعد في حاجة لأن يتطور بيولوجياً ليتعايش مع الطبيعة المتوحشة من حوله في سياق حماية نفسه من مهدداتها وكوارثها أو حتى استغلال مواردها، لذلك لم يكن مستغرباً أن يخضع بكامل إرادته ووعيه لكافة أشكال النٌّظم الدكتاتورية والقمعية التي أتت في مرحلة لاحقة من تطوره والمتمثلة في الكهنة والسحرة والشامانات ليدرأ عن نفسه الأذى والهلاك، واستمرت معه هذه الاستجابة في لاوعيه حتى الآن، وهذا ما يبرر استمرار المخلوع رغم ضعفه ثلاثون عاماً.

ولكن عندما يشعر الانسان بخطر يتهدد وجوده تصبح الحياة في نظره (Survival game )، فإما أن يظل على سلبيته ويداوم على تنازلاته فتبتلعه البيئة ويسحقه التاريخ، وإما أن يثور على الأوضاع المحيطة به ويحافظ على بقائه بتحوله إلى كائن قاهر للبيئة من حوله ومكيفاً لها لتلبي ضرورات بقائه فيتحول إلى فاعل (إيجابي)، وبالتالي تكون الاستجابة التي يطورها هي المحدد لمستوى ونوعية الحضارة التي سينتجها، فكل الحضارات خضعت لهذا التصور، وفق نظرية (توينبي) الشهيرة "التحدِّي والاستجابة".

غياب فلسفة التاريخ عن مناهج تفكيرنا هي التي زيفت مسيرة التاريخ واختزلته في لحظات تاريخية فارقة وفي أشخاص (الحُكَّام)، بينما الحقيقة أن صناعة الحضارات لم تكن في يوم من الأيام (لحظة) انقلاب على أوضاع سائدة ولا هي منهج (بطل)، وإنما هي استجابة مجتمعية شاملة ومستمرة تطال كافة مظاهر الحياة، يشارك فيها أناس لم يسجلهم التاريخ، فالحضارة هي نتاج موجة ثقافية (قصدية) بالضرورة، يضعها مفكرون استثنائيون، وتتم ترجمتها في شكل عبارات وشعارات سهلة ومفهومة ليسهل احتكاكها مع الواقع فتوجه كافة أنشطة وأفعال المجتمع نحو الهدف المنشود بكل تلقائية وعفوية.

بناء الدولة الحديثة يتطلب قبل كل شيء، إرساء قواعد ثقافة المجتمع المدني بصورة (قصدية جداً) وليست تلقائية جداً، وذلك للمحافظة على قِوام الدولة وتطوير مؤسساستها، عن طريق تجاوز الفهم الضيق الذي يختزل مفهوم الدولة في (السلطة الحاكمة)، وبالتالي لا بد من خلق مؤسسات للرقابة والشفافية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية نشر ثقافة التفاكر والتثاقف عبر مؤسسات مستقلة عن الحكومة، وذلك لتجاوز حالة الطبيعة البدائية وقانون الغاب والتصنيفات الاثنية والعقائدية التي أفرزتها فترة الحكم البائد.

لا توجد حلول وسط... إما مدنية ذات مؤسسات قوية قادرة على حماية نفسها وإما مدنية يعقبها مغامر دكتاتور يستثمر ضيق أحوال الناس الذي عادةً ما يعقب الثوارات...!!!

صديق النعمة الطيب
[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 277

خدمات المحتوى


صديق النعمة الطيب
صديق النعمة الطيب

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة