مليونية 30 يونيو هي الجولة الحاسمة والداعمة ، السلاح النووي الفتاك ، الذي أشهره الشعب السوداني المعلم ، في وجه قادة المجلس العسكري ، و من يتوارون خلفهم ، رسالة صريحة وواضحة لمن كانوا يخططون ، لتشكيل حكومة انتقالية تتجاوز قوى الحرية والتغيير ، وتعفص على اهداف الثورة وعلى ارواح الشهداء ، ظنا وخبلا منهم بان الثورة ظاهرة اسفيرية واعلامية ، تستند في اساسها على المعتصمين امام القيادة العامة، وعلى لايفات وبوستات تجمع المهنيين ، و مجموعة من المقيمين خارج الوطن ، وبمجرد قطع شبكة الانترنت عنها ، وفض الاعتصام ، تكون قد عزلت تماما وتقطعت بها السبل، وفقدت اركانها وقواعدها ، وإنطفأ لهيبها وسراجها ، وبعدئذ يبدأ الساسة الجدد وعلى وجه السرعة ، في تطبيق مخططاتهم لتأمين الساحات والشوارع ، واغراقها بقوات الدعم السريع ، بحجة انقاذ الوضع المتردي ، إستتباب الأمن كما يزعمون . واطلاق ايادي أجهزة الامن، لاستهداف الناشطين ، واعتقالهم والعمل على منع وعرقلة اي حراك يحدث ، ولو بالقوة ، هكذا ببساطة كان السيناريو الوهم ، الذي اخرجه لهم كتابهم وعرابيهم وأصدقائهم ، اعداء الحرية والسلام والعدالة ، في اعمدتهم ومقالاتهم ، امثال الصادق الرزيقي مستشار الفريق حميدتي - خط الهجوم ، والهندي عزالدين ، لاعب الوسط ، والطيب مصطفى ، خال المخلوع - ناحر الثور "الأبيض" فرحا بفصل جنوبنا الحبيب ، وآخرين يتحكرون على استديوهات قنوات الشعب القومية ، ويعزفون على اوتار (لا للاقصاء ) ، كي تبقى بيادق النظام السابق ، تشد بقوة على مؤسسات الدولة لتدق اسفين الفشل لأي حكومة وطنية تتربع على الحكم .
فات عليهم ان الشعب بجلالة قدره وعبر كل النوافذ والمواقع يبصر ، ويراقب ويسجل لحظة الميلاد العسيرة لثورته ، وكان حاضرا بمختلف قطاعاته وفئاته العمرية في الشوارع ، وقد قرر عدم التراجع ، وحزم امره ، على كنس و ازالة الطغيان ، وما تبقى منه ، بكل اشكاله ، وحماية ثورته مهما كانت التضحيات والتحديات .
وفي اليوم الموعود ، خرجت المسيرات المليونية ، واكتمل المشهد ، و يا للروعة ، ويا للدهشة التي عقدت حبل الكلام على الحناجر والالسنة ، حتى عدسات كاميرات المصورين تثاءبت وذهلت ، وعجزت عن تقريب نهايات الحشود الزاحفة على مد البصر ، لتقدير اعدادها ، تلك الصور واللوحات الوطنية التاريخية التي اصابت اعداء الثورة والحرية والتغيير بالإعياء ،والصمم والبكم .
فبأي شئ ينطقون وقد تحدث الشعب؟!!
كان يوما مشهودا ، قرأ فيه الجميع على شاشات الوقع ، رسالة الشعب المفتوحة الممهورة بدماء الشهداء - مدنية - حرية- سلام -وعدالة -والثورة خيار الشعب.
كلمات لها معانيه ،ا ومدلولاتها ، ووقعها ، على الانفس التي تعشق الحرية ، اهدتها جموع الشعب المنفعلة ، في قصاصات لمفاوضيها ، كتعويذات ، من شياطين العسكر وتميمة ، تحفظ اهداف ثورتهم ، ومعان تلمع ، على طاولة المفاوضات ، فلا مساومة على خيارات الشعب.
فعند اشتداد المحن تغضب الشعوب ، وتدق الطاولة ، تهتز من صرخاتها الارض ، وتصمت جميع الكائنات الاخرى ، وساعتها لن يتجرأ الطغاة على تحديها ، وسيقبلون اليها صاغرين يطأطئون رؤوسهم .
الوطنيون وحدهم ، هم المخولين بإمتلاك اسلحة القوة والتفويض من الشعوب حتى ولو كانوا عزل .
ولم يطول وقت التفاوض ، إتفق الطرفان ،
فالشعب الذي كان ينتظر على رصيف الاماني ، قلقا من مصير ثورته ، تلقى الخبر والبشارة بهدوء وتنفس الصعداء، لم يقفز على الهواء طربا ، بل فرح بحذر ، ولم تبسط كنداكات بلادي ومهيراتها كل حبائلهن الصوتية ليزغردن بنشوة الانتصار ، تعلم الجميع من جولات الحوارات السابقة ، ان الافراح يمكن تأجيلها ، وان الإتفاق بالالسن حتى وإن اصاب ، فهو فرية ومدعاة للسخرية ولا يعتد به إن لم تزيله البصمة والتوقيعات .
فسرادق الاحزان المتكئة على شوارعنا وديارنا الحزينة ما زالت جاثمة على الصدور، لم تدع الافراح تعانق السماء وتسري في تلك الانفس التي عشقت الحرية لتكتمل لوحة الاحتفالات .
تأجلت الافراح لمواسم الحصاد .
فالاتفاق ولد قيصريا من وساطة خارجية بعد تشنج وانعدام للثقة بين الطرفين دام طويلا.
فعندما تذوب تلك الثلوج الجاسمة على صدور البعض ، حتما ستجري المياه عذبة ، كما نشتهي وساعتها ، سنضحك سويا ان حسنت النوايا.
فبحسابات تعقيدات المشهد و تطورات الاحداث المتوالية ، وتداخلها ، اجتازت الثورة المربع الأصعب من مراحل النضال ، لتفسح المجال للعمل وبناء الدولة ، وتسلم الراية لجنود اوفياء وطنيون جدد متخصصون في تشخيص علات الوطن وامراضه .
ستبدأ الرحلة التي تحفها المخاطر والصعاب ، عبر ادغال النظام السابق ، أبطالها هذه المرة ، يتوشحون شارة الوطن ودرع الثورة ، خبراء يحملون افكارا ونظريات وخبرات ، فالعافية لن تعود في الحال ان لم تستأصل ، تلك الاورام والتشوهات ، التي اصابت جسد الوطن ، والامة ، سواء ومحو كل آثارها.
سيؤخر الثوار الى استراحة المحاربين ، والمراقبين للثورة ، لتبدأ مسيرة التنمية وعجلة الانتاج ، التي لا تستثنى احد ولا شبر من ترابنا،
فالثورة بذرة خير ننثرها في ارضنا البكر الخصبة ، وبالتوكل على الله وحده ، والاخلاص في العمل ، سنحصد غاياتنا واهدافنا وننعم بالاستقرار .
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.