سياسة التمكين الثوري
07-09-2019 08:02 PM
قطعت خدمات الإنترنت في السودان في أعقاب الفض الدموي لاعتصام القيادة العامة فجر الاثنين 3 يونيو 2019. وبرر المجلس العسكري الانتقالي قطع الخدمة بأن الانترنت مهدد للأمن القومي. بفض الاعتصام وقطع الانترنت كان المجلس العسكري – في معركة تكسير العظام – يعمل على تجريد الثوار من كروت الضغط المتمثلة في اعتصام القيادة العامة والاعلام باستخدام الانترنت. هذه الخطوة لم تؤثر كثيراً على الحراك الثوري فشهدت البلاد أكبر تظاهرة في تاريخها بخروج الملايين في مواكب الشهداء في 30 يونيو. بل جاءت بنتائج عكسية حيث تسببت في خسائر جسيمة للدولة ولشركات الاتصالات والمواطنين وأعاقت الكثير من الخدمات التي تعتمد على الانترنت في البلاد. منذ أول يوم لقطع الانترنت تعالت الأصوات محلياً ودولياً تطالب بعودة الانترنت وصدر حكم قضائي يلزم شركات الاتصال بإعادة الخدمة. في وقت رهن المجلس العسكري عودة الخدمة بالتوقيع على الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير، وبعد الاتفاق برر القطع بالمحافظة على الاتفاق. وسرت شائعات بأن المجلس العسكري تعاقد مع شركة خارجية لقطع الخدمة، وأن هذه الشركة طالبت بمبلغ كبير نظير إعادة الإنترنت للبلاد. هل تأخير عودة الانترنت بسبب المحافظة على الاتفاق كما يقول كباشي، أم بسبب مسائل فنية كما يقول وكيل وزارة الإعلام والاتصالات. أياً كانت الأسباب والمبررات فإنه من المتوقع أن يعود الانترنت للخدمة يوم غد الأربعاء. غير أن القصة لن تنتهي بعودة الإنترنت، ونرى أن من واجب السلطة المدنية القادمة أن تجري دراسة شاملة للتجربة، ما لها وما عليها. قطع خدمة الانترنت في السودان لمدة تقارب الشهر والنصف، كان له تداعيات وتأثيرات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية على البلاد. هل من اتخذ قرار قطع الانترنت لضرب الثورة يعي الثمن الباهظ الذي ستدفعه البلاد نتيجة ذلك؟ أم كان قراراً تعسفياً فوضوياً بدون دراسة كما عودتنا الإنقاذ؟ الشعوب تتعلم من تجاربها وأخطائها، ولابد أن تقوم السطلة المدنية القادمة بدراسة هذه التجربة دراسة شاملة وتتعلم منها وتستخلص العبر والدروس للمستقبل.
ينتظر الشعب السوداني خلال 48 ساعة إعلان القائمة النهائية للمجلس السيادي وتسمية رئيس الوزراء للفترة الانتقالية. التسريبات تتحدث عن عدة أسماء لرئاسة الوزراء منها الدكتور عبد الله حمدوك، والدكتورة فدوى عبد الرحمن، والدكتور عمر صالح، وبروفيسور منتصر الطيب، والمهندس عمر الدقير، والدكتور هاشم محمد الفضل. نأمل أن لا تكون هذه التسريبات مؤشر لخلافات وانقسامات عميقة بين قوى الحرية والتغيير. كما نأمل أن يتم الاختيار وفقاً لمواصفات ومقاييس وطنية صرفة، لا بناءً على ترضيات لن تخدم الأهداف السامية للثورة. ربما تكون التسريبات للتشويش، وربما تكون قوى الحرية والتغيير متفقة على الشخصية التي ستتولى رئاسة الوزراء ولكنها لا تريد حرق المفاجأة بحيث يبقى الشعب السوداني كله مترقباً لما سيسفر عنه التوافق. نحن جميعاً مع الشخص الذي سيتم اختياره من قوى الحرية والتغيير ما دام يتمتع بمهارات وصفات القائد التي ستمكنه من انتشال البلاد من الفرقة والتمزق والحروب، ويقودنا إلى سودان الحلم.
من كان يظن أن متاسلمي المؤتمر الوطني في حالة سبات فهو خاطئ. قيادات هذا الحزب في حالة حراك واجتماعات يومية. هدفه الأول هو العودة للسلطة مهما كان الثمن. سيستخدم كل الأساليب القذرة التي أدمن استخدامها طوال ثلاثين سنة. لن يتردد في القيام بانقلاب عسكري، أو إفشال التوقيع على الاتفاق النهائي، أو إفشال تنفيذه، وسيحارب السلطة المدنية القادمة حرباً لا هوادة فيها. لقد عرفوا بالحفر لبعضهم البعض، واشتهروا بالضرب تحت الحزام، والتامر والبيع الرخيص عند أول منعطف. وها هو أحد أذياله الداعشي محمد علي الجزولي يهدد على رؤوس الأشهاد بإسقاط الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير. لن تحقق الحكومة القادمة أهداف الثورة ما دام منسوبو النظام المخلوع متغلغلون في مؤسسات الدولة ومفاصل الاقتصاد حتى النخاع. لتنتصر الثورة وتحقق أهدافها، يجب أن لا تقتصر حكومة التكنوقراط على تسمية رئاسة الحكومة والوزراء وإنما يجب أن تمتد لتغيير وكلاء الوزارات ومدراء الإدارات والمدراء العامين وكل القيادات العليا والوسيطة في جميع مؤسسات الدولة الاتحادية والولائية الذين جاءوا لهذه المناصب بسياسة تمكين أهل الولاء للمؤتمر الوطني على أهل الخبرة والكفاءة. على حكومتنا القادمة ابتداع مصطلح (التمكين الثوري) لاستبعاد أهل الولاء للمؤتمر الوطني بتكنوقراط من أهل الولاء للوطن.
د. محمد العركي
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
د. محمد العركي
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|