المقالات
السياسة
التفاوض وبراغماتية الموقف
التفاوض وبراغماتية الموقف
07-12-2019 03:47 PM

بعد أحداث الثالث من يونيو اضحى المشهد السياسي الاجتماعي في بلادنا اكثر تعقيدا، وزاد الأمر تعقيدا ما طفح من فيديوهات صورت البشاعة المنقطعة النظير في فض الاعتصام، لقد كان هجوماً بربرياً من قوات همجية مرتزقة بلا وازاع اخلاقي او ديني او حتى مسحة من الانسانية التي وربما قد تردع عن ذلك الغلو في الفعل والمبالغة في التشفي والانتقام، فالذي حدث لا يمكن أن يصدر الا من نفس غير سوية إطلاقاً، دافعها الحقد والانتقام من تلك الثورة وابطالها، ومن تلك الاخلاق الثورية المغايرة التي عكست كل جميل في هذا الشعب الجميل وبالتالي أظهرت كم القبح والدمامة في ذلك المشروع المسمى جزافا بالمشروع الحضاري وعرت تماما عن كل لباس كل من تشدق يوما باسم الدين والنقاء .

كان قد أنقسم الشارع قبل عودة الانترنت الي فئتين متكافئتين تقريباً من حيث الكم والمنطق، فقال البعض إن ما تطرحة قيادة قوى التغيير بعيد تماماً عن نبض الشارع ولا يتسق ابداً مع حجم التفويض الذي منحه الشعب السوداني لقوى التغير والحرية في مواكب 30 يونيو الملايينية, واستهجنوا تماما فكرة أن نكون شركاء لمن دبر ثم مكر ثم غدر واستكبر، بل ورأوا أيضا أن في ذلك خيانة للشهداء والثورة . أما البعض الآخر فأعتبر أن الاتفاق مدخل لاستعادة بعض من مؤسسات الدولة ومدخل لاستعادة كامل الحياة الديمقراطية والمدنية في مقبل الايام، وأن القبول بذلك الاتفاق لا يعني التنازل عن دم الشهداء طالما كفلت الاتفاقية التحقيق المستقل في تلك الاحداث. وهؤلاء رأوا ايضا أن الاتفاقية تحقن دماء هذا الشباب الثائر الذي دونه المهج في سبيل تحقيق مطالبه.

فالموقف الأول موقف أخلاقي محترم، لكن تعوزه الجراة والسند وبالتالي التبشير السياسي، فالذين ينادون به غالبا لا يبرحون خانة تفنيد الاتفاقية بنداً بنداً، وهي مليئة فعلا بالثقوب، لكنهم مع ذلك لا يهدون الناس السبيل ولا يرونهم ما العمل؟ فالسير في هذا الطريق،-وهو بلا شك الطريق الثوري الصحيح- يبدو وحلا جدا قياساً على المعطيات في الارض، وهذا ما دفع الصحفية شمائل النور أن تناجي ربها على الملأ في صفحتها الفيسبوكية وتقول" ألهم معجزة"، فالشعب يتمسك بالتظاهر سلمياً ويعصي مدنياً، وصولا لكتلة حرجة يتدخل عندها صغار ضباط الشرفاء من الجيش السوداني ليحسموا المعركة بانحيازهم للشعب. إذا فالعقبة الكؤود تقف عند السؤال العقدة: كيف ستحسم المعركة وحال الجيش السوداني يغنى عن السؤال، فهل ما زال لدينا جيش من الاساس؟ سؤال يولد آخر: كيف ستحسم المعركة والدعم السريع يستخدم الشعب كدروع بشرية على حد وصف ياسر عرمان؟وهنا ايضاً نتساءل هل ستتورع تلك القوات البربرية عن قتل المئات بل والالوف لوأد طريق الثورة؟ وهل سيتخلى الشعب حينها عن سلميته دفاعا عن نفسه؟ كل تلك الاسئلة تلقى حملاً ثقيلاً على الكافة في اتخاذ قرار نهائي بشان التصعيد افراداً كانوا أم كتلاً سياسية, فمسئولية المآلات عظيمة حقا.

وما يزيد من ثقل تلك المسئولية أن هناك كتل سياسية واحزاب تستثمر تلك المخاوف لتدعم موقفها القاضي بالتفاوض الذي هو ديدنها وخيارها الدائم، قبل اسقاط البشير وبعد اسقاطه، وكانت حجتهم في التسوية السياسية هي انزلاق السودان لحرب اهلية في وجود الكم الهائل من الأسلحة خارج القوات المسلحة، وهذا ما كان ينفيه اصحاب مشروع اسقاط النظام تعويلا على تماسك اللحمة السودانية وان تنازعتها الايام وتعويلا على الارث والاخلاق السودانية, فكسب اصحاب المشروع الرهان ففجر شعبهم أسمى ثورة سلمية شهدهاالتاريخ الانساني. ولكن هذه المرة فالامر مختلف والعدو مرتزقة.

إن ما يزيد من تعقيد الثورة السودانية هو ان مكونات قوى الحرية والتغيير ليست كلها ثورية، وتعج بالاحزاب المهادنة حد الغرض والخنوع والاذعان وتقديم الذاتي على العام لحد أن حزبا قد نشط في تلميع قائده ليطرحه رئيسا للوزراء وهو ما يتنافي تماما مع ابجديات برتكولات ما بعد الثورة, وتصل المهادنة احيانا لمغازلة مراكز القوى في المجلس العسكري بدعوتهم احيانا للدخول في العمل السياسي من باب تكوين احزاب سياسية, ربما بغرض الائتلاف معها لاحقا, ويصل الخنوع حد أن قائدا متمردا يدعى صلات طيبة مع قائد الجهة الاخرى التي تحاربه. وبالطبع فإن اسقاط مواقف الكتل السياسية من الثورة على تجمع المهنيين واقع وبشدة, فما أعضاء تجمع المهنيين الا افرادا ينتمي جلهم الي مشارب سياسية مختلفة ومنظمين سياسيا. أ

ما الموقف الثاني من الاتفاقية فهو موقف سياسي لا يخلو من الكسل ويعوزه شيء من السند الاخلاقي وان كانت تساؤلاتهم مشروعة في ظل المعطيات التي اسلفنا ذكرها , وموقفهم اقرب استنادا على فقه الغاية تبرر الوسيلة, ففي سبيل تحقيق الدولة الديمقراطية المدنية يقبلون أن يصافحوا ويشاركوا القتلة والمغتصبين وهم يضمرون لهم شرا مستطيرا. وهذا العوز الاخلاقي لهذا الموقف يتجلى في تصريح تجمع المهنيين حين اقبلوا على التفاوض وقالوا ان قوى الحرية والتغيير قبلت بالتفاوض المباشر مع المجلس العسكري بالاجماع, والحقيقة أن هناك كتلتين رفضتا التفاوض المباشر, وهذا يعكس مدى الحرج الذي يلاقيه من يتبنى ذلك الموقف صراحة.

إلا أن السؤال العصي ايضا لدى مؤيدي الموقف التفاوضي هو هل المجلس العسكري طرف موثوق فيه ويمكن ائتمانه على مبادئ الثورة واهدافها طيلة رئاستهم للفترة الانتقالية ويمكن ان نتواثق معه من جديد ونعاوده وهذا أثر فأسه؟ السؤال يصبح اكثر الحاحاً بعد أن رأى الناس فظاعة فض الاعتصام بعد عودة الانترنت, وخاصة ان تلكؤ المجلس العسكري في ابرام الاتفاقية واضح، وتصريحاته عن مضامين بنود الاتفاقية يختلف عن ما اتفق عليه وتعليق الطاهر حسن التوم في هذا الخصوص صحيح مائ بالمائة حينما اشار لذاك التضارب الشديد بين ما اتفق عليه من صلاحيات المجلس السيادي عند الاستاذ صديق يوسف وعند البرهان, وبالطبع القول قول صديق يوسف, وبالطبع إن المرء ليعجب ما هو المجد الذي يبحث عنه البرهان والعطا والكباشي من وراء الكذب والخداع والقتل والاغتصاب والارتهان للخارج, فأي مجد هذا ؟!!!

اذا ما العمل ؟! في رائي أن المواكب المليونية المعلنه يوم 13 يوليو يجب ان لا تكون فقط خروجا للشوارع وتفويضا على بياض من الشعب لقوى الحرية والتغيير فقوى الحرية والتغيير كما اسلفنا خشم بيوت , ويجب ان تصيغ لجان المقاومة مطالبها واهدافها بوضوح تام , هل هي مع الذهب الي اسقاط المجلس العسكري ام هي مع الذهاب في كنف هذ الاتفاقية, فالامر مبتدأ وعندئذا عند الشعب, فالالتفاف من الان وصاعدا يجب ان يكون متمحورا حول المطالب والاهداف اكثر من كونه حول الكتل السياسية, على الاقل الآن, حتى يحدث اصطفاف جديد يعيد الامور لنصابها.

مختار محمد مختار
[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 480

خدمات المحتوى


مختار محمد مختار
مختار محمد مختار

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة